جهاد اليازجي
مع اقتراب موسم القمح، يشتد التنافس بين النظام السوري والمجموعات المعارضة على شراء أكبر كمية ممكنة من هذا المحصول. ويتمتع محصول القمح بأهمية إستراتيجية في سوريا بسبب استخدامه في تصنيع الخبز الذي يعتبر غذاءً أساسياً بالنسبة للمواطنين السوريين. وفي السنوات الأربع الأخيرة أصبح السوريون أكثر اعتماداً عليه في غذائهم، بسبب تراجع قوة المواطنين الشرائية، وعدم قدرة كثيرين على شراء مواد غذائية أخرى.
ولتشجيع زراعة القمح دأبت الحكومة السورية، وعلى مدى عقود مضت، على شراء المحصول بأسعار تعادل، أو تفوق، أسعاره في السوق العالمية، كما أنها كانت تقدم للمزارعين البذار، الأسمدة، مياه الري، والقروض المصرفية بأسعار مدعومة. غير ان الحكومة أعلنت الأسبوع الماضي، أنها ستدفع 61000 ليرة، أي حوالي 244 دولاراً، للطن الواحد، بزيادة الثلث مقارنة بأسعاره في العام الماضي أي 45000 ليرة، أي حولي 180 دولاراً. وفي حين تأمل الحكومة السورية شراء حوالي 1.8 مليون طن من القمح، فإن أحد التحديات التي ستواجهها يكمن في قدرتها على الوصول إلى القمح، وتوزيعه.
تقليدياً، هنالك حالة من عدم التوازن بين مناطق زراعة القمح، المنتشرة في الشمال والشمال الشرقي من البلاد، ومناطق الاستهلاك حيث تتواجد غالبية السكان، والتي تتركز في الغرب. والآن، أصبحت حالة عدم التوازن هذه أكثر حدة، نظراً لوجود غالبية مناطق الإنتاج خارج نطاق سيطرة الحكومة، بينما يتركز غالبية السكان في مناطق سيطرتها.
في الواقع الحكومة ستكون مضطرة للتفاوض مع المجموعات المعارضة، والمجموعات الكردية، و”داعش” بهدف الحصول على القمح وتوزيعه.
كما تواجه حكومة النظام منافسة من قبل الحكومة المؤقتة التابعة لـ”الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” ومن المجموعات المعارضة المسلحة الذين يسعون بدورهم للحصول على القمح.
الى ذلك، نقلت صحيفة “العربي الجديد” في عددها الصادر في السادس من أيار الجاري، أن الحكومة المؤقتة تسعى للحصول على تمويل من “مجموعة أصدقاء الشعب السوري” لشراء قرابة 50000 طن من القمح من المزارعين المحليين مباشرة، لتأمين الغذاء للسكان الذين يعيشون في المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرة المعارضة. وفي حقيقة الأمر، تقدر الحكومة المؤقتة احتياجات هذه المناطق بما يعادل عشرة أضعاف هذه الكمية، الأمر الذي يشير إلى عجز الحكومة المؤقتة، نظرا لشح مواردها المالية، عن تأمين حاجات قسمٍ ضئيل من المواطنين الذين تعتبر الحكومة المؤقتة نفسها مسؤولة تجاههم.
أما موقع “كلنا شركاء” الإخباري (القريب من المعارضة) فقد أورد أن حركة “أحرار الشام” الإسلامية أعلنت جهوزيتها لشراء محصول القمح من الفلاحين. وبحسب مسؤولين في الحركة فان الهدف هو ضمان الحاجات المعيشية الأساسية للأهالي وحمايتهم من جشع أمراء الحرب. ولا تتوفر تفاصيل حول أسعار شراء القمح أو الكميات التي تخطط الحركة لشرائها.
والجدير بالذكر، انه إذا ما صدقت هذه المعلومات فإنها ستكون المرة الأولى التي تنخرط إحدى المجموعات المسلحة التابعة للمعارضة في مثل هذا النوع من النشاط الاقتصادي الواسع نسبياً، ما يكشف عن طموحها في إدارة المناطق الخاضعة لنفوذها. وحتى اللحظة، أظهر كل من “داعش” والمجموعات الكردية، بعضاً من أشكال التنظيم الإداري، بينما كانت الفوضى هي السائدة في مناطق المعارضة. الى جانب ذلك، هناك تقاسم غير رسمي للمهام بين المجموعات المسلحة التي تتولى مسؤولية العمليات العسكرية وبين الحكومة المؤقتة والمنظمات المدنية الذين يتولون مسؤولية تقديم الخدمات للأهالي.
وفي السياق، يمنح التحكم بمصادر القمح أطراف الحرب عدداً معيناً من الميزات. فهذا التحكم يسمح بتلبية حاجات السكان، ويقلِل بالتالي من احتمال بروز حالات التذمر في صفوفهم، ويضفي الشرعية على هذه الأطراف لأنه يبرهن قدرتها على إدارة حياة السكان في مناطق سيطرتها، كما أنه يشكل أداة من أدوات السيطرة والإخضاع والابتزاز تجاه السكان الواقعين تحت نفوذها، أو تجاه الأطراف الأخرى التي تتقاتل معها.
وفي حين يعتبر القتال بغية الوصول إلى الموارد ميزة مهمة في أي حرب أهلية، فإنّ المعركة من أجل القمح هي قضية أكثر حساسية بكثير بالنسبة للسكان المنهكين، لان القدرة على الحصول على القمح وبالتالي على أكل الخبز سيرسم الخط الفاصل بين الفقر والجوع، والذي هو تهديد جدّي. ونظرا لهذه الأهمية، يقع على عاتق كافة الأطراف المتقاتلة والمجتمع الدولي، مسؤولية الحيلولة دون تحول القمح إلى ضحية من ضحايا ديناميكية الحرب.