IMLebanon

تجفيف منابع تمويل الإرهاب.. بُعد إقتصادي لأزمة سياسية

TerrorismFinanceConference
خضر حسان

تحفل الساحة المصرفية العربية في الفترة الأخيرة بالمؤتمرات التي تتناول كيفية مكافحة تبييض وغسيل الأموال، ومكافحة الجرائم المالية بكل أشكالها. ولأن النظام المصرفي العربي غير معزول عن النظام العالمي، كان من الطبيعي ان تعلن المصارف العربية إلتزامها بالتوجيهات والإتفاقات والقوانين المصرفية الدولية، وأهمها توصيات البنك الدولي وصندوق النقد، وتوصيات المؤتمرات الدولية الهادفة الى الحد من الجرائم المالية.

غير ان الإلتزام بكل ما تقرره الجهات المصرفية الدولية تجاه العمليات المالية غير المشروعة، وتجاه المخاطر التي تنتج عن عمليات مشروعة، مثل صيرفة الظل، يمكن التطرق إليه من زاوية إقتصادية بحتة، خلال تلك العمليات المتعلقة بتمويل الإرهاب، إذ يستحيل فصلها عن السياسة، لأن العمليات الإرهابية التي يشهدها العالم أجمع، لا تنفصل عن الإطار السياسي. ولأنها كذلك، يصبح التطرق الى دور الأنظمة الرسمية في مسألة تمويل الإرهاب أمراً مشروعاً. ويصبح في الجانب الآخر، الحديث عن توصيات وقوانين وممارسات مصرفية، في خانة معالجة النتائج لا الأسباب، كي لا يُقال بأنها كلام في الهواء. وأيضاً، فإن الأنظمة التي تعتبر طرفاً في أي صراع داخلي أو خارجي، لا يعوّل عليها في إيجاد آليات لمكافحة الجرائم المالية، وخصوصاً تمويل الإرهاب، لأن التمويل في تلك الحالة هو جزء لا يتجزّء من العمليات المالية “الطبيعية” للأنظمة. وفي أحسن الأحوال، تُعتبر تلك العمليات مشروعة بهدف مقاومة الإرهاب المتمثل بأعمال الطرف الثاني. لكن في النهاية، هناك عمل مالي يسهم في تمويل عمليات عسكرية، وهو أمر ليس ضمن الإختصاص الطبيعي للمصارف.

ولأن الواقع لا يشي بأي إيجابيات في هذا الملف، يصبح من الضروري الإعتراف بأن تعزيز المصارف اللبنانية لإجراءاتها الداخلية المتصلة بمكافحة الجرائم المالية، لا يقدّم تأثيرات إيجابية في مكافحة هذه الجرائم. ومن تلك الإجراءات على سبيل المثال “إنشاء كل مصرف وحدة متخصصة سميت “وحدة التحقق”، وتدريب الموارد البشرية وتأهيلها وإدخال البرمجيات المعتمدة عالمياً”، أو إصدار القوانين مثل “القانون رقم 2001/318 لمكافحة تبييض الأموال، والذي تميز بإنشاء جهاز تحقيق له طابع قضائي لدى مصرف لبنان”، وفق ما أورده رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزيف طربيه، خلال إفتتاح منتدى “آليات تجفيف منابع تمويل الإرهاب”، الذي عقد اليوم في فندق كورال بيتش – بيروت. وهذا الإعتراف لا تخفيه الجهات السياسية اللبنانية، فالمصارف، برأي عضو لجنة المال والموازنة النيابية جمال الجراح، “شو بتقدر تعمل إذا النظام متبني هالفكرة (تمويل الإرهاب)؟”، لكن برغم ذلك، وفي رد على سؤال لـ “المدن” حول موقف المصارف من تمويل الأنظمة للإرهاب، أشار الجراح الى ان “على القطاع المصرفي ان يقوم بدوره”، إذ يفصل الجراح بين الدور الإقتصادي الطبيعي للمصارف، وضغوط الأنظمة سياسياً. ولفت النظر الى ضرورة “الإهتمام بالتنمية ومحاربة الفقر لعدم خلق بيئة مؤاتية تسمح للجماعات الإرهابية بإستقطاب الشباب”.

ولإنصاف المصارف وموظفيها، لا يستبعد أحد العمل الحثيث لمدراء المصارف وكافة الموظفين، للحد من مخاطر الجرائم المالية. وهؤلاء لا يتركون مجالاً يسهم في الحد من الجرائم إلا ويتناولونه بالتعاون مع السلطات الأمنية المختصة. غير ان الوصول الى الحد من تمويل الإرهاب، يعقّد الأمور على المصارف وعلى تلك الجهات الأمنية التي لا صلة لها برأس القرار السياسي في البلاد. وعليه، فإن محاولات “تجفيف منابع تمويل الإرهاب” تبقى عقيمة أمام وجود قرار رسمي من النظام الحاكم، بدعم عمليات عسكرية أو خلق تنظيمات تقوم بأعمال “إرهابية”، حتى وإن اختلفت وجهات نظر التحليل السياسي، حول توصيف تلك العمليات العسكرية. وعجز المصارف اللبنانية، لا يتوقف عند معضلة تجفيف منابع تمويل الإرهاب، لأن هذا التمويل لا مصدر أحادياً له، “فالتمويل ليس أموالاً نقدية تمر عبر المصارف فقط، بل هو سوق عقارات وأبنية ومصادر أخرى، يحتاج الحد منها الى تفعيل قانون من أين لك هذا”، بحسب ما قاله ممثل “جمّال ترست بنك”، خالد عيتاني، الذي أوضح لـ “المدن” ان “قضية تمويل الإرهاب أكبر من البحث عنها في العمليات المصرفية العادية”.

إنتقال الحديث في المنتدى من نقاش تمويل الإرهاب عبر القنوات الإقتصادية البحتة – التي تشمل الأعمال المصرفية وبيع النفط بعد الإستيلاء على الآبار، أو عمليات تهريب وبيع الآثار – الى البحث عن الدور السياسي لتلك العملية، فتح الباب أمام ممثلي المصارف المحلية والعربية لـ “فش الخلق” وتصويب الإتهام المباشر للأنظمة في تمويل الإرهاب، أو إعداد الأرضية له، عن طريق إهمال المتطلبات المعيشية للمواطنين، والتي تخلق البنى التحتية لضخ الدم في عروق الجماعات الإرهابية. وفي هذا الإطار، أكّد رئيس رابطة المصارف العراقية الخاصة وديع الحنظل، على ضرورة معالجة أسباب الإرهاب، قبل الحديث عن طرق مكافحة تمويله. مشدداً على أهمية “تحصين البيت والبلد والشعب عبر تقديم مقومات النجاح وخلق فرص العمل وتخفيض البطالة وإطلاق المشاريع الإقتصادية”، رافضاً أسلوب معالجة الأنظمة العربية للثورات الشعبية بإستخدام القوة. ورأى الحنظل ان “الحكومات في تونس وسوريا والعراق دفعت ثمن ممارساتها”.

وأمام هذه المعطيات، يصبح من الضروري على المصارف الإنخراط في عمليات تمويل المشاريع الإنتاجية، خصوصاً عبر تخفيض الفوائد على القروض المصرفية المعدة للإستثمار في المشاريع المتوسطة والصغيرة في مناطق الأطراف، والتي تستهدف ذوي الدخل المحدود الذين يسهل تجنيدهم للقيام بعمليات إرهابية، طمعاً بالمال وتحسين ظروف العيش، وطمعاً بمكاسب ماورائية. ويصبح من الضروري من جهة أخرى، تصويب النقاش نحو البُعد السياسي للعمليات الإرهابية التي تديرها أو تستفيد منها الأنظمة، بدلاً من البحث في دور المصارف التي لا حول لها ولا قوة أمام القرار السياسي.