IMLebanon

حتى مع هبوط أسعار النفط .. في السعودية تحول اقتصادي لا يستهان به

SaudiKSAEconomy

أنجلي رافال وسيميون كير

تثبت الرياض في مواجهة دعوات للتنويع، أنها تستطيع تحمل صدمة تراجع أسعار النفط في السوق العالمية، بإصرارها على الإنفاق.

ما إذا كان انخفاض أسعار النفط يضغط على الاقتصاد السعودي، بالتأكيد هذا لا يبدو ظاهراً.

في الرياض، عشرات الرافعات تلوح في أفق مركز الملك عبد الله المالي، مُعدّة لتكون رد المملكة على مجموعة كناري وارف في لندن، حيث تشتمل على نحو 60 برجا فخما وخط حديدي لقطار كهربائي. في كل أنحاء المدينة، العمال المهاجرون يكدحون في العمل على المشاريع السكنية، التي تستهدف سدّ فجوة الإسكان في البلاد. في الوقت نفسه، يتم حفر الطرق من أجل نظام مترو جديد.

إنه تحوّل لا يستهان به لمكان بدأ كمحطة توقّف مصنوعة من الطوب على الطريق التجاري الصحراوي. مع ناطحات السحاب المكسوّة بالزجاج، والجامعات الجديدة القوية، والفنادق الخمس نجوم والمواقع البعيدة لمتاجر التجزئة الغربية مثل هارفي نيكولز، تحوّل الرياض نفسها من مدينة إلى رمز من الرموز اللامعة لثروة المملكة النفطية.

تحت السطح المُزدهر، هل هناك من مشكلات بدأت تتشكّل؟ مجرد تساؤل. تحاول السعودية استيعاب الهبوط الكبير في أسعار النفط الخام منذ حزيران (يونيو) الماضي. على الرغم من الارتفاع في سعر خام برنت، المؤشر الدولي، إلى نحو 65 دولارا للبرميل، إلا أن سعر النفط لا يزال منخفضاً بنسبة تزيد على 40 في المائة مقارنة بمستويات الأسعار في الصيف الماضي.

حتى الآن لم يكن هناك أي تأثير واضح على سكان الرياض البالغ عددهم 5.7 مليون نسمة.

يقول عبدالله محمد العامري، صاحب مشاريع وسائل الإعلام الاجتماعية: “بالنسبة لي، إنه العمل كالمعتاد، لكن على الرغم من أننا لم نتأثر في الوقت الحالي، إلا أنه من المتوقع أن تعمل أسعار النفط المنخفضة على التأثير على الاقتصاد الأوسع”.

ويضيف إن الحل الوحيد هو أن تنوّع السعودية اقتصادها بعيداً عن صادرات النفط، التي تمثّل 43 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي فيها.

البعض يرى مفارقة أن السعودية بزيادة الإنتاج تسهم في انخفاض الأسعار. ويُعزى انخفاض سعر خام برنت إلى الوفرة التي أوجدها ارتفاع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة.

على أن الأسعار قد عانت التهاوي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بعد أن قررت منظمة أوبك، اتحاد المُنتجين الذي تُهيمن عليه السعودية، الحفاظ على الإنتاج دون تغيير بدلاً من تخفيضه لدعم الأسعار. أوضحت الرياض أنها مستعدة لتحمّل فترة من أسعار النفط الخام الرخيصة بدلاً من التخلّي عن حصتها السوقية.

السعودية، أكبر مُصدّر للنفط في العالم، هي أكثر عُرضة بكثير لخطر أسعار النفط المنخفضة من البلدان المُنتجة الأخرى ذات الاقتصادات الأكثر تنوعاً: في الأعوام الأخيرة، كانت إيرادات النفط تمثّل أكثر من 90 في المائة من دخل الحكومة.

علاوة على ذلك، تعتمد صحتها الاقتصادية على بقاء أسعار النفط الخام مرتفعة.

نقطة التعادل بالنسبة للسعودية – سعر النفط اللازم لموازنة الميزانية في أي عام مُعين – كانت ترتفع بسرعة، من 68 دولارا للبرميل في عام 2012 إلى ما بين 95 دولارا و106 دولارات للبرميل هذا العام، وذلك وفقاً لتقرير من إعداد خالد السويلم من مركز بيلفر. مع تداول النفط الآن بسعر يقل كثيراً عن هذا المستوى، فإن الآثار على الميزانية بالنسبة للرياض مُثيرة للقلق.

يُصرّ بعض المسؤولين السعوديين أن المملكة معزولة جداً عن صدمة النفط، لكنها كانت تنفق من خزانتها الكبيرة من احتياطات النفط الأجنبي، التي وصلت ذروتها إلى نحو 800 مليار دولار في منتصف عام 2014. انخفضت الاحتياطات بمقدار 36 مليار دولار في آذار (مارس) ونيسان (أبريل) وحدهما. ويتوقع مختصو الاقتصاد أنه إذا لم يتغيّر المسار، فإنها قد تتضاءل إلى 500 مليار دولار في غضون عامين.

اشتد سخاء الدولة عندما استلم سلمان بن عبدالعزيز، الملك الجديد، العرش في كانون الثاني (يناير) وأعلن بسرعة عن مكافآت للموظفين في القطاع العام، وبعد ذلك، للجيش – وهذا بمنزلة نفقات كبيرة في بلاد ثُلث جميع موظفيها موجود في القطاع العام.

الحملة العسكرية لمدة ستة أسابيع ضد المتمردين الحوثيين في اليمن تفرض أيضاً عبئاَ مالياً متنامياً على الرياض. وقد يتراجع الفائض إذا بقيت أسعار النفط منخفضة. قال ألدو فلوريس كيروجا، الأمين العام لمنتدى الطاقة الدولي القائم في الرياض: “قد لا يشعر الناس بانخفاض أسعار النفط، لكنهم يطرحون أسئلة حول ما تعرض له ميزانية البلاد”.

انخفاض أسعار النفط لم يؤثّر في خطط الرياض الطموحة للإنفاق الرأسمالي.

اعترف إبراهيم العساف، وزير المالية السعودي، في مؤتمر في العاصمة هذا الشهر أن أسعار النفط المنخفضة تشكل “تحدّياً للبلدان المُصدّرة” وأن الحكومة عليها “ترشيد” الإنفاق.

مع ذلك، أصرّ على أن الوضع المالي في بلاده “قوي جداً” وستمضي قُدماً بالعمل على في نحو 2600 مشروع بقيمة 50 مليار دولار كانت قد تعهدت بها العام الماضي.

من ناحية أخرى، الدلائل على وجود تباطؤ بدأت تظهر في بعض المجالات. الشركات التي تعتمد على العقود الحكومية تتوقع إيرادات منخفضة هذا العام، في حين أن قطاع النفط بدأ يشعر بالفعل بالآثار. يقول أحد الدبلوماسيين الغربيين: “شركة أرامكو السعودية وغيرها من الجهات الحكومية لا تقوم الآن بإعطاء الضوء الأخضر لبدء جميع المشاريع”.

“في حين أن العمل يمضي بالمشاريع الرئيسة، إلا أن هناك مشاريع أخرى سيتم تخفيضها أو تأجيلها إلى أجل غير مسمى”.

يقول محللون إن هذه المشاريع تشمل خطط الحفر في المياه العميقة في البحر الأحمر. في الوقت نفسه، لا يزال عشرات المُتعاقدين الأجانب الذين عينتهم شركة أرامكو السعودية لبناء ملاعب رياضية في جميع أنحاء البلاد، ينتظرون الضوء الأخضر للبدء في العمل.

هذا التباطؤ أثار المخاوف حول قلّة فرص العمل للشباب.

قال أحد الأساتذة في المنطقة الشرقية في المملكة، موطن الجزء الأكبر من صناعة النفط في البلاد: “يُشير الطلاب منذ الآن إلى أن شركة أرامكو تتمهل في التعيين في بعض الأقسام، وأن الفرع المحلي لمجموعة خدمات النفط الدولية شلومبيرجر، يتبع النهج نفسه في الآونة الأخيرة. لذلك هناك مخاوف بشأن الأثر السلبي الذي قد يحدث في التوظيف”.

التغييرات التي وضعها الملك سلمان مُصمّمة للمساعدة على مواجهة تحدّيات أسعار النفط. حيث أجرى الملك، جزءا من تغييرات واسعة في وقت سابق من هذا العام، شكل بموجبها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي يملك مهمة تحسين التنسيق بين الوزارات والإصلاحات الاقتصادية المُتقدّمة.