في حوار مع جريدة الديار أسرّ نائب مدير دائرة الشرق الاوسط في صندوق النقد الدولي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى السيد عدنان مازاري عن بعض الخطوات الماليّة التي قد تحتاج الحكومة أن تتخذها لسدّ العجز المالي الذي تعاني منه. فأعرب أنه قبل التطرّق إلى السياسة المالية في لبنان يجب النظر إلى إقتصاد البلد ككل.
نجح لبنان بشكل مفاجئ و سار في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي في مواجهة عددٍ من التحديات أهمها عدم الإستقرار الاقليمي والمشاكل والقضايا التي نتجت عنه ما أدى إلى تدفق عدد كبير جدا من السوريين إلى الأراضي اللبنانية.
تعامل لبنان مع نزوح اللاجئين السوريين بكرم وسخاء فتقبل وجودهم، ولكن في الوقت عينه حملّ اللاجئون لبنان تكاليف باهظة سواء كان ذلك عبئاً على الموازنة أو على البنية التحتية أو على سوق العمل. وقد حاول المجتمع الدولي المساعدة وتقديم الدعم للبنان ولكن المساعدة لم تكن على قدر التكلفة التي نتجت عن وجود اللاجئين.
إضافةً تزايدت الضغوط على الموازنة والإيرادات المالية العامة للبلد طوال منذ سنوات عدة. ولم ترافقها ارتفاعات موازية في الايرادات، ونتيجة ذلك ارتفع الدين العام في لبنان. ويجب تقييم السياسة المالية على ضوء كل هذه المعطيات.
وأيضا يجب تقييم السياسة المالية وفقاً لمدى مساهمتها في استقرار الاقتصاد ومدى نجاحها في توزيع الموارد على القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم ورعاية المحتاجين، وكذلك الإنفاق على البنى التحتية والمرافق العامة.
وتسببت الخضات الإقليمية والمشاكل الداخلية كغياب رئيس للجمهورية وشلل المؤسسات بخلق مخاطر ونقاط ضعف جديدة تؤثر على الإقتصاد وتحتاج إلى المعالجة.
أما المشكلة الأساسية التي على الحكومة أن تحتويها وتقلّل من آثارها فهي العجز في الموازنة، فترك الأمور على حالها ليست بالأمر الصحي وسيزيد من نقاط ضعف كما سيؤثر سلبا على عمل السياسات المالية.
كيف نعالج هذه المشكلة، وما الخطوات التي ينبغي القيام بها؟
من جهة يجب العمل على بعض الخطوات على المدى المتوسط، كإعادة النظر في الضرائب وإدارة النفقات العامة. من جهة أخرى يمكن العمل على خطوات فوريّة من شأنها الحرص على إبقاء البلد مستقر اقتصادياً وأيضا المساعدة على تعزيز الثقة بأنه ورغم كل المشاكل التي يواجهها لبنان لا بد من السير إلى الأمام.
أولاً: من المهم وضع موازنة. لم توضع في لبنان موازنة منذ ما يقارب العشر سنوات. فالموازنة ضروريّة كي تحصل السلطات والشعب على صورة واضحة و شفافة عن برنامج الحكومة لعمليات هذه الموازنة. ويستطيع الشعب أن يعرف ما تنوي ان تنفقه الحكومة وكيف تقوم بتمويل نفقاتها. لذا كان صندوق النقد الدولي يحث السلطات دائما على وضع الموازنة.
ثانياً: يشكل قطاع الطاقة مصدر استنزاف رئيسي لمالية الدولة والنمو وفرص العمل في لبنان. فقطاع الطاقة ومشاكله تعد حملاً ثقيلاً على النمو وتخلق أعباءً كبيرة للسياسة المالية ولموقف لبنان الخارجي، لذا يجب على الإرادة السياسية أن تعالج هذه المشكلة في أقرب وقت ممكن.
ثالثاً: من المهم اغتنام فرصة انخفاض أسعار النفط العالمية لإعادة النظر في الإعفاءات الموجودة على استهلاك الوقود، إذ يجب تعديل الضرائب على الوقود التي ازيلت عند ارتفاع أسعار النفط عالمياً. فقد تكون هذه الإعفاءات مناسبة عندما كانت أسعار النفط مرتفعة للغاية ولكن الأوضاع تغيّرت و لذلك من المهم الآن إزالة هذه الإعفاءات.
ووفقاً لدراسات قام بها صندوق النقد الدولي فإن شرائح المجتمع الميسورة هي أكبر المستفيدين في منطقة الشرق من هذه الاعفاءات . وبالفعل بدأ عددٌ من الدول في هذه المنطقة باتخاذ خطوات اصلاحية بالغاء هذه الاعفاءات.
وأيضا من المهم أن يرى الشعب أن إيرادات الحكومة تجبى بشكل عادل و لذلك من الضروري تحسين إدارة الضرائب .
رابعاً: من المفيد رفع الضريبة على القيمة المضافة ولو قليلاً من أجل المساعدة على التغلب على التحديات المالية التي تواجه لبنان. فالتحديات المالية التي يواجهها لبنان كثيرة جداً، ويمكن ان تفرض مخاطر على استقرار الاقتصاد الكلي والنمو في هذا البلد، ومن هنا الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتخلص من هذه العقبات. ولهذا السبب يدعو الصندوق المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم الذي يحتاجه لبنان لمواجهة التحديات الكبيرة التي تنتج عن استضافة اللاجئين السوريين.
خلال زيارتي للبنان كان لي شرف لقاء رئيس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، ووزير المالية، وحاكم مصرف لبنان ومسؤولين آخرين، فضلاً عن ممثلين أصحاب مختلف قطاعات الأعمال. وإلى جانب صندوق النقد أجمع الكل على ما يجب القيام به وضرورة اتخاذ إجراءات في وقت قريب.
وأشار نائب المدير مازاري الى الخطوات الطارئة التي يجب القيام بها، أولها وضع الموازنة، وثانيها ترشيد النفقات، حيث أن هذه الأخيرة في قطاع الكهرباء تشكل عبئاً كبيراً السياسة المالية والموازنة. وأيضاً من الضروري تخصيص بعض النفقات من أجل البنى التحتيّة وشبكات الحماية الاجتماعية. فالأموال المخصّصة للبنى التحتيّة في لبنان هي من ضمن الأدنى في العالم.
وأعاد مازاري التأكيد على ضرورة رفع الضريبة على القيمة المضافة كي تساعد الحكومة على جمع الموارد اللازمة لسداد عجز الموازنة.