Site icon IMLebanon

التنين الصيني ينقذ بوتين

russia-china
ي خطوة قد تحطم أهداف الحظر الاقتصادي الغربي على موسكو الرامية إلى إجبار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الانسحاب من شبه جزيرة القرم بأوكرانيا، وقعت الصين 32 اتفاقية تجارية ومالية جديدة مع روسيا خلال الأسبوع الماضي.
ويرى مراقبون أن حزم الاتفاقات الجديدة بين روسيا والصين التي تم إبرامها في الثامن من مايو/ أيار الجاري، أثناء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الأخيرة إلى موسكو للمشاركة في احتفالات الذكرى السبعين للانتصار على النازية، خطوة أكثر من جدية تجاه دعم روسيا ضد الحصار الغربي. وينتظر أن تساهم هذه الخطوة في تعزيز قدرة البلدين على مواجهة سياسات واشنطن التي تستهدف اقتصاديهما معاً.

32 اتفاقية جديدة

إضافة إلى الاتفاقيات التي أبرمت في مايو/أيار 2014، بين بكين وموسكو والتي بلغ عددها 51 اتفاقية، تم أثناء زيارة الزعيم الصيني الأخيرة إلى موسكو إبرام 32 اتفاقية أخرى، ليصل عدد الاتفاقيات بين البلدين، على مشاريع كبرى في قطاعات استراتيجية مختلفة، إلى 83 اتفاقية، وبعضها نوعي من حيث المبدأ.
وفي حين تم الاتفاق السنة الماضية على مشاريع بنية تحتية عملاقة في مجال الشحن البري عبر سكك الحديد وأنابيب نقل الغاز وسواها، فإن اتفاقيات الأسبوع المنصرم شملت اتفاقية بين شركة “غاز بروم” الروسية و”شركة النفط والغاز الوطنية الصينية” لتحديد شروط توريد الغاز الروسي إلى الصين عبر “الخط الغربي” الذي ينتظر منه أن يحل العثرات السياسية، التي تعترض توريد الغاز الروسي إلى أوروبا؛ كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة النقل الروسية ولجنة الدولة للتنمية والإصلاح في الصين الشعبية؛ واتفاقية مع “شركة سكك الحديد الروسية” حول أشكال التعاون وتمويل سكة حديد سريعة بين قازان عاصمة تترستان وموسكو، وكذلك حول مشروع سكة حديد للقطارات فائقة السرعة بين موسكو وبكين. وتم توقيع إعلان مشترك بين البلدين حول التعاون لربط بنية الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وحزام “طريق الحرير” الاقتصادي؛ واتفاقية لتسويق طائرات الركاب الروسية “سوخوي سوبرجت-100” في السوق الصينية. ويشار هنا إلى أن إقامة بنية تحتية روسية صينية موحدة للنقل تربط البلدين وتجعل النقل من آسيا إلى أوروبا هو الأرخص قياساً بأي مشروع أميركي بديل.

وأفادت وكالة “إنترفاكس”، نقلا عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن الصين ستوظف في سكة حديد موسكو- قازان السريعة 300 مليار روبل (حوالي 6 مليارات دولار)، علما بأن الكلفة التقديرية لهذه السكة تزيد عن 21 مليار دولار، ويبلغ طولها 770 كلم، بانتظار أن تختصر هذه السكة الجديدة زمن النقل بين المدينتين من 11.5 ساعة إلى 3.5 ساعات، مقارنة بالسكة القديمة التقليدية.

خطوط ائتمان جديدة

أفادت مواقع اقتصادية روسية باتفاق الجانبين الروسي والصيني على توسيع تقديم البنوك الصينية القروض للشركات الروسية.
ومن جملة ما تم إبرامه في هذا الإطار اتفاق “سبيربنك روسيا” مع “بنك التنمية الصيني” على فتح خط ائتمان تجاري بقيمة 6 مليارات يوان (961.65 مليون دولار)، واتفاق البنكين المذكورين على تمويل مشاريع صناعية بقيمة 13 مليار روبل (حوالي 2.5 مليار دولار)؛ كما اتفق بنك التجارة الخارجية الروسي (في تي بي) مع “بنك الاستيراد والتصدير الصيني” على فتح خط ائتمان بمبلغ 3 مليارات يوان (483.3 مليون دولار)، واتفق هذا البنك الروسي مع “بنك التنمية الصيني” على فتح خط ائتمان آخر لتمويل العمليات التجارية بين البلدين، ووقع اتفاقية تعاون مع “الشركة الصينية للتأمين على قروض التصدير”، وتوصّل إلى اتفاقية إطار مع “بنك الاستيراد والتصدير الصيني” حول مشروع المنغنيز، بحيث يقدم الشريك الصيني للشركة الحكومية الروسية 3.9 مليارات يوان (627.84 مليون دولار) لمدة 15 عاما. كما تم إبرام اتفاقية بين شركة “إم تي إس” الروسية وبنك التنمية الحكومي الصيني، لفتح خط ائتمان في البلدين، بالروبل واليوان، برأسمال يعادل 200 مليون دولار.

إلى جانب ذلك، أبرم بنك الاقتصاد الخارجي الروسي (في إي بي) اتفاقية مع “بنك التنمية الصيني” للتعاون في دعم تنمية إقليمي الشرق الأقصى وسيبيريا الروسيين، وتقديم قروض طويلة الأجل للبنك الروسي لخدمة هذاالهدف، بقيمة 8 مليارات دولار. ومن المقرر إنفاق هذه الأموال على مشاريع البنية التحتية، ومشاريع الاتصالات والإنتاج الزراعي.

سندات الخزانة الأميركية

وحسب خبراء اقتصاد روس فإن حجم الأموال المتفق على توظيفها، وطبيعة المشاريع التي ستوظف فيها، والطريقة التي ستحول فيها الصين الأموال لروسيا، تدل على نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين، بحيث تعزز مكانتهما معاً في مواجهة واشنطن اقتصادياً. وتدور أنباء عن أنّ الصين ستبيع إلى روسيا جزءاً من سندات الخزينة الأميركية التي سبق أن اشترتها، على أن تعيدها روسيا إلى المصدر مقابل الروبل، وفق التقديرات الروسية.
وفي هذا السياق، يشار إلى أن الصين لم تعد أكبر دائني الولايات المتحدة الأميركية. فقد نشر موقع “واراندبيس.رو”، أن بيانات الخزينة الأميركية تفيد بتخلص الصين من دفعة جديدة من سندات الخزينة الأميركية قيمتها 5 مليارات دولار، بينما اليابان، على العكس من ذلك، اشترت من هذه السندات ما قيمته 8 مليارات دولار.

صفحة من التاريخ

مما يجدر ذكره أن أوروبا كانت منذ الفترة الممتدة بين القرنين السادس عشر والثامن عشر تشتري من الصين كثيراً من المنتجات، وكان للحرير مكانة خاصة. وتشير بعض التقديرات إلى أن مساهمة الصين بلغت ثلث إجمالي الناتج المحلي في العالم، في بداية القرن التاسع عشر، إلى أن أشعلت بريطانيا ما سمي بحروب الأفيون، دافعة الصين إلى الوراء، بل خارج التجارة العالمية لمدة قرنين، تقريباً.
أما العودة إلى فكرة “طريق الحرير العظيم” عبر مشروع إقامة ممر للشحن التجاري ونقل الطاقة بين بلدان جنوب آسيا وآسيا الوسطى، وأوروبا فمن شأنه أن يشكل فضاءً اقتصادياً تجاريا أوروبيا آسيويا مشتركاً عابراً للقارات. وبالنسبة للصين فإن واحداً من أهم أهداف المشروع اختصار زمن نقل المنتجات الصينية إلى أوروبا من (45-60) يوماً إلى (19-13) يوماً.
أما روسيا فتحاول الإفادة من الأموال والطموحات الصينية لتعزيز اقتصادها ومكانتها الجيوسياسية، التي فقدتها مع انهيار الاتحاد السوفييتي، فيما لم يكن لها قبل ذلك التاريخ التجاري الاقتصادي المجيد.