Site icon IMLebanon

تحليل: نهضة اقتصاد مصر رهن المشاريع الصغيرة والمتوسطة

SMEs-Small-Medium-Enterprises
تركز مصر على مشاريع عملاقة بمليارات الدولارات تشمل البنية التحتية. لكن، ألا يحمل هذا التركيز في طياته مخاطر إهمال المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تشكل عصب الاقتصاد في خلق فرص العمل وتحقيق نهضة اقتصادية مستدامة؟

كثفت الحكومة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي خطوات الإصلاح المالي والاقتصادي، لاسيما على صعيد النظم الضريبية والدعم الحكومي للسلع والطاقة بهدف ترشيد الإنفاق وتقليص عجز الموازنة. كما بدأت بتنفيذ مشروع لتوسيع قناة السويس بكلفة تزيد على 8 مليارات دولار.

وفي مؤتمر شرم الشيخ الدولي لدعم الاستثمار في مصر أواسط مارس/ آذار 2015، نجحت في التوقيع على عقود لإٌقامة مشاريع طويلة الأجل بقيمة 60 مليار دولار بينها مشاريع تم الاتفاق على تمويلها بقيمة 18.6 مليار دولار. ومن بين المشاريع المطروحة للاستثمار تحديث قطاع الطاقة بكلفة تزيد على 21 مليار دولار تشمل بناء عدة محطات لتوليد الكهرباء وفتح آبار للنفط والغاز وتحديث شبكات الإمداد.

مشاريع عملاقة بأموال طائلة

بدأت خطوات الإصلاح المصرية بتحقيق نتائج إيجابية خلال فترة قصيرة نسبياً. وهذا ما أكد عليه مؤخراً مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، عندما صرّح أن الإصلاحات الاقتصادية التي تنتهجها مصر حالياً بدأت تعطي ثمارها. ويتوقع المسؤول في الصندوق أن نمو الاقتصاد المصري سيكون بحدود 4 بالمائة خلال العام الحالي، أي ضعف مستوى العامين الماضيين. وتنبأ مسح أجرته وكالة رويتر للأنباء بتسارع النمو في العامين القادمين ليصل إلى 5.5 بالمائة.

في سياق متصل أظهرت بيانات البنك المركزي المصري أن احتياطات مصر من العملات الصعبة إلى تحسّن واضح ولو أن ذلك يأتي بشكل أساسي نتيجة لتدفق الودائع الخليجية. فقد أفاد البنك أن قيمة الاحتياطات بلغت أكثر من 20.5 مليار دولار بنهاية أبريل/ نيسان 2015 مقابل 38 مليار دولار قبل انتفاضة 2011. وسبق لها أن شهدت تراجعاً كبيراً إلى أكثر من 50 بالمائة خلال الأعوام الثلاثة الماضية. بدوره حافظ سعر الجنيه المصري مؤخراً على استقرار نسبي بمعدل 7.5 جنيه للدولار الواحد.

السياحة وقطاعات الإنتاج ما تزال في أزمة

تتعزز المؤشرات العامة للاقتصاد المصري مع التحسن الذي تشهده السياحة المصرية في منتجعات البحر الأحمر كالغردقة وشرم الشيخ بنسبة تراوحت بين 15 إلى 20 بالمائة خلال الموسم السياحي للربيع الحالي، غير أن السياحة الداخلية التي تشمل المناطق الأثرية والنيل والمدن ما تزال تعاني التراجع بنسبة لا تقل عن 50 بالمائة مقارنة بأدائها قبل أربعة أعوام. وعلى العموم ما يزال أداء السياحة المصرية بعيداً عن مستواه قبل 5 أعوام عندما قدم إلى مصر 15 مليون سائح في عام 2010 مقابل 11 مليوناً في عام 2014.

وتساهم السياحة المصرية حالياً بحوالي 4 إلى 5 بالمائة من الناتج المحلي مقابل ما يزيد على ضعف هذه النسبة قبل 5 أعوام. بدورها تشهد الزراعة تحسناً في بعض المحاصيل، وفي مقدمتها محصول القمح الاستراتيجي بشكل يخفّض الكميات التي ينبغي استيرادها. غير أن الزراعة المصرية، وعلى أكثر من صعيد، تعاني من ارتفاع تكاليف الإنتاج وصعوبات الحصول على قروض بفوائد مشجعة، إضافة إلى ضعف شبكات التسويق. وتعاني الصناعات التحويلية المصرية من مشاكل مشابهة يزيد من حدتها تراجع تدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية بشكل عرقل الإنتاج وخطط التحديث في أكثر من قطاع.

المشاريع الصغيرة والمتوسطة عصب الاقتصاد

تركز القيادة المصرية حالياً جهودها على تمويل وإقامة أو تحديث المشاريع الضخمة في البنية التحتية والطاقة. غير أنه، وعلى الرغم من حيوية هذه المشاريع وأهميتها في توفير المناخ الجاذب للاستثمار، فإن التركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة لا يقل أهمية عنها. ويعود السبب في ذلك إلى أهمية الأخيرة في توفير سلع الاستهلاك اليومي وفرص العمل للشباب. ففي البلدان الصناعية والصاعدة توفر المشاريع الصغيرة والمتوسطة نحو 70 بالمائة من فرص العمل، لاسيما للشباب الذي يعمل على تطبيق أفكاره الخلاقة والمبدعة. ويزيد من أهمية ذلك أن الشباب يشكلون أكثر من 60 بالمائة في المجتمع المصري وأن ربعهم حسب تقديرات غير رسمية عاطل عن العمل.

يفرض استمرار الاضطرابات الأمنية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط تحديات اقتصادية تشمل جميع دول المنطقة بهذه الدرجة أو تلك. غير أن مصر تتمتع بفرص النمو الذاتي بالاعتماد على المقومات المحلية أكثر من أية دولة عربية أخرى. ويعود ذلك إلى تمتعها بسوق كبيرة قوامها أكثر من 80 مليون مستهلك وعمالة مؤهلة إضافة إلى خبرة طويلة في الإنتاج الزراعي والصناعي. كما أن ملايين المغتربين المصريين يشكلون فرصة كبيرة في مجال تقديم الخبرات وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تنتج السلع الاستهلاكية وتمد القطاعات الإنتاجية بقطع التبديل والسلع الوسيطة. وبهذا فإنها تحفز الطلب المحلي من قبل فئات شعبية واسعة، لاسيما من أصحاب الدخل المحدود الذين يشكلون 80 بالمائة من المستهلكين.

وسائل التشجيع المتنوعة

وإذا كانت المشاريع الضخمة في البنية التحتية حيوية، فإن أية دورة اقتصادية كاملة تتمتع بالكفاءة وتحقق الأرضية اللازمة لنمو مستدام متكامل الجوانب لا تكتمل بدون مشاريع صغيرة ومتوسطة. ومن هنا تأتي أهمية تشجيع الأخيرة بوسائل عديدة. أما أوجه التشجيع فمتنوعة، لعل أبرزها في الحالة المصرية تقديم الاستثارة والتسهيلات الضريبية والتمويل بقروض تشجيعية دون عوائق تفرضها البيروقراطية وتقاليد الفساد والرشوة بشكل يحبط المستثمرين ويدفعهم إلى العزوف عن إقامة مشاريعهم أو تطويرها.

وفيما يتعلق بمصادر التمويل، فيمكن توفيرها من خلال تحسين شبكات التسويق وتفعيل أساليب الجباية الضريبية على الفئات الغنية وضريبة القيمة المضافة. كما يمكن توفيرها من خلال توسيع نطاق تقليص الدعم العشوائي للسلع والمحروقات والقطاعات الاجتماعية بحيث يصل هذا الدعم لمستحقيه من الفئات الفقيرة وضعيفة الدخل دون الفئات الثرية ذات الدخل العالي.