Site icon IMLebanon

«جلاكسو» .. عملاق بريطاني يكافح لإنقاذ سمعته المتآكلة

GLAXOSMITHKLINE

أندرو وارد

في الوقت الذي كان يصوت فيه البريطانيون لاختيار حكومة جديدة يوم الخميس الماضي، كانت تجرى انتخابات أخرى على بعد خطوات من البرلمان. في مركز مؤتمرات الملكة اليزابيث الثانية مقابل كنيسة وستمنستر، تجمع مساهمو شركة جلاكسو سميث كلاين لاختيار السير فيليب هامبتون رئيسا جديدا لمجلس إدارة أكبر شركة أدوية في المملكة المتحدة.

كان ذلك الحشد الاجتماع السنوي المعتاد للمتقاعدين الذين يتمتعون بيوم بعيدا عن المستثمرين الناشطين الحريصين على طرح أسئلة محرجة في مجلس الإدارة. ومع ذلك، في الوقت الذي ودّع فيه السير كريستوفر جنت منصبه بعد عشر سنوات من العمل فيه، كان الإحساس بالجيشان مماثلا تقريبا لقوة التشنجات السياسية التي كانت تتكشف عبر ساحة البرلمان.

لقد تم استدعاء السير فيليب، مثلما حدث حين كان مع رويال بانك أوف سكوتلاند وجيه سينسبري من قبل، لإصلاح شركة بريطانية عملاقة متعثرة. كانت عائدات العام الماضي تقريبا 6 في المائة أقل مما كانت عليه عندما تولى السير أندرو ويتي منصب الرئيس التنفيذي في عام 2008، في حين كانت الأرباح منخفضة بنسبة 9 في المائة. وجاء أداء الأسهم في جلاكسو سميث كلاين قياسا إلى قطاع المستحضرات الصيدلانية الواسع أدنى بنسبة 80 في المائة خلال الفترة نفسها. تيم أندرسون، المحلل لدى برنشتاين، يقول كانت الشركة في “سقوط حر بطيء”.

عديد من فرسان عالم مجلس إدارة جلاكسو سميث كلاين يلمحون لأهمية الشركة بالنسبة للمملكة المتحدة. فقط HSBC وبريتيش بتروليوم وشركة شل هي الأكبر من حيث القيمة السوقية بين الشركات المدرجة على مؤشر فاينانشيال تايمز 100 للشركات الكبرى. إذا كانت مهمة الإنقاذ للسير فيليب في رويال بانك أوف اسكوتلاند حاسمة بالنسبة للاستقرار المالي في بريطانيا، يمكن القول إن وظيفته المقبلة ذات أهمية بالغة لقاعدتها العلمية، ناهيك عن صناديق التقاعد التي تعتبر أرباح جلاكسو سميث كلاين ذات العائد المرتفع هي الدعامة الأساسية لها.

وسيكون أول قرار كبير هو تقرير ما إذا كان الرئيس التنفيذي الذي كان على رأس نضالاتها الأخيرة هو أيضا الرجل المناسب لقيادة التحول فيها. السير أندرو ويتي هو مخضرم جلاكسو سميث كلاين الذي أمضى فيها 30 عاما، بدأت عندما التحق بها متدربا في الإدارة ـ من الجامعة. هذا ما يجعله شعبيا، حتى أنه شخصية محبوبة داخل الشركة. يقول ستيوارت دولو، مستشار الصناعة الذي اعتاد العمل لجلاكسو سميث كلاين: “إنه زعيم يلهم موظفيه، إنه ذلك النوع من الرجال الذي يمكنه التحدث لمدة 45 دقيقة دون ملاحظات ويبقي كل شخص مشدودا إليه”.

توبيخ المساهمين

إلا أن أيا من هذا لم يعمل على إكساب الرئيس التنفيذي لجلاكسو سميث كلاين ثناء كبيرا من المساهمين. يتهمه النقاد بعدم تجديد محفظة أدوية تعتبر أن دواء الربو آدفير هو المنتج الأكثر مبيعا لها بعد 14 سنة من إطلاقه. في الوقت نفسه، فضيحة الرشا رفيعة المستوى في الصين أدت إلى دفع غرامة قيمتها 300 مليون جنيه استرليني، مع خطر فرض مزيد من العقوبات من مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطرة في المملكة المتحدة ووزارة العدل الأمريكية. يمكن لهذا أن يكون محرجا لأي تنفيذي؛ بالنسبة للسير أندرو، بطل ما يسمى المعايير الأخلاقية العليا في شركات الأدوية الكبرى، كان إذلالا.

يقول مسؤول سابق في شركة أدوية كبيرة أخرى: “ويتي رجل ذو نوعية ونزاهة عظيمة لكن كانت هناك بعض الأخطاء السيئة. الأمر يحتاج إلى شخص ما يأتي ويتخذ بعض القرارات الصعبة. سمعة الشركة في السوق تآكلت بشدة”.

السير فيليب لم يتهرب من القرارات القاسية في الماضي، بما في ذلك طرد ستيفن هيستر من منصب الرئيس التنفيذي لرويال بانك أوف سكوتلاند في عام 2013. وفي أول تصريحات علنية له بعد أن أصبح رئيسا لجلاكسو سميث كلاين، أعرب عن أمله في أن يبقى السير أندرو “هنا لفترة لا بأس بها في المستقبل”. لكن كل رجل من الرجلين يعلم أن هذا الدعم سيكون من الصعب استمراره إذا لم يتحسن الأداء.

عرض الرئيس التنفيذي المتعثر حجته للمساهمين في الأسبوع الماضي، واعدا بإحداث “تحول جذري” في استراتيجية جلاكسو سميث كلاين من شأنها أن تنعش النمو في عام 2016 بعد عام واحد آخر من الانخفاض. وتهدف خطة السير أندرو إلى استغلال ارتفاع الطلب على الرعاية الصحية من مليارات المستهلكين الجدد في الاقتصادات الناشئة مثل الصين والبرازيل، وفي الوقت نفسه الحد من الاعتماد على العالم المتقدم، حيث من المتوقع أن تعمل الضغوط المالية العامة والديموغرافية على وضع سقف على التسعير.

في مقابلة، دافع السير أندرو عن جهود التحول التي يبذلها، قائلا إن جلاكسو سميث كلاين في وضع يخولها الاستفادة من الاتجاهات القوية على المدى الطويل في مجال الرعاية الصحية العالمية. ويقول: “تحديات العام الماضي بلورت الحاجة إلى وجود استراتيجية لا تعتمد كلية على مستويات الأسعار في العالم المتقدم”، وذلك في إشارة إلى انخفاض آدفير الحاد في الولايات المتحدة، الذي يعتبر المصدر الرئيس لمشكلات جلاكسو سميث كلاين.

إنه يريد تحويل التركيز من الوصفة الطبية لأدوية مرتفعة الثمن إلى كميات أدوية أكبر حجما، والمنتجات ذات الأسعار المعقولة تستهدف الطبقات الوسطى المتنامية في العالم النامي. كان هذا هو المنطق العقلاني وراء مبادلة أصول بقيمة 20 مليار دولار في العام الماضي مع شركة نوفارتيس، التي بادلت فيها جلاكسو سميث كلاين عقاقير مضادة للسرطان مقابل لقاحات ومنتجات الاستهلاكية.

وشكك النقاد في الحكمة من بيع أحد أهم الأجزاء التي تتميز بهوامش ربحية عالية وتعتبر الأسرع نموا في سوق الأدوية، لمصلحة قسم يصنع معجون الأسنان وحبوب الصداع وأمصال الإنفلونزا. السير أندرو غير نادم على ذلك. ويجادل بأنه، في حين تفتقر جلاكسو سميث كلاين إلى مقياس للتنافس في مجال علم الأورام المزدحم، عززت الصفقة وضع الشركة في المجالات القوية. إنها الآن أكبر شركة من حيث المبيعات في كل من اللقاحات والرعاية الصحية الاستهلاكية.

يقول السير أندرو: “سيكون هناك مزيد من الناس في العالم، وسيكبرون في العمر وسيكون لديهم مزيد من الطلب على الرعاية الصحية”. وأضاف: “لكن النمو في الحجم سيكون بأسعار أقل”.

هذا النهج يضع جلاكسو سميث كلاين على خلاف مع الاتجاه السائد في الصناعة. بعد جفاف طويل في الابتكار، تعود موارد تطوير الأدوية إلى الحياة مع ظهور اكتشافات في علاجات السرطان والتهاب الكبد الوبائي “سي” وأمراض القلب ومجموعة من الحالات والأمراض الأخرى. إدارة الغذاء والدواء الأمريكية وافقت العام الماضي على 41 عقارا جديدا – أعلى حصيلة سنوية منذ 18 سنة، وثاني أعلى حصيلة على الإطلاق. وساعدت هذه الزيادة في الإنتاج في دفع مؤشر ستاندرد آند بورز للأدوية بنسبة الثلث في العام الماضي، حتى مع هبوط أسهم شركة جلاكسو سميث كلاين بنسبة 8 في المائة.

جلاكسو سميث كلاين لم تفوت الانتعاش تماما. في الواقع، فازت بمزيد من الموافقات على عقاقير جديدة في السنوات الثلاث الماضية أكثر من أي شركة أخرى – بما في ذلك عقارها تيفيكاي لفيروس نقص المناعة البشرية الذي يعتبر سريع النمو. لكن بشكل جماعي فشلت الأدوية الجديدة في التعويض بالكامل عن تراجع آدفير. ويقول أحد المحللين البارزين المختصين بشركات الأدوية الكبرى: “كان لديهم الكثير من التسديدات على المرمى، لكنها كانت رميات ضعيفة مثل كرة الطاولة”.

بعض النقاد يرون أن التحول نحو منتجات ذات قيمة منخفضة كأنه اعتراف بالهزيمة. يقول أندرسون: “من المغري الشعور بأن جلاكسو سميث كلاين تتحوط ضد العجز في المستقبل في جهود البحث والتطوير لديها”، مشيرا إلى أن “الطبيعة شبه السنوية” للقاحات والرعاية الصحية الاستهلاكية من شأنها أن تحول الشركة إلى “سندات لها عائد جيد”. ويضيف: “يجب على جلاكسو سميث كلاين أن تكون قادرة على تقديم ما هو أكثر من ذلك”.

ويصر السير أندرو على أنه لم يكن هناك أي تراجع عن الابتكار. الشركة لا تزال تستثمر 3.5 مليار جنيه استرليني سنويا في البحث والتطوير – على نحو يتماشى مع متوسط الصناعة بنسبة 15 في المائة من الإيرادات. ولديها 40 دواء في مراحل متقدمة من التجارب. وفي الأسبوع الماضي، أصبحت أول شركة أدوية كبيرة تسعى للحصول على موافقة الجهات التنظيمية لعلاج جيني – فئة علاجية جديدة مهمة للاضطرابات الوراثية، وهي في هذه الحالة لمرض طفولة نادر يسمى نقص نازعة أمين الأدينوزين.

لكن في حين تواصل جلاكسو سميث كلاين التنقيب في طليعة العلوم الطبية، أصبحت الشركة أقل اعتمادا على هذه اللعبة ذات المخاطر العالية والمكافأة العالية. وتراجعت مبيعات الأدوية من 67 في المائة قبل الصفقة مع نوفارتيس إلى 59 في المائة.

ويقول السير أندرو: “نحن نترك الباب مفتوحا أمام إمكانية الارتفاع لنكون أحد الفائزين من الابتكار”. ويضيف: “لكن لا يمكنها أن تكون رهانا في اتجاه واحد”.

التحولات الأمريكية

رغم أن هذا يمكن أن يبدو معقولا، إلا أن الآراء التي من هذا القبيل تعتبر بدعة في هذه الصناعة التي ترتكز عواملها الاقتصادية على استخراج أسعار متميزة في الولايات المتحدة، الأمر الذي يولد ما يقرب 40 في المائة من مبيعات العقاقير العالمية، رغم أنها لا تشكل سوى 5 في المائة من السكان.

قليل من الناس يشككون في أن السوق الأمريكية تزداد صعوبة، لكن الاستجابة من شركات الأدوية الأخرى كانت مضاعفة الابتكار من أجل التوصل إلى منتجات ذات قيمة أعلى. وهذا ما يفسر الاندفاع الأخير لعمليات الاستحواذ بمليارات الدولارات على شركات التكنولوجيا الإحيائية الناشئة، في الوقت الذي تتنافس فيه المجموعات الأكبر للحصول على أدوية جديدة.

وكثير من هذه الصفقات تستهدف الأمراض النادرة، أو أنواع السرطان التي يصعب علاجها، حيث يتعين على الشركات فرض أسعار عالية لتحقيق عائد على الاستثمار لأعداد صغيرة من المرضى. ووافقت شركة أليكسون في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي على دفع 8.4 مليار دولار مقابل الاستحواذ على سيناجيفا بيوفارما، وهي شركة لا يوجد لديها إيرادات تقريبا، تعمل على تطوير علاج لمرض وراثي يصيب فقط ثلاثة آلاف شخص في العالم المتقدم.

السير أندرو يحذر من أن التركيز على مطاردة أسعار أعلى باستمرار من عدد متضائل من المرضى باستمرار يحمل مخاطر تقويض الشرعية الاجتماعية لهذه الصناعة. “إذا كنا في نهاية المطاف مع وضع حيث يتم نشر مزيد ومزيد من الموارد على أقل وأقل عدد من الأشخاص، سيوجد هذا بالتأكيد التوتر الخاص به الذي يؤدي إلى نوع من التغيير”.

بعض قادة الصناعة يعتقدون أن تحذيراته مبالغ فيها، مشيرين إلى أن أسعار الأدوية في الولايات المتحدة لا تزال بشكل عام قوية. وارتفع الإنفاق على الأدوية بنسبة 13 في المائة في العام الماضي، وهي أكبر قفزة منذ أكثر من عقد من الزمان، وفقا لتقرير اتجاهات الأدوية من إكسبرس سكربت. بالنسبة للسير أندرو، هذه الطفرة ببساطة تزيد قناعته بأن تصفية الحساب آتية في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة اعتصار قدر أكبر من الكفاءة من 18 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي التي تنفق على الرعاية الصحية.

يقول أحد المحللين البارزين للرعاية الصحية إن استراتيجية جلاكسو سميث كلاين المحافظة كانت مثالية قبل خمس سنوات عندما كانت السوق تشعر بنفور من المخاطر، لكنها لا تتماشى مع الشهية المتجددة للعلوم والابتكار. ويضيف: “الأمر كما لو أن جلاكسو سميث كلاين تلعب الموسيقى الوترية تماما في الوقت الذي تصبح فيه السوق تدق الطبول وتصدر الأصوات العالية”. ويرغب بعض المساهمين في تفكيك جلاكسو سميث كلاين. يقول أحد أكبر 20 مساهما فيها: “جلاكسو عبارة عن مجموعة من الشركات الجيدة التي من شأنها أن تكون أفضل حالا وهي منفصلة، بدلا من أن تكون محشورة معا في صندوق واحد”. ويعترف السير أندرو بأن صفقة نوفارتيس فتحت هذا الخيار من خلال ترك جلاكسو سميث كلاين مع ثلاثة أعمال – الأدوية واللقاحات والأدوية الاستهلاكية – لكل منها “نطاق كاف ليكون لديها حياة ذات صدقية من تلقاء نفسها”.

لكنه يقول إن هناك فوائد من إبقائها معا، ولن يكون هناك “أي منطق” في فصلها قبل أن تطلب الوحدات من شركة نوفارتيس أن تأخذ وقتها قبل أن تستقر. ويشير سجل السير أندرو، إلى أن من غير المرجح أن يكون هو الرجل الذي يمزق المجموعة التي قد قضى فيها كامل حياته العملية.

ويقول السير البالغ من العمر 50 عاما: “عندما تحصل على فرصة أن تصبح الرئيس التنفيذي للشركة التي انضممت إليها من الجامعة فإنك تشعر بإحساس خاص”. ويضيف: “الأمر ليس أنه تم توظيفك كمرتزق (…) إنها شركتك”.

السير فيليب، من ناحية أخرى، هو البندقية التي تم استئجارها في نهاية المطاف. السير أندرو يعلم أن لديه هامشا ضئيلا للخطأ، إذا كان رئيسه الجديد سيبقي إصبعه على الزناد.