Site icon IMLebanon

عشرات المليارات من الدولارات لتفعيل قوة الصين الناعمة

ChinaYuan

ديفيد بيلينج

عندما يتعلق الأمر بتعهدات الاستثمار، فإن 46 مليار دولار، مبلغ يستحق أن يلفت بالفعل انتباه الناس. هذا ما يفترض أن الصين ستضخه في باكستان، عبر وضعه في مشاريع للطاقة والنقل، بحسب خطط تم الكشف عنها خلال زيارة الرئيس تشي جينبينج إلى إسلام أباد الشهر الماضي.

الوفود المشاركة في الاجتماع السنوي لبنك التنمية الآسيوي في باكو، أذربيجان الأسبوع الماضي، لا يمكنها الحديث عن شيء آخر. بنك التنمية الآسيوي الذي تديره اليابان تاريخيا، لا يمكن أن يحلم بمثل هذه القوة الهائلة، إذ أقرض العام الماضي نحو 13 مليار دولار عبر المنطقة بأسرها.

بالطبع، من السهل الحديث عن مبالغ كبيرة. الكثير من استثمارات بكين التي وعدت بها في باكستان – التي من شأنها أن تساعد، من بين أمور أخرى، في حل مشكلة الطاقة المزمنة في البلاد من خلال مضاعفة الطاقة الكهربائية – قد لا ترى النور.

بعبارة أخرى، الأنوار الكهربائية ربما لن تشعل نهائيا في الواقع. مع ذلك، حتى لو أن جزءا صغيرا من المبالغ تحول إلى طرق وسكك حديدية ومحطات لتوليد الطاقة، فإن بكين ستجعل قوتها الاقتصادية الهائلة واضحة للعيان.

محاولة الصين توسيع نفوذها تتجاوز باكستان، فهي تتعهد بإنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وهو مؤسسة منافسة لبنك التنمية الآسيوي، سيكون لها رأس مال أولي يبلغ 50 مليار دولار على الأقل.

مبادرة بكين “حزام واحد، طريق واحد”، التي تهدف إلى تحسين الأراضي والروابط البحرية بين غربي الصين عبر آسيا إلى أوروبا وشمال إفريقيا، تترك بشكل تدريجي عالما من الخيال وتتحول إلى خطط ملموسة (على شكل كثير من الخرسانة المسلحة). للبدء في العمل، مدت بكين يدها إلى احتياطياتها الكبيرة من العملة الأجنبية من أجل بعض الفائض الصغير: 62 مليار دولار.

وجهودها لإنفاق النقود تميز مرحلة جديدة في دبلوماسيتها. وأن ندعو ذلك قوة ناعمة قد يكون تسمية خاطئة. فنظامها الاستبدادي لا يزال يفتقر لعوامل الجذب اللازمة، على الرغم من أن كثيرا من البلدان التي تسعى الصين للاستثمار فيها لا تعتبر تماما نماذج للديمقراطية هي نفسها.

تعريف القوة الناعمة الذي قدمه جوزيف ناي، الأستاذ في جامعة هارفارد الذي صاغ هذه العبارة، هو “القدرة على الحصول على ما يريده الشخص من خلال عوامل الجذب والإقناع بدلا من الإكراه أو دفع الرشا”.

ومليارات الدولارات تبدو كأنها رشا. غير أن القروض والاستثمارات ليست كذلك. جزء من القوة الناعمة في الولايات المتحدة – فضلا عن هوليوود وعوامل جذب المثل العليا – خلقته مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين ينشران وجهة نظر واشنطن عن الرأسمالية والأسواق الخارجية المفتوحة من أجل الشركات الأمريكية.

سواء دعوناها القوة الناعمة أم لا، فإن الصين تحاول القيام بأمر جديد.

أحد المسؤولين الصينين في باكو يدعوها “الطب الصيني”. ربما لا نعرف كيف تعمل، لكن هذا لا يعني أنه لن يكون لها أي تأثير. لقد تم تحفيز جهود بكين جزئيا بسبب قيود دبلوماسيتها الصلبة.

القوة العسكرية المتصاعدة في الصين وموقفها الأكثر حزما إزاء المناطق المتنازع عليها تعمل على إزعاج الدول المجاورة.

سكوت كيندي وديفيد باركر، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، يدركان احتمال أن تؤدي استراتيجية الصين الجديدة إلى كسب النفوذ. ويقولان إن مبادرة “حزام واحد، طريق واحد” يمكن أن “ترسخ أنماطا تتمحور حول الصين خاصة بالتجارة، والاستثمارات والبنية التحتية” وتعزيز نفوذ بكين الدبلوماسي. كذلك حالة البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية لا تبدو بعيدا جدا عن القوة الناعمة.

وشعرت المملكة المتحدة بأنها مضطرة للانضمام على الرغم من ضغط واشنطن. بالطبع، ربما تكون لندن قد وجدت حافزا ما في احتمال تحقيق مكاسب مالية للشركات البريطانية، لكن هذا لا يروي القصة بأكملها. بصورة إجمالية، لقد انضم إلى البنك 57 بلدا.

بالطبع، هناك مخاطر. بناء مشاريع واسعة في أراض خارجية ليس من المضمون أن تكون مرضيا. ففي سريلانكا كان وجود الصين المفرط واحدا من أسباب الهزيمة الكبيرة لماهيندا راجاباكسا، الرئيس الذي تودد علنا إلى بكين العام الماضي.

حتى الجنرالات الذين يديرون ميانمار تعبوا مما اعتبروه أنموذجا صينيا استخراجيا واستغلاليا ثابتا للرأسمالية.

وحقيقة إن عديدا من البلدان الغربية انضمت الآن إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية يمكن أن تساعد على كبح جماح بكين عن مثل هذه التجاوزات. يقول البروفيسور ناي إن البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية لن يكون بمنزلة “أموال رشا سياسية صينية”.

وإذا ساعدت المملكة المتحدة وغيرها من البلدان على ضمان، فإن مشاريع البنك أكثر استدامة وحساسية للاحتياجات المحلية، ستلعب دورها في جعل البنك أداة دبلوماسية أكثر كفاءة.

يمكنك أن تصفه بأنه الطب الصيني إذا أردت، لكن من وجهة نظر بكين، فإن وجود حكومات غربية تساعد على تلميع صورة الصين في آسيا لا بد أنه يبدو قريبا جدا من تعريف القوة الناعمة.