قال وزير المالية التونسي سليم شاكر إن زيادة الأجور سترفع فاتورة رواتب القطاع العام بنحو 316 مليون دولار، وأكد أن الحكومة ستضطر مجدّدا للاقتراض لتغطية زيادة أجور نحو 800 ألف موظف يعملون في المؤسسات الحكومية.
وأضاف على هامش مناقشة الموازنة التكميلية لعام 2015 والإصلاح الجبائي “سندرس الإمكانيات المتاحة للاقتراض من الخارج وربما سنضطر للجوء إلى الأسواق المالية رغم أن التكلفة عندها ستكون أعلى”.
وأوضح، أنه سيتم الحفاظ على مخصصات التنمية في الموازنة التكميلية والمقدرة بنحو 3 مليارات دولار. ورجّح زيادة موازنتي الدفاع والداخلية بسبب التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد. وأضاف أن الحكومة ستصدر قانونا ماليا تكميليا في منتصف العام الجاري للحفاظ على التوازنات المالية للدولة.
ويقول مراقبون إن ارتفاع وتيرة الاحتجاجات والمطالب الاجتماعية، وضع الاقتصاد التونسي على حافة الهاوية، وأدى إلى تعطل الإنتاج وارتباك نشاط الكثير من الشركات الأجنبية، التي أصبحت تفكر في تجميد نشاطها أو مغادرة البلاد.
وكانت الحكومة قد رضخت لاحتجاجات العاملين في القطاع العام، وتوصلت إلى اتفاق بزيادة الأجور مع الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر نقابة عمالية في تونس.
وتواصل حكومة الحبيب الصيد، إطلاق تحذيرات من انهيار الاقتصاد، بسبب تواصل الإضرابات للمطالبة برفع الأجور والاحتجاجات للمطالبة بالتشغيل. وقد تسببت في تعطل الإنتاج في أكثر من منطقة خاصة في الحوض المنجمي جنوب البلاد. واضطرّت شركات أجنبية إلى تعليق نشاطها أو مغادرة تونس بسبب ما تكبدته من خسائر ناجمة عن الإضرابات وتردي الخدمات والبنية التحتية.
لكن الحبيب الصيد يواصل تأكيده أن الحكومة لن تتخلى عن التزاماتها المالية ومنها تلك المتعلقة بسداد رواتب موظفيها والزيادة في الأجور. وتقول الحكومة، إنها تضطرّ دائما إلى تخصيص جزء من قروض الاستثمار التي تحصل عليها من المؤسسات المالية العالمية، لتسديد رواتب موظفي القطاع العام.
وأقرّت تونس موازنة عام 2015، بحوالي 15.6 مليار دولار وبعجز متوقع بنحو 5 بالمئة، وسط توقعات بارتفاع نسبة العجز إلى 9 بالمئة إذا لم تنجز الإصلاحات الاقتصادية اللازمة.
وكان وزير المالية قد أكدّ أن حجم الديون الخارجية ارتفع نهاية العام الماضي بنحو 8 مليارات دولار، مقارنة بما كان عليه في نهاية عام 2010، ليصل إلى نحو 21.3 مليار دولار.
ويرسم خبراء اقتصاد تونسيون، صورة قاتمة للاقتصاد في ظل استمرار الاحتجاجات في أكثر من منطقة خاصة في جنوب البلاد للمطالبة بالتشغيل، وهي واحدة من أكبر المعضلات التي عجزت الحكومات المتعاقبة عن حلّها.
وأشاروا إلى أن الإضرابات عطّلت الإنتاج في قطاعات حيوية، وأربكت الحكومة التي لاتزال تتلمس طريقها لإجراء إصلاحات اقتصادية من أجل إنعاش الاقتصاد المتعثر.
ويرى الخبراء أن الحلّ لتجاوز هذه المرحلة العصيبة، يكمن في التهدئة الاجتماعية، على قاعدة تجميد المطالب الاجتماعية ومنها الزيادات في الأجور، مقابل التزام الحكومة بتجميد الأسعار.
وتجد الحكومة صعوبة في إيجاد حل في ظل تمسك الطرف النقابي بمطالب زيادة الأجور، واستحالة موافقة الحكومة على تجميد الزيادات في الأسعار لأن معظم السلع الاستهلاكية مدعومة وتجميد الأسعار يعني مزيدا من النفقات الحكومية.
في هذه الأثناء تتواصل الاحتجاجات في منطقة الفوار جنوب البلاد للمطالبة بالتنمية والتشغيل، خاصة بعد الإعلان عن كشف نفطي في المنطقة بطاقة إنتاج قد تصل إلى 4300 برميل يوميا ونحو400 متر مكعب من الغاز الطبيعي. وأعلنت نقابتا موظفي وزارتي الداخلية والنقل عزمهما تنظيم إضرابين في وقت لاحق من الشهر الجاري.
ويرى حزب نداء تونس، الذي يقود الائتلاف الحكومي، أن ما يحصل في منطقة الفوار، مشاكل مفتعلة وأن هناك مقاربة جديدة في التعامل مع هذه الجهات المهمشة.
وقال النائب محمد الطرودي القيادي في حزب نداء تونس ورئيس لجنة النظام الداخلي في البرلمان إن “دور الدولة هو توفير الإمكانات ودعم الاستثمار، لكن ذلك لا يمكن أن يتم في مناخ اجتماعي يعطل المشاريع” مؤكدا أن “الحكومة لن تخضع لأي طرف”.
وأضاف أن الحكومة تعمل بشكل يومي على معالجة الملفات الاجتماعية وهناك مجالس وزارية خاصة بالجهات، مشيرا إلى عدد الإضرابات في مختلف القطاعات، بلغ الشهر الماضي 58 إضرابا وهو ما سيدفع عددا من الشركات الأجنبية التي تشغل عشرات آلاف العمال إلى مغادرة البلاد.
وتشير تقديرات المعهد التونسي للإحصاء، أن نسبة البطالة بلغت في الربع الأول من العام الحالي نحو 15.2 بالمئة، ليصل عدد العاطلين عن العمل إلى 600 ألف منهم أكثر من 200 ألف من حملة الشهادات العليا، لكن محللين يعتقدون أن عدد العاطلين أكبر بكثير مما هو معلن وأن النسبة ربما تجاوزت حاجز 16 بالمئة.
وتوقع صندوق النقد الدولي، في فبراير الماضي، أن يحقق الاقتصاد التونسي خلال العام الجاري نموا بنحو 3 بالمئة، لكن معدل النمو المتوقع يظل منخفضا جدا مقارنة بتوقعات الشباب في ما يتعلق بالتشغيل وتحسين مستوى العيش، ويبدو غير كاف للخروج من الأزمة المالية والاجتماعية.