عندما يغيب اليقين الكلي حول قضية ما فخير الخيارات الانتظار والترقب. وهذا كان حال لجنة الأسواق المفتوحة في الاحتياطي الفدرالي خلال دورة انعقادها الأخيرة، حيث أدركت وجود منغصات من نوع ما في أداء الاقتصاد الأمريكي منعتها من اتخاذ موقف حاسم من توقيت رفع أسعار الفائدة.
وقد يكون من الصواب أن تتخذ اللجنة هذا الموقف الحذر بدلاً من أن تسارع إلى التجاوب مع تحليلات وتوقعات مستفيضة تدفعها للتشدد في سياستها النقدية. فكل البيانات التي صدرت مؤخراً عن الاقتصاد الأمريكي توحي بمرحلة تحول لم يحد الاحتياطي الفدرالي عن الالتزام بمقتضياتها. ومع ظهور مؤشرات ضعيفة على ارتفاع نسبة التضخم ونسبة النمو لدرجة تخرجهما عن السيطرة كان من الحصافة أن تلتزم اللجنة الترقب انتظارا لمزيد من البيانات.
لقد كشف الاقتصاد الأمريكي وسوق العمل أيضاً عن ضعف في الأداء لا يقبل الشك منذ بداية العام. فالنمو في الربع الأول لم يتجاوز0.2٪ كما أن تقرير الوظائف لشهر مارس/آذار خيب كل الآمال.
ويمكن القول إن جزءاً من الصورة على الأقل لا يعدو كونه نتيجة لعوامل عارضة أهمها شتاء سيئ للغاية وإضراب عمال موانئ الساحل الغربي وتدني الاستثمارات الخارجية في قطاع النفط بسبب تراجع أسعاره. ويعاني الاقتصاد الأمريكي في واقع الأمر تشدداً في السياسة النقدية فرضه الدولار القوي الذي أظهر مؤخراً ميلاً للتراجع. ولا بد هنا من الإقرار بأنه رغم كل تلك العوامل حقق الاقتصاد نمواً جيداً.
وليس هنالك ما يستدعي رفع أسعار الفائدة على عجل بعد عشر سنين من الفائدة الصفرية. فمعدلات التضخم لا تزال تحت السيطرة وأفق الناتج الكلي للاقتصاد الأمريكي غير مستقر، فضلاً عن هشاشة معدلات نمو اقتصادات العالم الرئيسية المحبطة.
ويعكس قرار البنك المركزي السويدي بتوسيع دائرة برنامج التيسر الكمي ليشمل نسبة٪ 15 من الديون السيادية، الرعونة التي تعتري خطوات التشدد في السياسة النقدية على عجل. وجاءت خطوة البنك السويدي بعد خفض نسب الفائدة على القروض التبادلية للمصارف إلى٪ -0.25 وهي أدنى نسبة في العالم، كما أنها مرشحة للتكرار في ظل ضغوط الانكماش التي يعانيها الاقتصاد. وربما كان البنك السويدي في غنى عن هذا التسهيل المفرط لولا أنه رفع أسعار الفائدة كخطوة استباقية خلال عامي 0102 و1102، وفشل في إعادة الأمور إلى نصابها على جناح السرعة عندما هبطت معدلات التضخم إلى ما دون الحد المستهدف.
وتوفر السويد أيضاً مثالاً للحذر إزاء ما يعرف باسم «التوجيه المستقبلي» وهو البناء على توقعات المستثمرين ومحاولة إدارة تلك التوقعات عبر تغيير السياسة النقدية. ورغم أنه اعتبر من أكثر صناع السياسات النقدية في العلم شفافية إبان الأزمة المالية العالمية، أصبح البنك المركزي السويدي اليوم البنك الأكثر ارتباكاً. ولا شك أن نهج الاحتياطي الفدرالي الحالي الذي يقوم على تجنب الرهان على الثروات الوافدة والالتزام بما تمليه عليه البيانات الاقتصادية من خطوات هو النهج الأكثر حكمة.
وترجح أوساط أسواق المال شهر سبتمبر/أيلول موعداً لرفع أسعار الفائدة الأمريكية على الموعد السابق الذي كان الرهان منصباً عليه في شهر يونيو/حزيران. ويبدو هذا الرهان صحيحاً ذلك أن بضعة أشهر إضافية تعني مزيداً من التقارير الاقتصادية، وبالتالي مزيداً من الوضوح في الصورة يفيد في تحديد ما إذا كان وهن الأداء الاقتصادي عابراً أم مستديماً. لكن عندما يحين وقت القرار ينبغي على الاحتياطي الفدرالي أن يستمر في الاسترشاد بما يحققه الاقتصاد من نمو وليس استناداً إلى خطط أو قرارات مسبقة لسحب التيسر الكمي.