خضر حسان
أكثر ما يجذب إنتباه الزبائن في أي سوق كان، هو إطلاق لقب “أبو رخّوصة” على محلّ ما. وغالباً ما يترافق اللقب مع لقب آخر هو “أبو الفقير”، ولعلّ اللقب الأخير، هو الأكثر تعبيراً عن الحالة الإقتصادية المتردية التي يحمل وزرها معظم الشعب اللبناني. لكن في المقلب الآخر، “الرخص بخوّف”، خصوصاً اذا كان “أبو رخّوصة” هذا، قابعاً وسط “الغلوجيّة”، مما يشي بأن “بضاعته مش نضيفة”.
في الضاحية الجنوبية لبيروت إنقلبت الآية، وتحديداً بالنسبة لسوق الفرّوج المشوي. فـ”أوتوستراد هادي نصر الله”، يشهد سباقاً بين بعض المطاعم على تقديم أرخص فرّوج. وأبرز المشاركين في السباق، مطاعم “فاضل تشيكين”، “دجاج وتوم”، و”الكريم”، في حين ان بقية المطاعم خفضت أسعارها بنسبة ضئيلة، من دون الدخول في “السباق” بشكل مباشر.
القصة بدأت مع إفتتاح “مطعم دجاج وتوم” منذ حوالي 7 أشهر، إذ “طحش” المطعم على السوق من دون أي إنذار، مقدّماً الفروج “ببلاش” مقارنة بالأسعار المعتمدة في السوق، أي بين 12 و15 ألف ليرة للفروج الواحد. فقدّم المطعم فرّوجه بسعر 6500 ليرة، ليعود ويرفعه الى 7500 حالياً. أثارت هذه الأسعار حفيظة “الجيران” وإستغراب الزبائن. لكنّ بين الجيران والزبائن فرقاً كبيراً في النظر الى الأسعار غير المعهودة، فأصحاب المطاعم الذين لا يتوانون عن “الحلفان” بأن السعر المرتفع “ما عم يوفّي”، أو ان “السوق ناشف”، اصطدموا بحقيقة ان الزبون بات يعلم ان هناك فرقاً ساشعاً بين الأسعار التي قدّموها له سابقاً وبكوا عليها، وبين ما يقدّمونه له اليوم. فبطبيعة الحال، المطعم الذي يقدّم السعر المنخفض لا يتعرض للخسارة، فلا أحد يفتتح مؤسسة بهدف الخسارة. فما الذي حصل فجأة هناك؟
“الموضوع كلّه مضاربة بمضاربة”، هو شعار الحملة التي دخل بها مطعم “دجاج وتوم” إلى السوق، وفق ما يقوله ناجي (إسم مستعار) وهو صاحب أحد المطاعم في المنطقة، وفضّل عدم ذكر الأسماء “لأننا بالنهاية جيران، وما بدي يصير في زَعَل”. محاولة الحفاظ على حسن الجوار لم تخفِ الإعتراض على السلوك الذي اتّبعه “دجاج وتوم” الذي “فضّل البيع بخسارة من أجل المضاربة”. وهذه السياسة – يضيف ناجي – تؤثر سلباً على المطاعم، “خصوصاً في المناطق الشعبية، لأن الناس تبحث عن الأسعار المنخفضة، وبالتالي فإن المطاعم الأخرى ستضطر الى خفض أسعارها، وأحياناً الى البيع بخسارة، وتعويضها من منتجات أخرى”.
مطعم “الكريم” القريب من “دجاج وتوم”، إعتاد زبائنه على العروضات التي يقدّمها، فتارة يقدّم “سندويشتان بسعر واحدة”، وتارة أخرى يخفّض سعر الفروج الثاني، في حال اشترى الزبون فرّوجين. لكن اليوم، يرفع الكريم لافتة بعنوان “بتحدّاك”، يقدّم فيها عروضات هي في الظاهر بريئة، لكن الكل يعرف بأن المقصود هو تحدّي مطعم “دجاج وتوم”. غير ان التحدي ليس بسعر الفروج، الذي بات موحّداً بين المطعمين، بمبلغ 7500 ليرة، بل في المقبلات المرافقة للفروج، من ثوم وكبيس ومرطبات. لكن “الكريم” سينهي التحدّي من جهته قريباً، ويعيد رفع سعر الفروج الى 10 آلاف ليرة معتمداً “على سمعة المطعم المعروفة”، كما تشير إدارة المطعم لـ “المدن”. ويبدو ان “دجاج وتوم” سينهي السباق ويرفع السعر “مع بداية شهر رمضان، حيث ترتفع كل الأسعار”، على حد تعبير الإدارة التي تفضّل توصيف المشهد بـ “المنافسة” وليس المضاربة.
في الجهة المقابلة، يرفع “فاضل تشيكن” لافتة تشير الى ان سعر الفروج المشوي لديه 6500 ليرة، وهو “سعر الكلفة، فلا نريد الربح، بل نريد كسب الزبائن”، كما يؤكد مدير المطعم الذي يلفت النظر الى وجود فرّوج بسعر “أغلى”، ويتميز عن الفروج “الرخيص”، بكمية المقبلات، لكن السعر سيرتفع ويتوحّد “في وقت قريب”. علماً ان موظفين في مطاعم مجاورة، يؤكدون أنّ “لافتة الـ6500 هي لافتة إعلانية لا أكثر، ولا يقدم المطعم أي فروج بهذا السعر”.
السباق الذي اختلفت عناوينه شكّل فرصة للزبائن لمضاعفة نسبة شراء الفروج، لكن ما يثير الغرابة هو حجم الأرباح التي كانت تجنيها المطاعم وفق الأسعار القديمة. وإذا كانت شركة “هوا تشيكن” تسلّم كيلوغرام الفروج بالجملة بسعر 4100 ليرة، وفق ما قالته إحدى موظفات الشركة لـ “المدن”، فهذا يعني ان المطعم الذي يبيع اليوم الفروج المشوي بـ 7500 ليرة، يضيف 3400 ليرة على كل فروج، والمطعم نفسه كان يبيع الفروج بـ 12 ألف، كأدنى كلفة، ما يعني انه كان يضيف 7900 ليرة على كل فروج. فهل كلفة الشوي تتخطى سعر شراء الفروج، ليكون سعر المبيع بهذا الإرتفاع؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا خفضت المطاعم الأسعار رغم ان الكلفة بقيت ثابتة؟ والأغرب من ذلك، ان المطاعم نفسها سترفع الكلفة الى 10 آلاف ليرة كحد أدنى بعد حوالي الشهر، ما يعني انها ستزيد 5900 ليرة على الفروج، من دون تقديم أي تبريرات مقنعة.
ثبات الكلفة يستبعد أي علاقة للأكلاف في هذه الظاهرة، ما يؤكد ان “المضاربة غير المشروعة، التي تنتشر بفعل غياب الرقابة والقوانين المنظمة للسوق”، هي السبب، وفق ما تراه رئيسة قسم مراقبة وسلامة الغذاء في جمعية المستهلك ندى نعمة، في حديث لـ “المدن”. وحول التلويح بإعادة رفع الأسعار مع بداية شهر رمضان، إعتبرت نعمة ان رفع الأسعار غير مبرر، “لأن كميات الفروج الموجودة في الأسواق كافية”، وأشارت الى ان “هناك شركة جديدة لإنتاج وتوزيع الفروج تتحضر لفتح أبوابها في منطقة البقاع، ما يعني ان الأسواق ستشهد وجود كميات أكبر من الفروج، لذلك لا حاجة لأي إرتفاع في الأسعار”. لكن برغم ذلك، ينتظر أصحاب المطاعم رمضان بفارغ الصبر، لأنه بات مناسبة سنوية لرفع الأسعار من دون إعتراض أي جهة.
رمضان الذي سيشكّل خط الوصول في سباق فروج الضاحية، سيعيد أرباح المطاعم الى ما كانت عليه قبل 7 أشهر، وسيحرم الزبائن من “نعمة” إنخفاض الأسعار، لكنه لن يحرمهم من آفة السكوت عن بورصة الأسعار التي تصيب كل السلع، من دون حسيب أو رقيب.