IMLebanon

نفوذ هائل لصناديق التحوط في سوق النفط

OilWorld

ديفيد شيبارد ونيل هيوم

لا عليك من التفاعل بين العرض والطلب. عندما يتعلق الأمر بأسعار النفط، يقول كثيرون في واحدة من الأسواق الأكثر أهمية في العالم، “إن صناديق التحوّط والمُضاربين يمارسون نفوذا كبيرا غير مألوف”.

يراقب متداولو النفط أسعار العقود الآجلة وهي تندفع إلى أعلى مستوياتها هذا العام، ضمن مسافة قريبة من 70 دولارا للبرميل، حتى مع تخبّط سعر الشحنات المادية وسط فائض هائل من العرض.

يُشير المتداولون المُتمرّسون إلى تأثير الصناديق الكليّة التي تملك مليارات الدولارات. ففي حين إن معظم الزيادة في الطلب القائم على المُضاربة كان مدفوعا بتحسّن ملحوظ في العوامل الأساسية المتعلقة بالنفط، مثل تقليص نشاط شركات الحفر الأمريكية، إلا أن هناك عوامل أخرى تفعل فعلها.

يقول المتداولون “إن الصناديق تجعل عقود النفط الآجلة ليست مجرد رهان على ارتفاع أسعار النفط في النهاية، إنما وسيلة للتحوّط ضد ضعف الدولار الأمريكي، ما أدى إلى ارتفاع عائدات السندات الحكومية وتحويل توقعات التضخم، التي نالت الجزء الأكبر من محافظهم”.

تقول إينرجي أسبيكتس، وهي شركة استشارية مقرها في لندن “في نهاية المطاف، القوة المُهيمنة في سوق النفط الخام اليوم هي الصناديق الكليّة، مع الحديث عن التنويع وعودة التضخم مرة أخرى إلى جدول الأعمال”.

وتضيف “بعض هذه الصناديق الكلية بمليارات الدولارات وقد تضع فقط 1 في المائة من محافظها في النفط، لكن هذا يكفي في بعض الأحيان لكي تتضاءل أمامه الصناديق المتمركزة (…) بدرجة أصغر”.

بعد أن أعلن البنك المركزي الأوروبي عن برنامج التسهيل الكمي في كانون الثاني (يناير)، التداولات الشائعة كانت بيع اليورو وشراء سندات الخزانة الألمانية والدولار الأمريكي. لكن عائدات سندات الخزانة الألمانية لأجل عشرة أعوام ارتفعت نحو 0.70 في المائة بعد أن هددت بأن تتحوّل إلى سلبية الشهر الماضي. وهذا أدى إلى بدء بعض الصناديق في تفكيك التداولات، أو البحث عن وسائل تحوّط إضافية من أجل التعاملات الكبيرة.

يقول ديفيد هوفتون، الرئيس التنفيذي لشركة الوساطة “بي في إم” العاملة في مجال النفط “إذا كنتَ تخشى أن يكون سعر سندات الخزانة الألمانية مدفوعاً بالتضخم، فإن شراء النفط الخام سيوفّر بعض الحماية”. ويُضيف “إن نسبة الارتباط بين النفط الخام وعائدات سندات الخزانة الألمانية تتجاوز 90 في المائة”.

وشراء النفط عندما يُصبح الدولار ضعيفاً يُعتبر أيضاً بمثابة مركز تعويضي بالنسبة لبعض المستثمرين، لأن معظم السلع الأساسية يتم تسعيرها بالدولار الذي يمثل العملة الاحتياطية في العالم.

وكان الدولار عاملاً مُساهماً في تراجع أسعار النفط بين حزيران (يونيو) وكانون الثاني (يناير) عندما ارتفع بنسبة 16 في المائة مقابل مجموعة من العملات. مع ذلك، التراجع بنسبة 60 في المائة في أسعار النفط الخام، من نحو 115 دولارا إلى 45 دولارا للبرميل خلال الفترة نفسها يوضّح كيف كان يتم التداول بالنفط الخام استنادا إلى العوامل الأساسية الخاصة به، في الوقت الذي أسهمت فيه طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة في زيادة العرض.

لكن حجم التداول القائم على العقود الآجلة في سوق النفط يُعتبر هائلاً، ومُحرّكاً مهماً للأسعار. وخلال العقد الماضي كانت هناك زيادة في حجم عقود النفط الخام التي تم تداولها في بورصة إنتركونتيننتال وبورصة نايمكس. وارتفع متوسط حجم التداول اليومي في العقود الآجلة من 350 ألف عقد في عام 2005، عندما بدأ التداول الإلكتروني بالهيمنة، إلى 1.5 مليون عقد – 16 مرة ضعف الطلب العالمي اليومي على النفط – وفقاً لحسابات “فاينانشيال تايمز”.

وتُظهر بيانات البورصة والأجهزة التنظيمية أن الصناديق تحتفظ بمراكز صافية في العقود الآجلة والخيارات في لندن ونيويورك تُعادل نحو 510 ملايين برميل من النفط الخام. وهذا يساوي أكثر من خمسة أيام من الطلب العالمي، أو الإنتاج الشهري المُجمَّع لكل من السعودية والعراق وإيران، وهي أكبر الدول المُنتجة في منظمة أوبك.

ويُحذّر بعض المستثمرين من أن شراء الصناديق يمكن أن يجف أو ينعكس، الأمر الذي يضع ضغطا على الأسعار. وبحسب أحد مديري صناديق التمويل في لندن، عندما كان سعر النفط أقل عشرة دولارات “كان كثير من صناديق التحوّط مُهتما بشراء النفط، لأنه كان يبدو أنه يُباع بإفراط. لكن الآن هناك اهتمام أقل بعد الارتفاع، لأنه يبدو كأنه مبالغ فيه أكثر قليلاً”.

وثُلث عقود النفط الآجلة الأكثر نشاطاً في الولايات المتحدة تسيطر عليها الصناديق التي يتم تداولها في البورصة، الشائعة بين المستثمرين الأفراد وصناديق التحوّط.

ومراكز صناديق التحوّط المشكوفة، أي الرهانات بأن السعر سينخفض، زادت خلال الهبوط الساحق لأسعار النفط، مع أنه في خام غرب تكساس المتوسط، المؤشر المرجعي الأمريكي، وصلت المراكز ذروتها في آذار (مارس) عند نحو 200 مليون برميل، بعد شهرين تقريباً من انخفاض الأسعار. وبعض المشاركين في السوق يرون أن إغلاق أكثر من نصف هذه المراكز المكشوفة منذ ذلك الحين سيُساعد على تسريع انتعاش النفط ـ خام غرب تكساس الوسيط كان أقل من 60 دولارا بقليل يوم الجمعة.

ويقول هوفتون “إن عقود النفط الآجلة كانت كبيرة في تأثيرها مثل التأثير الناتج عن وصول الحفر الأفقي والتكسير. عمل التكسير على تحويل ديناميكيات عرض النفط؛ وعملت العقود الآجلة على تحويل العوامل التي تُحرّك أسعار النفط”.

جولدمان ساكس، وهو واحد من المصارف الرئيسية في أسواق السلع الأساسية، يُحذّر من أن الارتفاع قد يكون تجاوز حده كثيراً. وفي حين إن محلليه يرون في الطلب القوي من آسيا والعوامل الأساسية الأخرى دعما للأسعار، إذ كتبوا في مذكّرة الأسبوع الماضي أن التعاملات الكبيرة القائمة على توقعات ارتفاع الأسعار في صناديق التحوّط في النفط يمكن أن تؤدي إلى عملية بيع مكثف في حال أقدمت الصناديق على جني الأرباح.

قال البنك “مع أن الأسواق أصبحت أكثر تطلعا إلى المستقبل وتنظر بالفعل إلى أبعد من العوامل الأساسية على المدى القريب، تماماً كما فعلت في الخريف الماضي، إلا أننا في النهاية لا نتشارك هذا الرأي التقدّمي بخصوص تحسن العوامل الأساسية بشكل حاد، حتى في عام 2016”.