شريفة عبدالرحيم
منذ سنوات قليلة بدأت كل من القوات الجوية والبحرية الأمريكية التخطيط الأوليّ لبدائل محتملة للطائرات الحالية وما يشار إليها على أنها الطائرات المقاتلة من الجيل القادم أو طائرات السيطرة الجوية، أو طائرات «الجيل السادس». ومن المتوقع أن يمنح سلاح الجو العقد الخاص بها فى الشهور القادمة، فى سباق تخوضه ثلاث من أكبر شركات الدفاع فى العالم الذى يمكن أن تعيد نتائجه تشكيل الصناعة.
حول بيزنس شركات الدفاع أشار تقرير لمجلة الايكونومست إلى انه فى غضون الأشهر القليلة المقبلة، سوف تفوز شركة بأكبر صفقة، ربما لسنوات طويلة قادمة، من قبل سلاح الجو الأمريكي، وذلك لتصنيع طائرات مقاتلة جديدة طويلة المدى، وB-3، كما يرجح أن يكون اسمها، طائرات ذات قدرة نووية ومصممة لاختراق الدفاعات الجوية الأكثر تطورا فى العالم. والصفقة نفسها سوف تحقق للشركة الفائزة إيرادات تتجاوز 50 مليار دولار بالإضافة الى مليارات الدولارات للعمل على تصميم ودعم وتطوير هذا الطراز من الطائرات المقاتلة. وتهدف الخطة إلى تصنيع ما لا يقل عن 80-100 طائرة من طراز B-3، بتكلفة تزيد على 550 مليون دولار لكل منها.
والفوز مؤكد لاثنين من ثلاث شركات. فريق من بوينج ولوكهيد مارتن، أو من جهة أخرى، نورثروب جرومان. ونتيجة السباق قد تحدث زلزالا فى صناعة الدفاع، مع خروج الخاسر من سوق الطائرات الحربية .
فبعد صفقة B-3، الصفقة الكبيرة التالية لطائرات الجيل السادس التى ستحل محل سوبر هورنيت F-22 وF-18، سوف تكون بعد أكثر من عشر سنوات. ومن ثم يعتقد محللون أنه سيكون من الصعب للخاسر البقاء فى السوق.
وبحسب التقرير فانه فى حالة خسارة نورثروب، قد يضغط مستثمريها من أجل تقسيم الشركة. اما إذا كانت الخسارة من نصيب شركة بوينج، فقد تسعى الى شراء أعمال نورثروب الخاصة بصناعة الطائرات الحربية، للتأكد من حصولها على الصفقة فى نهاية الامر.ومن المقرر إغلاق خط انتاج بوينج F-18 فى سانت لويس (المقاتلة الأساسية للبحرية الامريكية حتى ترتفع ارقام مبيعات F-35 الجديدة) بعد عامين.
فى الوقت نفسه، خروج شركة نورثروب من الساحة سوف يجعل من لوكهيد مارتن الشركة الأمريكية الوحيدة التى لديها القدرة على تصميم طائرات مقاتلة، مما يعنى انها ستكون الرابح الأكبر بين الثلاث.
يذكر ان شراكة بوينج ولوكهيد بدأت عام 2007 لبناء ما كان يعرف آنذاك باسم – مشروع الجيل القادم – وهو المشروع الذى تم إلغاؤه بعد عامين بسبب الطموح التكنولوجى المفرط الذى قفز بالتكاليف إلى مستويات غير مقبولة. ثم فى عام 2013 قرروا كفريق واحد مرة أخرى التحضير لطلب جديد قدمه سلاح الجو فى الصيف الماضي. بوينج هى قائد الفريق وسوف تبنى الطائرة، أما شركة لوكهيد فستكون مسئولة عن تصميمها، وذلك فى حالة تقديم العطاء الأفضل .
كانت نورثروب هى الشركة التى قامت ببناء المقاتلة B-2 التى دخلت الخدمة فى التسعينيات ولكن انتهاء الحرب الباردة فى وقت أقرب مما كان متوقعا كبد الشركة تكاليف باهظة، وذلك بسبب تراجع حاجة الولايات المتحدة إلى B-2 فلم يتم تصنيع 132 طائرة منها كما كان مقررا وانما 21 فقط. ومن ثم، وبعد حساب تكاليف البحث والتطوير والتجارب انتهى الامر بأن تصل تكلفة الطائرة الواحدة من هذا الطراز الى أكثر من 2 مليار دولار. وان كانت الطائرة أثبت قدراتها فى صراعات عديدة، من كوسوفو إلى ليبيا.
غير ان التكنولوجيات المتطورة التى جعلت من B-2 مقاتلة باهظة للغاية (للشراء والتشغيل) سوف يتم الاستفادة منها فى الطائرة الجديدة، التى من المقرر أن تدخل الخدمة بحلول عام 2025 .
وتكمن أهمية هذه الصفقة فى حاجة الولايات المتحدة إلى مقاتلات بعيدة المدى قادرة على اختراق الدفاعات الجوية الأكثر تطورا للحفاظ على الهيمنة الأمريكية الفريدة بإبراز قوتها فى أى مكان فى العالم.
وإذا كانت السرعة فى دخولها الخدمة لها الأولوية، فكذلك الحفاظ على سعر منخفض بما فيه الكفاية لتكون قادرة على بناء أعداد معقولة منها، وبالتالى النجاة من العوائق السياسية فى ظل تدابير التقشف المفروضة من قبل الكونجرس على الميزانية منذ عام 2013 . وهذا سوف يجعل منB-3 أول نظام رئيسى للدفاع يتم تصميمه وإنتاجه فى هذا العصر الجديد.
قطاع الدفاع يشكل 40 ٪
من الفساد فى المعاملات العالمية
لا يبذل ثلثا شركات الدفاع جهودًا كافية للترويج لسياساتها فى مكافحة الفساد، وذلك وفق استبيان أجرته منظمة الشفافية الدولية المستقلة. وبحسب التقرير الذى نُشر قبل أيام فانه بينما كانت ممارسات الصناعة متجهة فى الاتجاه الصحيح، تبين ان ثلث الشركات التى شاركت فى الاستبيان والبالغ عددها 163 شركة أظهرت قليلا من الأدلة على وجود برامج لمكافحة الفساد، وحوالى ربع الشركات لم تقدم دليلا معلنا على أن لديها برامج من أى نوع للتعامل مع هذه المشكلة.
وقد جاء نشر التقرير بعد أيام فقط من تحذير الصناعة بشأن مخاطر فضيحة فساد، حيث كشفت شرطة الضرائب الإيطالية أنها تحقق فى احتمالية إنشاء صناديق رشوة وفواتير مزيفة من قِبل مديرى شركة «اوجستا ويستلاند» السابقين للمساعدة فى تأمين طلبية طائرات هليكوبتر من الجزائر بين عامى 2009 و2011 .
وتعد هذه آخر سلسلة من قضايا الفساد فى السنوات الأخيرة التى طالت شركات ايرباص وبى ايه اى سيستمز ورولزرويس وبوينج واوجستا ويستلاند وغيرها فى التحقيقات.
وعلى الرغم من الجهود الرامية لتضييق الخناق على أرقام الرشوة التى نشرت فى وقت سابق من هذا العقد من قِبل معهد أبحاث السلام الدولى فى ستوكهولم، فإن التقديرات تشير إلى أن قطاع الدفاع هو المسئول عما يصل إلى 40 ٪ من الفساد فى المعاملات العالمية.
ويقدر مسئولو منظمة الشفافية الدولية أن الفساد ربما يكلف دافعى الضرائب فى جميع أنحاء العالم ما لا يقل عن 20 مليار دولار سنويا. وهذا تقدير متواضع على حد قولهم.
وقال التقرير إن هناك تغيرات فى المواقف تحدث فى الدفاع، ولكن «بصعوبة كبيرة» بالمقارنة مع القطاعات الأخرى. وأشار إلى استمرار فضائح الفساد الكبرى رغم اهتمام العديد من الشركات فى الصناعة بشكل أكبر بخطره حسبما أوضح تحليل المنظمة.
ويهدف مؤشر شركات الدفاع لمكافحة الفساد 2015 الذى نشر الأسبوع الماضى من قبل ذراع المملكة المتحدة فى منظمة الشفافية الدولية إلى قياس الشفافية ومستوى برامج الأخلاقيات ومكافحة الفساد من 163 شركة من شركات الدفاع عبر 47 بلدًا. وتحصل كل شركة على درجة منA التى تُعطى لأفضل أداء نزولًا إلى F.
ورغم تدنى الأداء فى الترويج لسياسات الأخلاقيات ومكافحة الفساد فى بعض قطاعات الصناعة، فإن عددًا كبيرًا من الشركات قامت بتحسين ممارساتها لمكافحة مخاطر الفساد.
وتقع الآن حوالى 17 ٪ من الشركات فى النطاقات A وB مقارنة بـ 8 ٪ فقط عندما أجرت منظمة الشفافية الدولية استبيانها الأول حول هذا الموضوع فى عام 2012 .
فى القائمة الأولى، حصلت شركة واحدة فقط هى «فلور» الأمريكية على درجة A وهذه المرة، رغم تصعيب المعايير، فقد انضمت إلى الشركة الأمريكية فى أعلى الدرجات شركات رايثينون ولوكهيد مارتن وبكتل.وحصلت ثلاث وعشرون شركة على الدرجة B، بما فيها ايرباص ورولزرويس ونورثروب جرومان.
وكان تعليق كيتى فيش، كاتبة التقرير، أن الصناعة لا يزال أمامها طريق طويل لاستئصال الفساد. وأضافت أن ثلثى مقاولى الدفاع فى هذه الدراسة لا يُظهرون أدلة كبيرة على وجود برامج للأخلاقيات ومكافحة الفساد. وهذا يتضمن شركات من معظم الدول الكبرى المنتجة للسلاح.
يذكر انه قدّمت 63 شركة معلومات سرية لم تكن متاحة إلا داخليًا فقط عن برامجها لمكافحة الفساد. وأدى هذا إلى توسيع النطاق A ليضم 17 شركة وتحسين التصنيف بمتوسط درجة واحدة للشركات التى شملتها الدراسة.
وقد تم التخلص بشكل كبير من الممارسات التى كانت منتشرة منذ 12-15 عامًا مع الوكلاء والظلال التى تحيط بهم، ولا شك أن هذه الآن تعتبر مشكلة على مستوى مجلس الإدارة أكبر من أى وقتٍ مضى بالنسبة للشركات الكبيرة ومزودى الخدمات الكبار. وعليه فإن الاتجاه جيد، لكن ما زال هناك طريق طويل.
من ناحية أخرى، ذكرت منظمة المراقبة أن هناك عناية واجبة يجرى تنفيذها على الوكلاء بانتظام، وتحسن فى آليات الإبلاغ عن المخالفات، وإجراءات جيدة لمكافحة الفساد فى العقود الجانبية باعتبارها جوانب يتعين على الصناعة أن تقدم تحسينات فيها. وقد تضمنت قائمة التوصيات دعوة لجميع الدول التى تشترى أسلحة لأن تطلب معايير قوية لمكافحة الفساد. وفى رأى مارك بايمان، مدير برامج الأمن الدفاع بمنظمة الشفافية الدولية فى المملكة المتحدة انه إذا اقتصرت عقود الحكومات على الشركات التى تطبق برنامجًا مناسبًا للأخلاقيات ومكافحة الفساد، فإن هذا سيُحدث تغيرًا كبيرًا نحو مزيد من المساءلة.
ورغم ذلك فقد ذكر التقرير أن الكثير من وزارات الدفاع تحتاج إلى تحسين ممارساتها فى مكافحة الفساد.
كان استبيان أجرته منظمة الشفافية الدولية فى 2013 توصل إلى نتيجة مفادها أن 70 ٪ من الحكومات فشلت فى الحماية من الفساد فى مشتريات الدفاع.
