Site icon IMLebanon

المحكمة العسكرية والمعايير الموحّدة (بقلم رولا حداد)

tribunal-militaire

كتبت رولا حداد

يشغل موضوع المحكمة العسكرية الوسط السياسي في لبنان اليوم بعد إصدار هذه المحكمة حكمها في قضية الوزير السابق ميشال سماحة. قوى 8 آذار اعتبرت في معظمها أن الحكم عادل، ومنها من اعتبره مجحف بحق سماحة، في حين اعتبرت قوى 14 آذار أن الحكم مخفّف الى درجة أنه يشكل فضيحة بالمعايير القانونية.

بعيدا عن الخلفيات السياسية يتأكد لأبسط مراقب أن الحكم المخفف الصادر على سماحة يتعارض مع أبسط قواعد المنطق في مقارنة بسيطة مع الأحكام التي تصدر مثلا على جرائم نقل المخدرات والاتجار بها، أو على جرائم بسيطة أخرى، فكيف يجب أن يكون الحال مع جريمة نقل عبوات ناسفة ضمن مخطط لارتكاب جرائم قتل جماعية بحق مدنيين ورجال دين ونواب ومسؤولين؟!

لكن مع الاتهامات التي ساقتها علانية قوى 14 آذار بحق هذه المحكمة والتي نعتوها بأنها “محكمة وفيق صفا بعد أن كانت محكمة رستم غزالي وغازي كنعان، فإن العقدة لا يمكن حصرها بعد ذلك بالحكم الصادر على سماحة، على أهميته. فالاتهامات المذكورة تجعل المحكمة العسكرية جزءًا أساسيا من تركيبة النظام الأمني السوري- اللبناني السابق ومن بقاياه حاليا. وبالتالي فإن فتح ملف المحكمة العسكرية من باب وجوب إلغائها اليوم، كما هو عنوان المعركة التي أطلقها وزير العدل اللواء أشرف ريفي وقبله ايضا عضو كتلة “القوات اللبنانية” النائب إيلي كيروز، لا يمكن أن يكون كافياً وإن كان ضرورياً ولا بدّ منه لوقف استعمال هذه المحكمة لأغراض سياسية.

ومواجهة الحكم المخفف الصادر بحق ميشال سماحة ضرورية جدا لأكثر من سبب وأهمها ألا يعتبر أي إرهابي يعمل لمصلحة بقايا نظام بشار الأسد أو لمصلحة محور الممانعة ككل أنه يتمتع بحصانة أو حماية يسكبها عليه “حزب الله” من خلال اعتباره “ممانعاً” و”مقاوماً”، وبالتالي يمكن تأمين الحماية له في مواجهة القضاء اللبناني. وهذا ما حصل سابقاً مع اللواء جميل السيد حين طلبته النيابة العامة التمييزية فرفض المثول وأمّن له “حزب الله” استقبالاً أمنياً وسياسياً في مطار بيروت مانعاً توقيفه. المفارقة يومها أيضاً تمثلت في وجود ميشال سماحة في استقباله في المطار!

وبالتالي فإن الفجور الذي ظهر في أكثر من مناسبة بات يشكل خطراً في العمق على أبسط الأدوار القضائية. ويكفي أيضاً أن نتذكر كيف أن أحد مسؤولي “حزب الله” زار أحد كوادر “سرايا المقاومة” الذي حاول إحراق مبنى تلفزيون “الجديد”، وسام علاء الدين في مستشفى الحياة، وكيف أن الحصانة التي منحه إياها “حزب الله” منعت محاكمته أمام القضاء.

وبالتالي فإن الحملة التي أُطلقت في مواجهة المحكمة العسكرية توجب في أبسط القواعد المنطقية تحقيق أمرين:

ـ الأول هو إعادة النظر بكل الأدوار التي لعبتها المحكمة العسكرية خلال المراحل السابقة، وذلك على الأقل من خلال فتح الباب أمام كل من يعتبر نفسه تعرّض للظلم في أحكام صادرة عن هذه المحكمة لطلب إعادة النظر بقضيته أمام محاكم مدنية مستقلة عن نفوذ “حزب الله”.

ـ والثاني: رفع سطوة سلاح “حزب الله” عن الحياة القضائية والأمنية والسياسية في لبنان بحيث تُطبّق المعايير القضائية وفق القوانين المرعية الإجراء حصراً. وهذا يستوجب تحديداً إعادة النظر بكل تركيبة الأجهزة الأمنية في لبنان للانتهاء من ترسبات المرحلة الماضية لتأمين استقلالية فعلية لعمل هذه الأجهزة ووقف تدخل “حزب الله” فيها.

من دون ذلك ستبقى أي محاولة لمعالجة موضوع المحكمة العسكرية، انطلاقاً من قضية ميشال سماحة، قاصرة وعاجزة عن تحقيق المطلوب، ما لم تقترن بمعالجة شاملة للوضع القائم، وهو ما لا تبدو قوى 14 آذار قادرة عليه اليوم في ظل عجزها عن تأمين الحد الأدنى المتمثل بانتخاب رئيس للجمهورية!