يعيش العالم اليوم حقبة اقتصاد السوق وسيادة رأس المال والبحث عن الكسب السريع. هذه هي التوصيفات الأساسية التي يتم إطلاقها على الفترة الراهنة. وفي مثل هذا الإطار تأخذ حفنة قليلة من الشركات الكبرى «متعددة الجنسيات» دوراً متعاظماً على الصعيد الاقتصادي العالمي، وخاصّة في بعض القطاعات على رأسها القطاع الزراعي ــ الغذائي.
«التغذية رهينة»، هذا هو عنوان كتاب عضو البرلمان الأوروبي جوزية بوفيه، المعروف أنه من أشهر المدافعين عن البيئة على الصعيد الأوروبي منذ سنوات طويلة، ويشارك معه في هذا العمل الصحافي الفرنسي «جيل لونو». ما يشرحانه في هذا الكتاب يدور في مجمل فصول العمل حول «الهيمنة التي تمارسها الشركات الكبرى متعددة الجنسيات على النظام الزراعي ــ الغذائي العالمي وأخطار ذلك على الصحّة ومجال العمل».
ويقدّم المؤلفان على مدى صفحات الكتاب نوعا من التحقيق على مجمل دورة الصناعات الزراعية ــ الغذائية من «مرحلة البذار» في الأرض وحتى «وجبات الطعام الجاهزة» والتوزيع في الأسواق، ومرورا بجميع العمليات الوسيطة. «لا شيء يخرج عن هيمنتها»، كما يكتب جوزيه بوفيه.
ويضيفان بأشكال متعددة أن مجموعة الشركات العالمية العاملة في قطاع الصناعات الغذائية «تريد أن تدفعنا إلى استهلاك المنتجات التي تدرّ أكبر قدر ممكن من المكاسب على الشركات الصناعية التي انتجتها». وهذا ينطبق على مختلف المنتجات وعلى رأسها الأكثر استهلاكاً مثل مشتقات الحليب واللحوم وغيرها.
وتتم بهذا الصدد دراسة مفصّلة لعدد من هذه المنتجات. فبالنسبة للحليب ومشتقاته مثلا يتم التأكيد أن الشركات المنتجة الكبرى تبذل الجهود من أجل الحد من استهلاك الحليب الطبيعي بغية بيع أنواع من الحليب معالجة صناعيا ــ عبر طرق متنوعة كيميائية أو غيرها ــ وبأسعار أكبر. والمهم في جميع الحالات هو «الاستجابة للمتطلبات الذوقية لدى المستهلك».
ان الحليب الذي يباع تحت عناوين ماركات شهيرة في الأسواق الفرنسية وغيرها على أنه كامل الدسم يحتوي على نسبة أقل من المواد الدسمة من الحليب الطبيعي. ويفصّل المؤلفان القول ان نسبة المواد الدسمة في الحليب البقري الطبيعي ــ كامل الدسم ــ تتراوح بين 3.5 و 4.6 بالمئة في كل ليتر ــ تبعا لأصول البقر ونوع تغذيته وفترة الحصول عليه ــ بينما قررت الشركات الكبرى المصنّعة أن الحليب كامل النسب يحتوي على 3.6 بالمئة من المواد الدسمة في الليتر. هذا فضلا عن الإضافات المتنوّعة لإعطائه صفات تجعله أفضل للرياضيين والنساء العاملات والطلبة في فترة الامتحانات والأطفال، حسب أهداف التسويق وما يساهم بالطبع في رفع أسعار الحليب.
ما يتم تأكيده هو أن الأرباح الطائلة التي تحققها الشركات الكبرى القليلة المعنيّة يقابله مشاكل كبيرة في الوقت الراهن وتمثّل «كوارث في مستقبل الزمن القريب». ذلك بفعل «واقع نضوب الثروات الطبيعية» والتباينات الاجتماعية تتعاظم والفلاحون يفقدون أعمالهم ومصادر عيشهم والمستهلكون يدفعون ثمن النوعية السيئة لتغذيتهم من صحّتهم.
يتم التعرّض في أحد فصول الكتاب للكلفة التي يتحمّلها المال العام في بلد مثل فرنسا في مجال البحث الذي يعمل فيه رجال علم وباحثون في مختلف المشارب. ولكن على برامج حددتها الشركات العالمية متعددة الجنسيات. هذه الشركات تعمل في جميع القطاعات وتحت «عناوين مختلفة متنوّعة» تصل أحيانا إلى «وجبات تغذية القطط والكلاب»، كما يتم تحديد القول.
والكتاب ــ تحقيق حول هيمنة عدد من الشركات العالمية متعددة الجنسيات على قسم كبير من الغذاء المستهلك وبحيث يغدو من المشروع السؤال عمّا إذا كان البشر يعرفون ماذا يستهلكون من «وجبات».