عصام الجردي
ردت منظمة التجارة العالمية النمو الضعيف للتجارة بواقع 2.8 في المئة في 4102 إلى تباطؤ صادرات السلع إلى 0.7 في المئة لتبلغ 18 تريليوناً و950 مليار دولار أمريكي. ونمت صادرات الخدمات 4 في المئة إلى 4.85 تريليون. السبب هو نفسه. ركود اقتصادات دول أوروبا وتباطؤ بعضها، وتراجع النمو في الصين ودول أخرى في العالم امتداداً للأزمتين المالية والاقتصادية.
هذا ليس بيت القصيد. الاجتماع الأخير للمنظمة على مستوى المندوبين من 161 دولة الذي عقد في 26 من إبريل/نيسان 2015، فشل في فتح كوة لاستئناف مفاوضات الدوحة المجمدة منذ. 2001 وتمسك مندوبو الدول الصناعية بمواقفهم من سياسة دعم المنتجات الزراعية التي توصد الابواب في وجه نفاذ صادرات الدول النامية الزراعية إلى أسواق تلك الدول. فلم يكن أمام مندوبي الدول النامية في المقابل، خصوصاً الهند والبرازيل، سوى الإصرار على مخرجات مؤتمر الدوحة بتحرير تجارة الزراعة، واستئناف المفاوضات انطلاقاً من هذه القاعدة.
«مفاوضات التجارة كالدراجة الهوائية. تسقط إذا توقفت عن الحركة»، يقول المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية باسكال لامي. كأنه عنى نهاية حقبة تم الترويج لها قرابة 25 عاماً عن العولمة والقرية الواحدة.
التحقت الدول النامية بذلك الترويج بالرضا أو بالإكراه. أما الرضا، فحين عقد بعض تلك الدول الرجاء على تفعيل قدراته الاقتصادية من خلال استخدام موارده التقليدية على النحو الأمثل، وتحسين الظروف المعيشية البائسة بمزيد من فرص العمل والدخل، وإيرادات تصديرية توفر تمويلاً بما تيسر للبنى التحتية الأشد بؤساً. وأما الإكراه، فعندما وجدت دول نامية أخرى نفسها مهددة بالتأخر عن الركب، لتستفيد من ميزات وحوافز تجارية واستثمارات مباشرة، وفترات سماح لإلغاء الرسوم الجمركية في المراحل الأولى من انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية. أكثر من ذلك، لعدم إقصائها من منظومة الاقتصاد الدولي، وتعييرها دولة طاردة النمو، ومتخلفة تشريعاً وسياسات. وسرعان ما اكتشفت متأخرة، أن تحرير التجارة يستلزم من باب أولى، تحريرها من بيوت الفكر الاقتصادي الليبرالي، ومن لدن
عمالقة الاقتصاد الدولي الذين يخوضون حرباً تجارية ضارية فيما بينهم، على الزراعة والدعم الزراعي المتعدد الوجوه، وصولاً إلى الصلب والتكنولوجيا وصناعة الطيران وصناعة السيارات والموانىء البحرية، واللائحة طويلة. ولو اتفق العمالقة أنفسهم على شيء، فعلى إغلاق أبواب أسواقهم أمام صادرات الدول النامية
الزراعية. حتى في الاستثمارات المباشرة المرحب بها في اي دولة من دول العالم، المصونة بحوافز وتشريعات ودساتير، هي ليست كذلك لو جاءت من دولة ناشئة حققت إنجازات باهرة في معارج التطور والتقدم والاقتصاد. وحكاية شركة موانئ دبي العالمية مع صفقة شراء شركة بريطانية تتولى إدارة ستة مرافئ في نيويورك ونيوجرسي وميامي وغيرها عام 2006، وموقف الكونغرس الأمريكي منها، باقية في سجل أراجيف حرية التجارة والاستثمار.
نخرج قليلاً من معضلة الشأن الزراعي ومخرجات جولة الدوحة إلى «حزمة بالي» التي حملت اسم المدينة الإندونيسية. هناك تم إقرار اتفاق تيسير التجارة المتعددة الأطراف في نهاية2013 . وكانت أهم إنجاز لمنظمة التجارة العالمية منذ تأسيسها. 1995 الاتفاق توخى كسر الجمود، وإعادة تحريك «دراجة باسكال لامي» بتعهد 160 دولة اعتماد نظم جمركية شفافة من شأنها تخفيف الرسوم الجمركية على الصادرات الزراعية خصوصاً. وقيل إن قيمة الاتفاق المضافة في الاقتصاد العالمي ستكون نحو تريليون دولار أمريكي سنوياً في مرحلة تطبيقه الاولى. ويوفر 21 مليون فرصة عمل جديدة. مضى عقد على الاتفاق من دون نتائج تذكر.
لا أحد يريد أن يفهم أن الفقر والتخلف والمرض والأمية وغيرها من الآفات المستوطنة في الدول النامية والفقيرة، تستولد سلوكات ذميمة وخطرة تنتشر في عالم اليوم، أشدها فتكاً أن تتعايش تلك الشعوب مع تلك الآفات كأنها قدر محتوما. تنقرض أجيال وتولد أخرى بلا مياه عميمة صالحة للشرب، بلا منشآت للصرف الصحي، بلا عمل وبلا غذاء يكفي، وبلا أمل في اليوم الثاني. وبدلاً من الاستثمار في الأمل وفي الغد، عبر تيسير استخدام تلك الدول مواردها بالمنفعة والتنمية، يضيق عليها الخناق إلى حدود الإماتة. وحين تقبل هذه الدول أو ما يماثلها من دول شحيحة الموارد المالية بإزالة الرسوم، وتفشل في ولوج إسواق أوسع في المقابل تحرم خزانتها من لازمة حياة شعوبها. 200 مليون غرب الصحراء الإفريقية لا وصول لصادراتهم إلى المياه العميقة. السودان والكونغو في الوضع نفسه.80 مليونا في آسيا الوسطى في وضع مشابه.3 آلاف دولار أمريكي تكلفة الحاوية من دولهم. والتكلفة الطبيعية ألف و300 في دول أخرى. «حزمة بالي» تعهدت بتذليل المشقة بلا طائل.
منظمة «أونكتاد» تقدر حجم الفاقد من ضريبة الدول النامية على استثمارات أرباح الشركات الاجنبية بنحو 160 مليار دولار أمريكي محتسبة تهرباً وتحايلاً على ما يسمى بأسعار الصرف واسعار تحويل السلع. وتقول المنظمة التابعة للأمم المتحدة إن الرقم هو ضعف المعونات التي تقدمها المؤسسات الدولية ودول العون إلى تلك الدول بالذات. ليس المهم أن تتحرك «دراجة باسكال لامي». اتجاهها هو الأهم.