Site icon IMLebanon

فقدان مئات بلايين الدولارات من الموازنات العراقيّة السابقة

IraqEconInvest
وليد خدوري
يمر العراق في مرحلة خطرة، من معالمها غياب الشفافية في مؤسسات الدولة، ناهيك عن هزال الجهاز الحكومي وتفشّي ثقافة الفساد في أدائه، وتدهور الوضع الأمني. وصدرت أخيراً، معلومات عن جهات عراقية مسؤولة عن مصير الريع النفطي خلال السنوات الماضية، تعكس إحدى الصور المأسوية للبلاد. وهذه هي الحال التي قادت الدولة إلى مرحلة الخطر التي نحن في صددها الآن.
تبيّن أن مجلس النواب العراقي استلم خلال الأسبوع الأول من أيار (مايو) الجاري، دفعة واحدة الحسابات الختامية للسنوات الثماني من حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، للفترة بين عامي 2006 و2013، بهدف «مراجعتها والمصادقة عليها». وهذا يعني أن حسابات السنوات الماضية هذه، لم تُراجَع أو يُصادَق عليها حتى الآن. والمطلوب الآن من مجلس النواب، المصادقة عليها بـ «الجملة» وبعد إزاحة المالكي عن رئاسة الوزارة. وتُعتبَر خطوة المصادقة على حسابات السنوات الماضية بـ «الجملة»، عملاً غير قانوني وفق أعراف الأنظمة البرلمانية وتقاليدها، فالدور الرئيس للسلطة التشريعية هو مراجعة حسابات السنة السابقة والمصادقة عليها، ومن ثم الموافقة على موازنة السنة الجديدة المقدّمة إلى البرلمان من الحكومة أو السلطة التنفيذية. وهذا ما ينصّ عليه بالفعل الدستور العراقي.
وأعلنت النائب ماجدة التميمي، في أوائل هذا العام، أنها تعد دراسات تدل على ضياع مئات البلايين من الدولارات من الموازنات السنوية للدولة في عهد المالكي. والتميمي في وضع يسمح لها بالاطلاع على الأرقام المالية للدولة، فهي عضو اللجنة المالية في مجلس النواب خلال الدورتين الحالية والسابقة. وهي تجري دراسة حول موضوع الفساد في أجهزة الدولة.
واللافت أيضاً، تقديم الموازنات للأعوام بين 2006 و2013، وعدم شمول التقديم موازنة عام 2014. وهذا ليس بالأمر الغريب، إذ لم يوافق البرلمان في حينه على موازنة عام 2014، ومن ثم لم تكن هناك موازنة لذلك العام، ما يعني أن ليس في الإمكان احتساب موازنة ذلك العام وتدقيقها.
ويبرز خوف الآن، من التوصّل إلى صفقة سياسية بين الكتل السياسية الكبيرة في البرلمان للموافقة بالجملة على الحسابات الختامية للسنوات الماضية، وصدور قرارات نيابية بهذا الصدد لتمريرها. ويُذكر أن العضو السابق في لجنة النزاهة النيابية صباح الساعدي، أعلن أن موازنات السنوات الماضية «صُرِفت ولا يوجد أي إعمار للبنى التحتية ولا استثمار، ولا معالجة للكهرباء ولا سكن ولا حل لشح المياه أو غيرها». وأضاف: «الموازنات التي صُرفت من 2006 إلى 2012 بلغت 614 بليون دولار، وتُضاف إليها موازنة 2013 فيصبح المجموع 727 بليون دولار، وهذه تكفي لبناء عراق جديد بالكامل». ويُذكَر أيضاً، أن مجلس النواب العراقي فشل في إقرار موازنة عام 2014، وأعادها مرات إلى مجلس الوزراء لإجراء تعديلات عليها لوجود مخالفات كثيرة فيها.
إن ضياع مئات البلايين من الدولارات سنوياً، في ظل الفقر المدقع الذي لا تزال البلاد تعاني منه، يشكّل فضيحة كبرى لا يمكن المرور عليها مرور الكرام. وتشير تصريحات كبار المسؤولين الحاليين، إلى شيوع ظاهرة «الفضائيين» في العراق خلال حكم المالكي. و «الفضائيون» هم أفراد يجري تسجيل أسمائهم كموظفين في المؤسسات المدنية والعسكرية للدولة، لكنهم لا يحضرون إلى مكاتبهم أو وحداتهم، ولا يمارسون أي عمل في الأجهزة الرسمية. ويقبض مسؤول ما رواتبهم شهرياً ولسنوات كثيرة. والمسؤول الأول في الدولة وقائد القوات المسلّحة طوال هذه الفترة، هو المالكي.
هذه المعلومات تثير أسئلة كثيرة، منها: هل سيبادر رئيس اللجنة المالية في البرلمان، أحمد الجلبي، إلى الحصول على موافقة رئيس البرلمان، سليم الجبوري، لإطلاق تحقيق في هذا الموضوع. وهل سيُناقَش الأمر في جلسات علنية للجنة المال، وبحضور وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني المختصة؟ وفي غياب الشفافية، من هو المستفيد الأخير والأهم من هذه البلايين؟ هل هم الساسة العراقيون فقط، أم هل جرى تحويل جزء كبير من البلايين إلى دول مجاورة، خصوصاً إيران وسورية، لمساعدتهما في خرق الحصار الدولي المفروض عليهما؟
إذا جرى تحويل الأموال إلى بعض السياسيين فقط، فهذا معناه تراكم أموال هائلة لدى مجموعة من السياسيين المحليين الذين سيستطيعون استعمالها في حملاتهم السياسية المستقبلية للعودة إلى الحكم. وإذا جرى تحويلها إلى الدول المجاورة، فهذا معناه دفع ثمن بقاء الحكومة طوال الفترة السابقة، لمساعدة إيران في تمدّدها الإقليمي، ومساعدة النظام في سورية في التشبّث بالحكم.