IMLebanon

اتساع الفجوة بين الطبقات .. عدم المساواة‮ «‬أم‮» ‬المشاكل السياسية والاقتصادية

Baltimore-Clashes-USA-April2015
بحسب اعتراف الرئيس الأمريكي‮ ‬باراك أوباما‮ «‬عدم المساواة‮» ‬كان السبب الرئيسي‮ ‬للاحتجاجات ذات الدوافع العرقية التي‮ ‬وقعت أخيرا‮» ‬في‮ ‬مدينة بالتيمور‭, ‬وهو الشعور الذي‮ ‬تراكم بمرور الوقت من آثار سنوات العنصرية‭,‬ومن ثم أعلن عن تأسيس منظمة‮ ‬غير ربحية منبثقة عن مبادرة للبيت الأبيض لزيادة فرص الشبان من الأقليات‮.‬

حول الاتجاهات العالمية للظاهرة ودور الحكومات في‮ ‬مواجهتها‮ ‬يدور نقاش طويل بين الخبراء الاقتصاديين والسياسيين‮. ‬حيث عادت مرة أخرى قضية عدم المساواة لتحتل اهتمام حكومات الدول الغنية وليس الفقيرة فحسب‮. ‬فبعد تراجع واضح في‮ ‬منتصف القرن العشرين،أعقبتها فترة طويلة من الاسقرار‭, ‬بدأت تتزايد المشكلة على مدى العشرين سنة الأخيرة في‮ ‬معظم الدول المتقدمة‮. ‬بل انها ايضا‮» ‬فى ارتفاع واضح فى العديد من الدول النامية.ومن ثم لم تعد الظاهرة تقتصر على حالات قليلة‮ ‬‭, ‬مثل الولايات المتحدة والصين‮.‬

والواقع انه في‮ ‬حين أن توزيع الدخول قد ارتفع فى معظم الدول ذات الدخل المرتفع‭,‬إلا أن هناك‮ ‬تفاوتا كبيرا بينها‮. ‬وهنا‮ ‬يشير الاقتصادي‮ ‬البريطاني‮ ‬انتونى اتكينسون إلى زيادة كبيرة وغير مسبوقة فى عدم المساواة فى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا منذ الثمانينيات‮ ‬‭, ‬فى حين ان الزيادات كانت أقل فى دول ايطاليا وهولندا وكندا واليابان والمانيا‭, ‬اما فرنسا فشهدت تراجعا‮» ‬ضئيلا‮» ‬فى الظاهرة.مما‮ ‬يعنى فى النهاية ان العوامل المسببة لزيادة عدم المساواة فى الدول ذات الدخل المرتفع‮ ‬‭, ‬قوية‮.‬

وبالنسبة إلى التوزيع العالمي‮ ‬لدخول الأسر‮ ‬‭, ‬فان العوامل الرئيسية لا تتركز في‮ ‬توزيع الثروة بين الدول وإنما في‮ ‬نصيب الفرد من الدخل القومي‮ .‬والنمو‮ ‬غير المسبوق في‮ ‬الصين‮ ‬‭, ‬وبدرجة أقل في‮ ‬الهند‭, ‬وفيهما‮ ‬40٪‮ ‬من سكان العالم‮ ‬يفسر إلى حد كبير التراجع العالمي‮ ‬في‮ ‬عدم المساواة،‮ ‬ومن ثم فقد انخفض عدد سكان العالم الذين‮ ‬يعيشون في‮ ‬فقر مدقع‮ ‬‭, ‬من‮ ‬32٪‮ ‬في‮ ‬عام‮ ‬1999‮ ‬إلى‮ ‬16٪‮ ‬في‮ ‬2010‮ . ‬

وهكذا تبدو القوى الاقتصادية المؤثرة في‮ ‬الاتجاهات العالمية لعدم المساواة‮ ‬،معقدة وأبرزها العولمة والتغيرات التكنولوجية واستحواذ قلة على معظم مكاسب البيزنس والتحرر المالي‮ ‬والزيادة الكبيرة في‮ ‬رواتب مديري‮ ‬الشركات والبنوك الذين‮ ‬يسيطرون على موارد الاقتصاد والإيرادات‮ ‬غير المسبوقة للقطاع المالي‮.(‬على سبيل المثال حققت شركة‮ ‬بى ام دبليو أرباح صافية بقيمة‮ ‬1‭.‬5‮ ‬مليار‮ ‬يورو خلال الربع الأول من هذا العام‮ ‬‭,‬وكذلك الحال في‮ ‬البنوك العالمية التي‮ ‬تتجاوز أرباحها مليارات الدولارات‮ )‬

وعلاوة على ما سبق‮ ‬‭, ‬كان هناك العوامل السياسية‮ ‬‭, ‬لاسيما موجة اعتناق مبادئ السوق الحر التي‮ ‬اجتاحت العالم منذ الثمانينيات تقريبا‮». ‬

ويتفق الخبراء على أهمية مواجهة مشكلة عدم المساواة‮. ‬فيقول الاقتصادي‮ ‬نوريل روبينى إن الحل هو زيادة الضرائب على الأغنياء‮. ‬لكن الأمر‮ ‬يستدعى أكثر من ذلك في‮ ‬رأى خبراء آخرون‮ ‬يرون ضرورة القيام بإصلاح ضريبي‮ ‬شامل‮ ‬‭,‬حيث تشير دراسات عديدة إلى رغبة الشعوب دائما‮ « ‬في‮ ‬مجتمع متكافئ‮.‬

وفيما‮ ‬يتعلق بعدم المساواة في‮ ‬الدول الغنية‮ ‬‭, ‬يقول البعض إن ما‮ ‬يهم حقيقة‮» ‬هو تكافؤ الفرص.وهو ما‮ ‬يعلق عليه اتكينسون بأن النجاح الشخصي‮ ‬في‮ ‬كثير من الأحيان مجرد مسألة‮ «‬حظ‮»‬‭, ‬وأن هيكل المكاسب عادة‮» ‬ما‮ ‬يكون‮ ‬غير عادل بشكل كبير،‮ ‬ومن ثم‭, ‬في‮ ‬ظل عدم عدالة الناتج تكون المساواة في‮ ‬الفرص سرابا‮.‬

من ناحية أخرى‭, ‬يري‮ ‬اتكينسون إن المجتمعات التي‮ ‬تفتقر إلى المساواة الاقتصادية لا تعمل بكفاءة‮ ‬‭, ‬مع تحولها إلى مكان‮ ‬غير آمن بتفاقم المشكلة.وهكذا هناك خطوات‮ ‬يمكن اتخاذها من قبل الحكومات‮ ‬‭, ‬سواء على نحو منفرد أو جماعي‭, ‬ومن قبل شركات واتحادات عمالية وجمعيات المستهلكين‮ ‬،بل وأفراد كذلك من أجل خفض المستويات الحالية لعدم المساواة‮.‬

وعلى الصعيد السياسي‭, ‬يدعو الخبراء إلى تقديم مزيد من الدعم السخي‮.‬فيقول المفكر الفرنسي‮ ‬فرانسوا بورجا إنه بين الدول‭, ‬ممارسات التجارة‮ « ‬العادلة‮» ‬يمكن أن تحقق الكثير للدول النامية‭, ‬أما داخل كل دولة‭, ‬فان زيادة الضرائب على الثروات والدخول‭, ‬ووضع قواعد أفضل‮ ‬‭, ‬لاسيما بالنسبة لقطاع التمويل‮ ‬‭, ‬يمكن أن تكون مجدية‮.‬

ومن المقترحات المهمة التي‮ ‬اتفق عليها الخبراء أيضا‮» ‬ما‮ ‬يتعلق بوضع سياسات موجهة مباشرة إلى تحسين مخرجات العملية التعليمية لصالح الطبقات المحرومة‮.‬

ومن ابرز الإجراءات ايضا‮» ‬ما‮ ‬يتعلق بسياسات الحد الأدنى للأجور وفقا‮» ‬لما‮ ‬يسمى ب‮ «‬الأجر المعيشي‮»‬‭, ‬ومعدل توظيف‮ ‬يتناسب معه.في‮ ‬الوقت نفسه‭,‬يدعو الخبراء إلى زيادة برامج الضمان الاجتماعي‮ ‬لتكون أكثر سخاء‮». ‬

وفى حين‮ ‬يدعو الرئيس الامريكى باراك اوباما والديمقراطيين إلى زيادة الحد الأدنى للأجور‭, ‬على اعتبار انه سيؤدى إلى تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء‮ ‬‭, ‬إلا أن كثيرا من الجمهوريين ورجال أعمال‮ ‬يحذرون من انه سيكبد الاقتصاد وظائف‮.‬

وعلى سبيل المثال‮ ‬‭, ‬يقول الملياردير وارن بافيت إن رفع الحد الأدنى للأجور ليس هو الحل الأمثل لمشكلة عدم المساواة التي‮ ‬يعترف بأنها تفاقمت وعلى نحو‮ ‬غير مسبوق‮. ‬

غير إن بعض الشركات الكبيرة في‮ ‬الولايات المتحدة أعلنت بالفعل عن زيادة الحد الأدنى للأجور‮ (‬7‭.‬25‮ ‬دولار في‮ ‬الساعة منذ‮ ‬يوليو‮ ‬2009‮) ‬بالنسبة إلى العمال الذين‮ ‬يحصلون على أقل رواتب‮. ‬ومن هذه الشركات‮ ‬‭, ‬وول مارت التي‮ ‬أعلنت في‮ ‬شهر فبراير الماضي‮ ‬زيادة الحد الأدنى إلى‮ ‬9‮ ‬دولار في‮ ‬الساعة ابتداء‮» ‬من شهر ابريل‭,‬و10‮ ‬دولار ابتداء‮» ‬من شهر فبراير المقبل.وذلك في‮ ‬خطوة سوف‮ ‬يستفيد منها‮ ‬500‮ ‬ألف عامل وتكلف الشركة مليار دولار في‮ ‬النصف الأول من العام المالي‮ ‬الحالي‮.‬

ويقول مارتن وولف في‮ ‬الفاينانشال تايمز إن الجانب الأكبر من التحديات المرتبطة بعدم المساواة عالمية‭, ‬وهى القضاء على الفقر المدقع.ومن ثم‭, ‬العولمة جزء من‮ «‬الحل‮». ‬ولكن‮ ‬يجب أن‮ ‬يصاحبها‮ ‬‭, ‬على سبيل المثال‭, ‬دفع الدول المتقدمة إلى الامتناع عن تسهيل السرقة والفساد‮ -‬مثل الرشوة في‮ ‬الصفقات الحكومية‮- ‬في‮ ‬الدول النامية.كما أن المساعدات الموجهة لقطاعات محددة تكون أكثر فعالية‮. ‬

عدم المساواة قضية مهمة ومعقدة.على الصعيد العالمي‮ ‬‭, ‬يبدو إن هناك تقدما‮» ‬‭, ‬ولكن بالنسبة لكل دولة على حدة‮ ‬‭, ‬يبدو أن هناك قصورا في‮ ‬الاهتمام بها على النحو‮ ‬الكافي‮.
اتساع الفجوة بين الطبقات .. عدم المساواة‮ «‬أم‮» ‬المشاكل السياسية والاقتصادية ‬