بحسب اعتراف الرئيس الأمريكي باراك أوباما «عدم المساواة» كان السبب الرئيسي للاحتجاجات ذات الدوافع العرقية التي وقعت أخيرا» في مدينة بالتيمور, وهو الشعور الذي تراكم بمرور الوقت من آثار سنوات العنصرية,ومن ثم أعلن عن تأسيس منظمة غير ربحية منبثقة عن مبادرة للبيت الأبيض لزيادة فرص الشبان من الأقليات.
حول الاتجاهات العالمية للظاهرة ودور الحكومات في مواجهتها يدور نقاش طويل بين الخبراء الاقتصاديين والسياسيين. حيث عادت مرة أخرى قضية عدم المساواة لتحتل اهتمام حكومات الدول الغنية وليس الفقيرة فحسب. فبعد تراجع واضح في منتصف القرن العشرين،أعقبتها فترة طويلة من الاسقرار, بدأت تتزايد المشكلة على مدى العشرين سنة الأخيرة في معظم الدول المتقدمة. بل انها ايضا» فى ارتفاع واضح فى العديد من الدول النامية.ومن ثم لم تعد الظاهرة تقتصر على حالات قليلة , مثل الولايات المتحدة والصين.
والواقع انه في حين أن توزيع الدخول قد ارتفع فى معظم الدول ذات الدخل المرتفع,إلا أن هناك تفاوتا كبيرا بينها. وهنا يشير الاقتصادي البريطاني انتونى اتكينسون إلى زيادة كبيرة وغير مسبوقة فى عدم المساواة فى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا منذ الثمانينيات , فى حين ان الزيادات كانت أقل فى دول ايطاليا وهولندا وكندا واليابان والمانيا, اما فرنسا فشهدت تراجعا» ضئيلا» فى الظاهرة.مما يعنى فى النهاية ان العوامل المسببة لزيادة عدم المساواة فى الدول ذات الدخل المرتفع , قوية.
وبالنسبة إلى التوزيع العالمي لدخول الأسر , فان العوامل الرئيسية لا تتركز في توزيع الثروة بين الدول وإنما في نصيب الفرد من الدخل القومي .والنمو غير المسبوق في الصين , وبدرجة أقل في الهند, وفيهما 40٪ من سكان العالم يفسر إلى حد كبير التراجع العالمي في عدم المساواة، ومن ثم فقد انخفض عدد سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع , من 32٪ في عام 1999 إلى 16٪ في 2010 .
وهكذا تبدو القوى الاقتصادية المؤثرة في الاتجاهات العالمية لعدم المساواة ،معقدة وأبرزها العولمة والتغيرات التكنولوجية واستحواذ قلة على معظم مكاسب البيزنس والتحرر المالي والزيادة الكبيرة في رواتب مديري الشركات والبنوك الذين يسيطرون على موارد الاقتصاد والإيرادات غير المسبوقة للقطاع المالي.(على سبيل المثال حققت شركة بى ام دبليو أرباح صافية بقيمة 1.5 مليار يورو خلال الربع الأول من هذا العام ,وكذلك الحال في البنوك العالمية التي تتجاوز أرباحها مليارات الدولارات )
وعلاوة على ما سبق , كان هناك العوامل السياسية , لاسيما موجة اعتناق مبادئ السوق الحر التي اجتاحت العالم منذ الثمانينيات تقريبا».
ويتفق الخبراء على أهمية مواجهة مشكلة عدم المساواة. فيقول الاقتصادي نوريل روبينى إن الحل هو زيادة الضرائب على الأغنياء. لكن الأمر يستدعى أكثر من ذلك في رأى خبراء آخرون يرون ضرورة القيام بإصلاح ضريبي شامل ,حيث تشير دراسات عديدة إلى رغبة الشعوب دائما « في مجتمع متكافئ.
وفيما يتعلق بعدم المساواة في الدول الغنية , يقول البعض إن ما يهم حقيقة» هو تكافؤ الفرص.وهو ما يعلق عليه اتكينسون بأن النجاح الشخصي في كثير من الأحيان مجرد مسألة «حظ», وأن هيكل المكاسب عادة» ما يكون غير عادل بشكل كبير، ومن ثم, في ظل عدم عدالة الناتج تكون المساواة في الفرص سرابا.
من ناحية أخرى, يري اتكينسون إن المجتمعات التي تفتقر إلى المساواة الاقتصادية لا تعمل بكفاءة , مع تحولها إلى مكان غير آمن بتفاقم المشكلة.وهكذا هناك خطوات يمكن اتخاذها من قبل الحكومات , سواء على نحو منفرد أو جماعي, ومن قبل شركات واتحادات عمالية وجمعيات المستهلكين ،بل وأفراد كذلك من أجل خفض المستويات الحالية لعدم المساواة.
وعلى الصعيد السياسي, يدعو الخبراء إلى تقديم مزيد من الدعم السخي.فيقول المفكر الفرنسي فرانسوا بورجا إنه بين الدول, ممارسات التجارة « العادلة» يمكن أن تحقق الكثير للدول النامية, أما داخل كل دولة, فان زيادة الضرائب على الثروات والدخول, ووضع قواعد أفضل , لاسيما بالنسبة لقطاع التمويل , يمكن أن تكون مجدية.
ومن المقترحات المهمة التي اتفق عليها الخبراء أيضا» ما يتعلق بوضع سياسات موجهة مباشرة إلى تحسين مخرجات العملية التعليمية لصالح الطبقات المحرومة.
ومن ابرز الإجراءات ايضا» ما يتعلق بسياسات الحد الأدنى للأجور وفقا» لما يسمى ب «الأجر المعيشي», ومعدل توظيف يتناسب معه.في الوقت نفسه,يدعو الخبراء إلى زيادة برامج الضمان الاجتماعي لتكون أكثر سخاء».
وفى حين يدعو الرئيس الامريكى باراك اوباما والديمقراطيين إلى زيادة الحد الأدنى للأجور, على اعتبار انه سيؤدى إلى تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء , إلا أن كثيرا من الجمهوريين ورجال أعمال يحذرون من انه سيكبد الاقتصاد وظائف.
وعلى سبيل المثال , يقول الملياردير وارن بافيت إن رفع الحد الأدنى للأجور ليس هو الحل الأمثل لمشكلة عدم المساواة التي يعترف بأنها تفاقمت وعلى نحو غير مسبوق.
غير إن بعض الشركات الكبيرة في الولايات المتحدة أعلنت بالفعل عن زيادة الحد الأدنى للأجور (7.25 دولار في الساعة منذ يوليو 2009) بالنسبة إلى العمال الذين يحصلون على أقل رواتب. ومن هذه الشركات , وول مارت التي أعلنت في شهر فبراير الماضي زيادة الحد الأدنى إلى 9 دولار في الساعة ابتداء» من شهر ابريل,و10 دولار ابتداء» من شهر فبراير المقبل.وذلك في خطوة سوف يستفيد منها 500 ألف عامل وتكلف الشركة مليار دولار في النصف الأول من العام المالي الحالي.
ويقول مارتن وولف في الفاينانشال تايمز إن الجانب الأكبر من التحديات المرتبطة بعدم المساواة عالمية, وهى القضاء على الفقر المدقع.ومن ثم, العولمة جزء من «الحل». ولكن يجب أن يصاحبها , على سبيل المثال, دفع الدول المتقدمة إلى الامتناع عن تسهيل السرقة والفساد -مثل الرشوة في الصفقات الحكومية- في الدول النامية.كما أن المساعدات الموجهة لقطاعات محددة تكون أكثر فعالية.
عدم المساواة قضية مهمة ومعقدة.على الصعيد العالمي , يبدو إن هناك تقدما» , ولكن بالنسبة لكل دولة على حدة , يبدو أن هناك قصورا في الاهتمام بها على النحو الكافي.
اتساع الفجوة بين الطبقات .. عدم المساواة «أم» المشاكل السياسية والاقتصادية