Site icon IMLebanon

أي مستقبل للغة الفرنسية في عالم الأعمال؟

french-language
فؤاد زمكحل
تظل اللغة «حيّة» لأنها تتطور وتتغير بوجه حالات تواصل مختلفة (عنيفة أو سلمية) تُفرَض عليها عبر القرون.
إن ولادة اللغة الفرنسية هي مثال على ذلك، فمن لغة لاتينية في البداية، خضعت لتحولات عديدة مرتبطة بالتأثيرات الكلتية والرومانية والالمانية.
بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية وإثر الوجود الألماني، تطورت «الفرنسية» من لغة لاتينية إلى لغة «رومانية». في نهاية القرن التاسع، أضيفت كلمات سياسية وتكنولوجية وقانونية جديدة إلى اللغة «الرومانية» أقرب إلى تركيب وشكل اللغة الفرنسية كما نعرفها حالياً.
وفقا للمنظمة العالمية للفرانكوفونية (OMF) ، يُقدّر اليوم أن عدد الناطقين باللغة الفرنسية في العالم قد بلغ 220 مليون نسمة (حوالي 5 في المئة من سكان العالم). ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 700 مليون شخص في عام 2050. في الواقع، تشكل اللغة الفرنسية واحدة من اللغات العشر التي يتكلّمها أكثر من 100 مليون نسمة. أما اللغات الأخرى المحكيّة فهي الماندرين والإسبانية والإنكليزية والهندية والعربية والبرتغالية والروسية والبنغالية. بالإضافة إلى ذلك فإن الفرنسية هي اللغة الوحيدة (غير الإنكليزية) المستخدمة في جميع القارات «فرنسا، شمال أميركا (كيبيك) ، جزر الكاريبي (هايتي وجزر الأنتيل الفرنسية)، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وكذلك في جزء من آسيا (فيتنام)». من جهة أخرى، لا تزال الفرنسية معتمدة كلغة رسمية في المنظمات الدولية مثل منظمة الأمم المتحدة.
اللغة الفرنسية في العالم
في عام 2010، 66 في المئة من الناس الذين كانوا يتعلمون اللغة الفرنسية أو باللغة الفرنسية هم من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى او الشرق الأوسط. فلماذا التساؤل عن مستقبل اللغة الفرنسية في عالم الأعمال؟
على الرغم من تزايد عدد الناطقين بالفرنسية في العالم، لا يمكننا إلاّ أن نلاحظ ان العدد الفعلي للأشخاص الذين يتعلمون اللغة الفرنسية كلغة أجنبية، لا يتقدّم كثيراً (فقط 58 مليون حالياً). بالفعل، لقد تزايد عدد الناطقين بالفرنسية في جميع أنحاء العالم بنحو 10.8 في المئة بين عامي 2007 و 2010، خاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. من دون شك، لهذه الزيادة صلة بالنمو الديموغرافي وسياسة تعليم أشد في منطقة لا تزال اللغة الفرنسية لغة التعليم. في حين لم يرتفع عدد الأشخاص الذين تعلموا الفرنسية كلغة أجنبية سوى بنسبة 5.8 في المئة فقط خلال الفترة نفسها. إن هذه الزيادة أقل بكثير في أوروبا حيث أن هذا الرقم انخفض بنسبة 17 في المئة خلال 3 سنوات.
من ناحية اخرى، تواصل اللغة الإنكليزية تعزيز مكانتها كاللغة الأجنبية الأكثر استخداماً على نطاق واسع، على الرغم من الأهداف التي حددتها استنتاجات المجلس الأوروبي في برشلونة عام 2002 التي أوصت بتدريس لغتين أجنبيتين منذ الصغر.
ألا يمكن اعتبار أن مثل هذا «الاقتصاد في الوسائل» متأثر أيضاً بخسارة فرنسا للمرتبة الثالثة في السوق العالمية؟ في الواقع، في عام 1995، كانت البلدان المصدِّرة الأولى في العالم الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا. تغيّر هذا الوضع في عام 2010 وتصدّرت كل من الصين والولايات المتحدة وألمانيا المراتب الثلاث الأولى.
اللغة الفرنسية في لبنان
إن اللغة الأجنبية الأولى المحكيّة في لبنان هي اللغة الفرنسية كلغة الثقافة والتواصل على حد سواء. 45 في المئة من سكان لبنان ناطقون كلياً أو جزئياً بالفرنسية في حين 55 في المئة من اللبنانيين لا يتقنون أبداً هذه اللغة. يتم استخدام الفرنسية أكثر ضمن المجتمعات الأكثر ثراء. في ما يخص جميع فئات السكان، فإن الفرنسية منتشرة عادة أكثر بين التلاميذ في المدرسة، في حين يميل استخدامها إلى الانخفاض كلما تقدمنا في السن. إن معرفة ومستوى اللغة الفرنسية في لبنان يختلفان من مدرسة لأخرى. يعتمد مستقبل اللغة الفرنسية في لبنان على تعزيز العديد من العوامل، لا سيما في مجال الإعلام المرئي والمسوع، حيث أنه يميل إلى الاختفاء تجانساً مع سياسة القادة المسؤولين الموجودين على الساحة منذ نهاية حرب 1975 ـ 1990.
من المهم أن نميّز بين الذين يعرفون كيفية التعبير بالفرنسية أو يفهمون هذه اللغة وأولئك القادرين على كتابة تقرير أو التواصل بطريقة مهنية باللغة الفرنسية مع مراسليهم الأجانب. للأسف، تواجه الشركات اللبنانية صعوبة في توظيف متخرجي جامعات على مستوى هذه المهمة.
لمناقشة والنظر في استخدام اللغة الفرنسية في مكان العمل، من المهم تحديد ثلاثة محاور رئيسية:
ـ إتقان واستخدام الفرنسية في مكان العمل
ـ استعمال اللغة الفرنسية في أدوات التواصل الداخلي والخارجي للشركات
ـ الأخذ في عين الاعتبار إتقان اللغة الفرنسية، خلال عملية التوظيف
بشكل عام، قليلة هي الشركات في لبنان التي تقول أن ليس لديها أي موظف ناطق باللغة الفرنسية. بالعكس فبالنسبة لأكثر من ثلث هذه الشركات، يمثل الموظفون الذين يمكنهم العمل في اللغة الفرنسية أكثر من 50 في المئة من القوى العاملة. نلاحظ أيضا أن النسب تختلف مع المسؤوليات وان الأفراد الذين يتمتعون بقدر أكبر من المسؤولية يستخدمون اللغة الفرنسية بشكل أكثر انتظاماً.
أما من حيث التواصل، فإن النتائج متباينة جداً. حتى لو كانت الإنكليزية هي اللغة المهيمنة، فإن الوضع غير محسوم. بالفعل، يتم استخدام، داخل الشركات، أدوات تواصل داخلية بلغتين أو ثلاث لغات في أكثر من 55 في المئة من الحالات. بشكل عام، ثنائية «اللغة العربية / الإنكليزية» واللغات الثلاث هي المهيمنة، ولكن نسبة استخدام وسائل التواصل الداخلي بالفرنسية، بما في ذلك ثنائية اللغة واللغات الثلاث عالية (47 في المئة). صحيح أن وزن الإنكليزية أكثر أهمية، ولكن لا تزال تستخدم الفرنسية في 39 في المئة من الحالات في حين استخدام اللغات الثلاث ما زال قائماً، مسجلاً بذلك نسبة تبلغ 20 في المئة.
في المقابل، وعندما يتعلق الأمر بالتواصل مع الخارج، من خلال حملة تسويق و/أو إعلانات، تهيمن اللغة الإنكليزية بصورة قوية. إنما يمثل استخدام «الفرنسية/الإنكليزية» وثلاث لغات نسبة كبيرة من أعمال الشركات (35 في المئة).
على صعيد آخر، في ما يتعلّق بمزايا وعيوب التسويق و/أو حملة إعلانية باللغة الفرنسية، يبدو أن اللغة الفرنسية تنقل صورة إيجابية تستهدف خاصة سوق المغتربين الناطقين باللغة الفرنسية. ربما هذا الواقع عائد إلى أن العيب الرئيسي التي شددت عليه الشركات التي تم استطلاع رأيها هو في السوق التي تعتبر صغيرة جدا مما يمكن أن يشكل عبئاً مالياً.
في ما يتعلق بسياسة التوظيف في الشركات، تتطلب الوظائف «غالبا» أو بالأحرى «دائما» مستوى جيدا في اللغة الفرنسية.
لكن في المقابل، اللغة المفضلة عند صياغة السيرة الذاتية هي الإنكليزية. إنما، بالنسبة لكثير من الشركات اللبنانية، يبدو أن إرسال السيرة الذاتية باللغة الإنكليزية والفرنسية هو مزج محبّذ جداً.
بالنسبة لمقابلة التوظيف، 45 في المئة من الشركات اللبنانية لا تزال تختبر مستوى المرشحين في اللغة الفرنسية.
الاستنتاج
تميل الشركات اللبنانية إلى تفضيل اللغة المستخدمة في السوق مع مراسليها الدوليين عموما. لكن بما أن الصادرات والتبادل التجاري مع دول الخليج يتوسعان وينموان، بالتالي فإن اللغة المفضلة مع هذه السوق المحتملة، هي الإنكليزية.
من ناحية ثانية، عدد كبير من رجال الأعمال اللبنانيين مقتنعون أنه من المثير للاهتمام وبناء لأكثر الشركات اللبنانية استخدام مزايا اللغة الفرنسية بطريقة أكثر فعالية وخلق أسواق جديدة مع توسع الدول الفرنكوفونية.
ما زالت القارة الأفريقية، خصوصا أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى مقرا يجمع عددا كبيرا من الناطقين باللغة الفرنسية في العالم، وقد تتمتع هذه المنطقة بإمكانات كبيرة وتقديم فرص استثمارية كبيرة لرجال الأعمال وأصحاب الشركات في الخليج.
إن سر نجاح أي رجل أعمال هو دائما المثابرة والاستفادة من جميع قدراته ونقاط القوة، بما في ذلك الفرانكوفونية، في عالم تتزايد فيه المنافسة باستمرار وأكثر فأكثر…