IMLebanon

التراجع يطبق على القطاعات .. مع تزايد التصفيات المبكرة لتعويضات المضمونين

BeirutPORT3
لا بد من التوقف أمام مجموعة من المؤشرات الاقتصادية والمالية، للدلالة على حجم التراجع والجمود الذي تعيشه البلاد، بما في ذلك النشاط المصرفي، الذي بقي القطاع الوحيد الذي يحقق بعض النمو، ولو بصورة متراجعة عن السنوات الأخيرة. كما لا بد من التوقف أمام نصائح صندوق النقد الدولي للمؤسسات المالية والقطاع المصرفي، لا سيما مصرف لبنان، إزاء إقراض الدولة. فقد طلب صندوق النقد من مصرف لبنان، وهو طلب ليس جديداً، الحد من مديونيته للدولة وتمويل العجز، والاعتماد على مصادر أخرى للتمويل من المؤسسات والقطاعات المالية. ويأتي كلام صندوق النقد، مع الإشارة إلى الإفادة من انخفاض سعر النفط في تخفيف عجز مؤسسة كهرباء لبنان، التي كانت تأكل حوالي 3000 مليار ليرة سنوياً، بما يوازي حوالي 50 إلى 52 في المئة من عجز الموازنة السنوي.
حصة مصرف لبنان من الدين مرتفعة
إشارة إلى أن مصرف لبنان يحمل حوالي 32.7 في المئة من اجمالي الدين العام بالليرة اللبنانية، بما قيمته حوالي 20580 مليار ليرة، من أصل حوالي 62.8 الف مليار ليرة (وقد زادت حصة مصرف لبنان مقارنة مع الفصل الأول من العام الماضي حوالي 3100 مليار ليرة)، وهذا ما اعتبره صندوق النقد معدلا مرتفعاً يجب تخفيفه. أما المصارف التجارية فتحمل حالياً حوالي 51 في المئة من الدين المحرر بالليرة، بما قيمته أكثر من 32 الف مليار ليرة.
الظاهرة، بمعنى ظاهرة التراجع، لم تترك قطاعاً الا وطاولته، وسط تزايد العوامل الداخلية والخارجية، التي تضرب عناصر النمو وإمكانية التحسن القريب، بفعل انغماس دول المنطقة، وحتى اوروبا، بأزمات مالية متنوعة بين التراجع وتهديد العديد من الدول، التي تطلب المساعدات من اليونان إلى غيرها.
لم تكن زيارة وفد صندوق النقد الدولي الأخيرة، ولقاءاته مع القطاعات المصرفية والتجارية والمالية، والعديد من الوزراء، بعيدة عن البحث في مخاطر تراجع المالية العامة، وغياب الموازنة وارتفاع المديونية والعجز في الموازنة وطرق تمويله، في ظل الاجواء المتوترة امنياً وسياسياً في البلاد وحولها. التركيز على ضرورة وجود الموازنة العامة، كان من باب حصر الأضرار، وعدم الإنفاق على أساس اللاموازنة . كذلك كان التحذير من بعض الضرائب، وتأييد بعضها يصب في اطار الفصل بين الضرائب المضرة في اقتصاد متراجع، والرسوم الأقل تأثيراً.
معضلة غياب التشريع
في هذا الوقت تبرز معضلة غياب التشريع، حيث تفتقر الموازنة الحالية الى تغطية الرواتب والأجور في القطاع العام، حتى نهاية الفصل الثالث. وهذا ما دفع وزير المالية الى التلميح لهذا النقص، والمطالبة بتشريع يفتح اعتمادا إضافيا بقيمة 500 مليار ليرة لتغطية كلفة الرواتب والأجور.
الأزمة ستمتد بالتأكيد إلى مساهمات الدولة في تغطية المساهمات في صندوق الضمان الاجتماعي، الذي يزداد مع ازدياد الحاجة المعيشية والاجتماعية للتقديمات الصحية والاجتماعية، من وزارة الصحة والضمان الاجتماعي والمؤسسات الضامنة، على اعتبار أن المخصصات السابقة لم تعد تغطي احتياجات المرحلة الجديدة، مع تزايد عدد النازحين من جهة واستهلاك البنى التحتية من جهة ثانية.
غلاء المعيشة والتضخم
موضوع غلاء المعيشة والتضخم في القطاع الخاص، لم تتم مقاربته نتيجة الأزمة الحياتية، وانتشار حالات الصرف التعسفي من المؤسسات، ونتيجة الاوضاع الاقتصادية. مع الاشارة إلى أن حالات الصرف في القطاع الخاص خلال الأشهر الأولى من العام الحالي والأشهر الأخيرة من العام الماضي فاقت المعدلات المعروفة، وعادت تصفيات تعويضات نهاية الخدمة المبكرة لتشكل القسم الأكبر من اجمالي التعويضات، وتتخطى نسبة الـ 62 إلى 64 في المئة من حالات التصفية البالغة حوالي 14 الف مضمون سنوياً.
منافسة اليد العاملة اللبنانية
حسب جداول مراجعات وزارة العمل والمؤسسة الوطنية للاستخدام، فإن حالات الصرف والشكاوى والمراجعات تخطت العشرة الآف خلال الاشهر الماضية، وهي أكبر من ذلك على اعتبار أن القسم الأكبر من حالات الصرف تتم بالتوافق ومن دون شكاوى تصل إلى وزارة العمل. اما انعكاسات منافسة اليد العاملة السورية، فهي تطاول عشرات آلاف العمال من المياومين وغير المسجلين في الضمان، وهي تحتاج احصاءً في قطاعات الخدمات والزراعة والمطاعم ومحلات السوبر ماركت وصولاً إلى المؤسسات السياحية.
تقلص فرص العمل
هذا على الصعيد الاجتماعي والمعيشي في ظل التوترات القائمة، وتضييق فرص العمل في وجه الشباب في الداخل والخارج. لبنان كما هو معروف يحتاج إلى 35 الف فرصة عمل سنوياً لمتخرجي الجامعات والمهنيات والحرفيين الصغار. هذا الواقع يكشف أن سوق العمل لا يستوعب، ويبدو ذلك من خلال متابعة الإحصاءات العائدة إلى المسجلين الجدد في صندوق الضمان، والذي لا يصل إلى 9 الآف مضمون سنوياً، من أصل الـ 35 الفاً الخارجين إلى سوق العمل سنوياً، بينما الخارجون من سوق العمل يتخطى هذا الرقم حسب إحصاءات تصفيات تعويضات نهاية الخدمة.
النقطة الأبرز في هذا المجال تتعلق بتراجع نمو الودائع المصرفية، التي زادت حوالي 0.7 في المئة خلال الفصل الأول من العام 2015، مقارنة مع تراجع نمو للتسليفات إلى حوالي 0.5 في المئة، على الرغم من حوافز دعم الفوائد والاعتمادات التي خصصها مصرف التمويل خلال العام الحالي، بحوالي 1200 مليار ليرة. فقد بلغت التسليفات للقطاعات خلال الفصل الأول من السنة حوالي 245 مليون دولار مقابل حوالي 454 مليون دولار للفترة ذاتها من العام 2014، أي بتراجع حوالي 47.7 في المئة. وهذا مؤشر سيئ لجهة عدم وجود مطارح للتوظيف وغياب المشاريع الجديدة، وبالتالي تقلص التوظيفات، التي يمكن أن تساهم بخلق فرص جديدة للعمل.
نمو الدين العام
مؤشر آخر يتعلق بنمو الدين العام. على الرغم من محاولات تقليص النفقات وحبسها عن بعض المؤسسات والادارات، فقد بلغ الدين العام الاجمالي في نهاية الفصل الأول حوالي 69.5 مليار دولار، بزيادة حوالي 6.6 في المئة، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي. مع الإشارة إلى ان الدين العام بالليرة زاد حوالي 8.2 في المئة وبلغ حوالي 42 مليار دولار، مقابل حوالي 27.4 مليار دولار بالعملات الاجنبية، بزيادة نسبتها حوالي 4.5 في المئة. هذا مع العلم أن الإنفاق يتم من دون وجود موازنة عامة حتى الآن للعام 2015.
تراجع إنتاج الكهرباء
إنتاج الكهرباء تراجع حوالي 10 في المئة، مما يعني امكانية تأثر الايرادات إلى ما دون حوالي 1600 مليار ليرة، المقدر لها في العام 2015، على الرغم من محاولات ضبط المخالفات والحد من التعديات التي تأكل حوالي 25 إلى 30 في المئة من الطاقة المنتجة في بعض المناطق.
في المحصلة أن مجوعة النتائج السلبية تسيطر على غالبية القطاعات الاقتصادية، من الاستيراد إلى التصدير والانتاج . كذلك تصل إلى تراجع حركة الرساميل الوافدة بنسبة تصل إلى 48 في المئة، من حوالي 5 مليارات دولار في العام 2014، إلى حوالي 2.5 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام 2015 . هذا يظهر من خلال عجز ميزان المدفوعات بحوالي 850 مليون دولار، وتراجع نمو الودائع والتحويلات من الخارج والاستثمارات الجديدة. وهذا أمر مرجح للتزايد في ظل توسع دائرة التوترات الأمنية في المنطقة، وتزايد التشرذم الداخلي في لبنان حول ازمة المنطقة والخلافات الداخلية على ملفات لا تخدم سوى المستثمرين في أجواء التوتر وعدم الاستقرار، بضرب مثلث النمو الاقتصادي في لبنان المتمثل بضرب الحركة السياحية وتراجع الصادرات الصناعية والزراعية بفعل وضع الحدود، كذلك في ظل ضرب حركة تدفق الرساميل والاستثمارات الجديدة التي تخلق فرص عمل.