في السادس عشر من شباط الماضي، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مرحلة «ذوبان الثلج» والاستعداد لمعركة الجرود. تبلغت غرفة العمليات المركزية في المقاومة الإسلامية أمراً بالاستعداد لمعركة السيطرة على جرود السلسلة الشرقية من الحدود اللبنانية السورية، وعلى وصلها بجبال القلمون السورية، وأن المهمة يجب أن تنجز، وأن يتم إنهاء وجود المجموعات المسلحة التكفيرية في تلك المنطقة. بعد الخطاب، اتخذ القرار بالعملية. وطُلب الى الجهات المعنية تولي التحضيرات، وأخذ الوقت الكافي لإنجاز الترتيبات، لكن من دون تأخير كبير. كان الجميع يتصرف على أن المعركة ستقع في الخريف، لا في نهاية الشتاء ولا في الصيف، وهو ما فرض ترتيبات عاجلة
«الأخبار» تنشر، على حلقتين، كيفية استعداد المقاومة لهذه العملية، ورواية قادة الهجوم عن المواجهة النوعية
ابراهيم الأمين
من لا يعرف المقاومة خلال التسعينيات، وما بعد عام 2000، يصعب عليه فهم حجم التغير الذي طرأ على هذا الجسم، لا لناحية عدد المقاومين أو حجم العتاد، بل لناحية نوعية التدريبات، والهيكلية الجديدة، والتكتيكات التي يتم اللجوء إليها لمواجهة كل حالة بذاتها، وكيفية التماهي مع خصوصية كل معركة. لنضع جانباً نحو ربع قرن من التجربة، ولنذهب الى ما بعد حرب تموز عام 2006، ثم المشاركة القتالية في سوريا، وما حصل من تغييرات.
في حالة القلمون الأخيرة، كانت المعطيات المتوفرة عن أرض المعركة كافية لتكوين تصور نظري أولي. تولت وحدات عدة تحضير هذه المعطيات. مجموعات متخصصة في المعلومات تولت جمع المعطيات التي توفرها وحدات الأمن بمختلف أنواعها، سواء تلك التي تأتي من إدارة المصادر البشرية، حيث نشط المئات من العناصر الأمنية في نسج علاقات توفر معلومات تساعد على رسم هيكلية العدو وأبرز نقاط قوته وضعفه. يضاف إليها التجسس التقني الذي يستند الى آليات عمل متطورة للغاية من الناحية التكنولوجية، وتستخدم فيه وسائط إلكترونية حديثة من بينها طائرات مسيرة، أي طائرات من دون طيار، لها وحدتها الخاصة وتقودها بعناية تتيح لها التحليق فوق الهدف وإرسال المعلومات مباشرة، أو تخزين معطيات يتم سحبها من أجهزة التحسس العالية الموجودة فيها.
بعد ورود المعلومات، تُضاف الى معطيات سياسية تخص الوضع الراهن، ومعطيات مصنفة «سري للغاية» ترد من مصادر غير معلومة، يتم وضعها أمام فريق متخصص في التحليل يعمل على جمع المعطيات وفرزها، وتكون لديه خبرة في طبيعة العدو، وهو هنا الجهات التكفيرية. وفي حزب الله وحدة متخصصة بهؤلاء، تعرف الكثير عن البنية الفكرية والتنظيمية والعسكرية والدينية لهذه المجموعات، من بينها عناصر متخصصة أكثر في طبيعة هذا العالم، وفي الجهات السلفية وتمييزها بين سلفية دعوية وسلفية جهادية، وبين مجموعات القاعدة الأساسية أو تلك المتفرعة عنها.
تتولى هذه الوحدة جميع المعطيات الإضافية التي ترد من جهات صديقة، ويمكن أن تتضمن معطيات مصدرها تحقيقات مع عناصر من هذه المجموعات، أو تقارير أعدتها أجهزة تعود الى حكومات أو دول تم اعتراضها بصورة أو بأخرى. ثم يصار الى وضع «التقدير» الذي يتيح للقيادة السياسية، كما للقيادة العسكرية، اتخاذ القرار الأكثر ملاءمة.
وهو أمر له دوره الكبير في تحديد طبيعة المعركة وتوقيتها وحجم الهدف وحجم القوة المفترض توفيرها لهذه المهمة، وطبيعة الاختصاصات المطلوبة. كذلك حيال نوعية الأسلحة، والاحتياطات المفترض اتباعها ربطاً بقدرات العدو التقنية والعسكرية وحتى عمله الأمني الاستخباري.
بعد توفير كل هذه المعطيات، تم تحديد دقيق للهدف ورقعة العملية، وبناءً عليه، أسندت الى القطاع العسكري المعني مباشرة الخطوات العملانية. وفي هذه الحالة يصار الى الآتي:
ــــ أولاً، توفير كل المعطيات الضرورية لجميع الفرقة القيادية التي ستتولى تنفيذ المهمة. وفي هذه الحالة، يتم تعيين الضابط المشرف على العملية برمتها، واختيار معاونيه.
ــــ ثانياً، يقوم نقاش نظري حول المهمة، ويُفتح ملف خاص بها يتضمن المطلوب من المعطيات السرية أو غير السرية. ثم يتم وضع خرائط جغرافية وأخرى عسكرية لمنطقة العمليات، ووضع مقترح أولي في تقسيم هذه المنطقة الى مربعات عدة، توزّع مهمة السيطرة عليها على أكثر من وحدة عسكرية (سرية أو أكثر أو فصيل أو أكثر).
ــــ ثالثاً، تتشكل وحدة مهمتها الاستطلاع المباشر. وهذا يتطلب الوصول الى المنطقة واختيار آليات معينة للكشف عليها. ولدى المقاومة آليتان، واحدة تقنية، تتم من خلال منظومة رصد وتعقب تقنية تغطي كامل المنطقة. وثانية تستند الى العنصر البشري حيث يقوم عناصر بالتسلل الى عمق المنطقة المستهدفة، والعودة بتقارير تخص أموراً كثيرة. وفي هذه الحالة، تستمر عمليات الاستطلاع طوال فترة الاستعداد. لكن ما يختلف مع الوقت، أن المجموعات التي كلفت بالتنفيذ ستبدأ بالمشاركة في عمليات الاستطلاع والتعرف أكثر إلى المنطقة.
ــــ رابعاً، يتم اتخاذ قرار من القيادة العليا، بناءً على توصيات الجهات الميدانية، لتحديد عدد المجموعات المفترض توفيرها للمشاركة في هذه المعركة. ويجري الأخذ في الاعتبار، ليس فقط الحاجة المباشرة إلى وحدات قتالية وأخرى بديلة أو قوات احتياط، بل أيضاً احتمال حصول انتكاسات توجب الاستمرار في الهجوم وتوفير عناصر قوة إضافية. وهذا يحتم على القيادة اتخاذ القرارات الحساسة، وخصوصاً أنه كلما زاد عدد المقاتلين زاد احتمال وقوع خسائر بشرية.
ــــ خامساً، بعد تحديد طبيعة المهمات، لناحية الاتصالات المطلوبة، يعطى الأمر ببدء عملية الحشد. وهي عملية تعنى بها وحدة متخصصة في الجهات العسكرية، تعمل على توفير العديد الذي سيتم تصنيفه فوراً، بين مجموعات تقوم بعمليات الاقتحام، وأخرى تتولى عمليات التثبيت والحماية، وثالثة تقوم بالدور الاحتياطي أو عمليات التبديل.
ــــ سادساً، يتم اختيار منطقة شبيهة جداً لمنطقة العمليات، وهو ما حصل في حالة المواجهة الأخيرة، ويتم نقل المجموعات المقاتلة الى هذه البقعة، حيث تبدأ التدريبات المكثفة والقاسية لاختبار قدرات المقاومين الجسدية والذهنية. ويخضع هؤلاء لعمليات تدريب قاسية جداً، تحتمل في بعض الأحيان أن يكون المقاوم محملاً بكامل عتاده العسكري ووزن إضافي، ثم يقوم بمسير في ظل ظروف مناخية صعبة، ومناطق وعرة، ويستمر المسير في بعض الحالات لمسافة 50 إلى 70 كيلومتراً بصورة متواصلة.
ــــ سابعاً، يتم إخضاع هذه المجموعات لتدريب على كل الاختصاصات، ويتاح لها التعرف إلى آليات التنسيق التي تتيح لها التصرف أمام أي حالة استثنائية يمكن أن تواجهها خلال القتال. وخلال هذه الفترة، يخضع العناصر لعمليات تطوير اللياقة البدنية، والتدريب على مهارات تعطي المقاتل مجال التفوق في الحركة. ويكون في هذه الأثناء خاضعاً لدورات تعبئة ثقافية ودينية.
ــــ ثامناً، عندما تصبح هذه المجموعات في حالة جهوزية معقولة، تتم العودة الى القيادة المركزية لمعرفة آخر التطورات، سواء من الناحية السياسية أو الأمنية أو على صعيد المعلومات المتوفرة عن العدو. وبعدها يصار الى توزيع المهمات والمسؤوليات، وخصوصاً لناحية اختيار قادة السرايا ونوابهم، وقادة الفصائل والمجموعات ونوابهم. ثم يصار الى بتّ حجم كل سرية، بين سرية عادية وأخرى معززة نظراً إلى خصوصية مهمتها. ويترك لقائد العملية، اختيار من يراه ــ بالتجربة ــ الأكثر قدرة على قيادة عمليات متخصصة خلال المعركة.
ــــ تاسعاً، بينما تكون الوحدات القتالية في حالة استعداد، تكون وحدات أخرى في مرحلة التحضير أيضاً، بينها وحدات المدفعية البعيدة المدى، حيث يتم تحديد حاجات المعركة من المدافع والصواريخ، ثم يجري اختيار العناصر المكلفة قيادة هذه المهمة، كما يصار الى تحديد حجم الحاجة الى آليات عسكرية أو الاكتفاء بقوى المشاة، ثم يصار الى اختيار مجموعات عاملة على الصواريخ المضادة للدروع، إضافة الى قوة من الدفاع الجوي، بينما تكون وحدة متخصصة من سلاح الهندسة والتخريب قد باتت جاهزة للتعامل مع الوضع.
ــــ عاشراً، تكلف القيادة الموحدة المعنية بسلاح الإشارة وأجهزة التواصل السلكي واللاسلكي إعداد متطلبات المعركة، ويكون عناصر هذه الوحدة المفرغين لهذه المعركة في حالة جهوزية، لناحية حمل كل المتطلبات التي تخص عملهم، وهي تشكل عتاداً كبيراً وثقيلاً، مع عمليات برمجة وتشفير خاصة، وتترافق مع تجهيز متطلبات غرفة العمليات المركزية أو الثانوية التي تقام في أرض المعركة قبل انطلاقتها.
ــــ حادي عشر، تستنفر القيادة الوحدات اللوجستية المعنية بتوفير التسهيلات الضرورية للقوة المكلفة بالعملية. وفي حالة القلمون مثلاً، يشمل عمل هذه الوحدات الآليات الثقيلة من جرافات كبيرة لفتح الطرقات وإزالة العوائق أو رفع السواتر، وسيارات النقل الكبيرة أو المتوسطة أو الصغيرة، ومجموعات الحماية التي تتولى تأمين منطقة التحرك والعمل المتصلة بالمقاتلين ومنطقة العمليات، وآليات نقل الذخائر على أنواعها، وكذلك شحن كل المتطلبات الخاصة بإنشاء غرف العمليات وتوفير الطاقة الكهربائية اللازمة والأعتدة الخاصة بالنوم والأكل، إضافة الى دورات المياه. ولهذه الوحدات دور مفصلي ليس فقط خلال التحضير للمعركة، بل خلال حصول المعركة وما يليها مباشرة من عمليات التثبيت.
ــــ ثاني عشر، تتولى الهيئة الصحية الإسلامية، بالتعاون مع وحدة الإسعاف الحربي، إعداد متطلبات مواكبة العملية. وفي هذه الحالة، لا يكتفى بعدة الإسعاف الحربي التي تكون بحوزة كل مقاتل، بل يجري تجهيز مستشفي ميداني أو أكثر حسب طبيعة المعركة وحجم القوات المشاركة. ويتم رفدها بعدد من الأطباء المتخصصين في العمليات الجراحية، مع أطباء البنج والإنعاش، إضافة الى عدد غير قليل من المسعفين المتخصصين بالإسعاف الحربي، ويتم رفدهم بسيارات إسعاف متخصصة تكون جاهزة لنقل الحالات الخطرة الى خارج منطقة العمليات، علماً بأن كل المجموعات تكون مجهزة بما يتيح لها إسعاف الإصابات الطفيفة خلال المعركة أو المتوسطة في مكان قريب من منطقة المواجهات.
بعدما يتم تحضير كل الخطوات وتحديد المدى الزمني القريب للعملية، ومن هناك تبدأ مرحلة ثانية قبل اندلاع المعركة.
غداً: كيف حصلت المعركة؟
أثناء الاعداد لمعركة القلمون، عززت المجموعات التكفيرية عناصرها بأسلحة المجموعات الفردية من بنادق وقنابل يدوية ورشاشات 12.7 ملم اضافة الى رشاشات ثقيلة من عيار 14.5 و23 ملم، ومقذوفات صواريخ مضادة للافراد الدروع من بي -7 الى بي – 9 الى كورنيت وكونكورس وميلان.
اما القوى التي شاركت في المعركة فهي: جيش الفتح بقيادة «جبهة النصرة»، ويضم «حركة أحرار الشام الإسلامية»، «فيلق الشام»، «جند الأقصى»، تجمع “واعتصموا» (المؤلف من لواء الغرباء، ولواء نسور دمشق، وكتائب السيف العمري، وكتيبة رجال القلمون)، «جيش القلمون» (المؤلف من مجموعات الجيش الحر)، ولواء تحرير الشام.