يبدو للوهلة الأولى، وأنت تدخل مبنى دائرة الميكانيك (النافعة) في مدينة عاليه، أنك في طريقك الى خلية نحل لا تهدأ، عنوانها النشاط وسِمتها الحيوية، إلا أن ما تراه في الداخل يصدمك إلى درجة محبطة، وتتمنى في لحظة ألا تكون منتمياً إلى فضاء دولة يعشش في دوائرها الفساد، دولة تذلُّ أبناءها وتتمادى في قهرهم.
رصد .. ومشاهدات
يمكن أن نرصد مشاهدات نافرة كل لحظة، وأن نسمع السباب والشتائم من «العيار الثقيل» وسط لغة «زقاقية رسمية» لا تراعي حرمة المتواجدين والمنتظرين.
تقول سوزان أبو سعيد «عادة أقوم بمعاملاتي عن طريق البريد، وبسبب مخالفة توجب علي الحضور شخصياً إلى النافعة، فتبين لي أن عدد موظفيها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، حضرت يوم الجمعة الماضي لأفاجأ بأن (برنامج الكمبيوتر) معطل، وأفاجأ أكثر بطلب أحد الموظفين ألا أعود السبت، لأن لديه ملفات متراكمة، لذا قصدت الدائرة الثلاثاء الماضي».
وأضافت: «الموظف المسؤول عن معاملات الميكانيك (ر.ع) يصدر في الوقت عينه رخص سوق السيارات الخصوصية والعمومية، ليس ذلك فحسب، بل يُنتدب للإشراف على اختبارات القيادة بالمناوبة بينه وبين رؤساء الدائرة الآخرين، وهو بذلك يضطر إلى ترك العمل معطلا مصالح المواطنين، الى اليوم التالي».
معقب معاملات
ومن المفارقات الغريبة، بحسب أبو سعيد، «طلب مني الحصول على إضبارتي الخاصة من أجل تجديد رخصة سوق، ودخلت مع شخص لا يعمل في النافعة، وأرشده الموظف المسؤول على أوراقي ليتم تداول محتوياتها بين الجميع وبحضور الجميع».
وأضافت: «أما المشهد النافر فبدا في غرفة الكمبيوتر. شخص يقف خلف الموظف، وبدا أنه (معقب معاملات)، وبجانبه يجلس شخص آخر وحوله أشخاص يبدو انهم أصحاب مدارس تعليم قيادة السيارات، ويعدو أشخاص بين الجميع يطلبون معاملاتهم، ويسألون ويتدخلون، ويتكلمون في فوضى لا توصف، ويجيب الموظف المسؤول على مكالمات «ضرورية» تطول وتقصر طبقاً للحاجة، ويدخن غليونا، ويجيب على تساؤلات».
صدمة لا توصف وشتائم
وقالت: «كانت صدمتي لا توصف عندما دخل مواطن يسأل عن معاملته، فيبادر احد الأشخاص من (معقبي المعاملات) بالقول له (يا… بقرة أين معاملة فلان الفلاني؟). ثم يعود لسؤاله (يا… حمار…)، واحتدم نقاش وكلام حول المسؤول (ر.ع) الذي أصيب بنوبة عصبية وصرخ بنا جميعاً (طلّعوا لبرة، حلّوا عني، ما بدي شوف حدا) ويرمي بالملفات حوله أرضا، ليأتي بعدها موظف الأمن المسؤول ويخرجنا الى الرواق المجاور متبوعين بشتائم طاولت أمهاتنا وآباءنا وأصولنا بأقذع الألفاظ، وطلب منا موظف الأمن المسؤول الانتظار خارجاً، لنسمع من الغرفة صوت الصراخ والشتائم». ثم نسمع صوت شيء يتحطم، أخرجه موظف الأمن، وكان كرسياً كُسر دولاب من دواليبه».
للمشكلة عدة اسباب
يؤكد سلمان سعيد أن «للمشكلة أسبابا عدة وأهمها عدم وجود عدد كافٍ من الموظفين، وهذا الامر ندفع ثمنه انتظارا وحرق أعصاب»، مشيرا إلى «اننا نتضامن مع الموظفين الوحيدين المسؤولين عـــن المعاملات المطبوعة (الكمبيوتر) ولكن ليس على حساب كرامتنا».
وأشارت هيفاء صالحة إلى أن «المطلوب تحديث دائرة الميكانيك بالتجهيزات وبالعدد الكافي من الموظفين»، ولفتت إلى أنه «من المعيب أن تكون دائرة رسمية متسخة إلى درجة لا يمكن قبولها وفيها إساءة للمؤسسات الرسمية، فضلا عن وجود أوراق ممزقة على الأرض وأعقاب سجائر وقاذورات»، وأكدت أن «الدولة تطالب بحقوقها ونحن لنا حقوق في الحصول على خدمة سريعة من دون فوضى وبما يحفظ كرامتنا».
المشكلة ليست قائمة في دائرة الميكانيك فحسب، وإنما في معظم الدوائر الرسمية، لكن ثمة سؤال: هل على المواطن أن يتحمل هذا الهوان بسبب عدم وجود عدد كافٍ من الموظفين؟ ومن ثم ماذا يعني التداخل بين صلاحية الموظف و»مخلصي المعاملات» وكأنهم جزء من الدائرة؟ لكن السؤال الأهم: هل يرضى وزير الداخلية أو أي مسؤول في الدولة مثل هذا الواقع الذي يمثل قمة القهر والإذلال؟