Site icon IMLebanon

السندات الألمانية محور العائدات في أسواق العالم

GermanIndex1

محمد العريان

سوق سندات الحكومة الألمانية، التي عادة ما تكون هادئة، كانت بالأحرى مثيرة في الآونة الأخيرة. أمضت الوقت في أماكن غير عادية للغاية، وتحركت على نحو غير مسبوق. والآن هي محور مهم للعائدات في أماكن أخرى، بما في ذلك سندات الخزانة الأمريكية التي عادة ما تكون مستقلة ذاتيا. وفي تتويج لتراجع مثير للإعجاب للعوائد على مدى عدة أعوام، وصلت عائدات سندات الخزانة الألمانية لأجل عشرة أعوام إلى مستوى قياسي منخفض يبلغ 0.05 في المائة في 17 نيسان (أبريل). وكان يتم تداول كثير من نظرائها على منحنى العائدات السيادية في ألمانيا، بما في ذلك نقطة الاستحقاق لما يصل إلى تسعة أعوام (وحتى عدد قليل من سندات الشركات)، بأسعار فائدة اسمية سلبية – وهذا يعني، أن المستثمرين على استعداد للدفع مقابل إقراض الأموال للمنظمات التي تصدر السندات. ولأن هناك ثلاثة تريليونات يورو من السندات الأوروبية واجبة الاستحقاق، التي يتم تداولها بعائدات اسمية سلبية، فإن جزءا لا بأس به من آراء المختصين المطلعين يرى أنها مسألة وقت فقط حتى يتوسع الفرق بخصوص هذا الوضع الشاذ أكثر بكثير مما هو عليه الآن.

وهناك خمسة عوامل مألوفة تعمل على دفع هذا الضغط التاريخي على العائد هي النمو الاقتصادي الضعيف، و”التضخم المنخفض” الذي هدد بأن يتحول إلى انكماش، وعودة ظهور المخاوف بشأن خروج اليونان غير المنضبط من اليورو، وبرنامج كبير لعمليات شراء الأصول من قبل البنك المركزي الأوروبي، ومجتمع استثمار منظم يشعر بالقلق من الآثار المترتبة على عدم تطابق المطلوبات في العائدات المنخفضة دائما. كل هذا تم تعزيزه بشكل مؤقت من قبل المستثمرين وصناديق التحوط التي تتعامل بالمكشوف على السندات وتحتاج للتغطية من أجل الحد من الخسائر.

وكلما توجهت العائدات الألمانية نحو الأدنى، زاد الضغط على نظيراتها الأمريكية. وقد فعلت ذلك من حيث الاتجاه، مع أنه ليس إلى مثل هذه الوجهة المنخفضة. لكن مثل جميع التحركات التي تغذيها المسائل الدورية، طويلة الأجل والهيكلية، فإن خطر التجاوز كان جوهريا. وتعمق أكثر بسبب الفكرة التي تبناها بشكل خاطئ عدد لا بأس به من المشاركين في السوق، وهي أن البنك المركزي الأوروبي لا يمكن أن يؤثر فقط، لكن أيضا يقوم بتحديد أسعار فائدة السوق على السندات عبر منحنى العائدات (وكذلك يتجاوز كثيرا الوصول الفوري لسياسته فيما يتعلق بسعر الفائدة الرسمي).

بالطبع، هناك حدود للمدى الذي يمكن أن يصل إليه انخفاض العائدات بدون إثارة مقاومة المستثمرين، خاصة عندما يصبح عدد لا بأس به منها سلبيا. وتم الوصول إلى هذه الحدود قبل بضعة أسابيع ويتم تصحيحها الآن كجزء من صحوة السوق الأكثر عمومية التي تعمل على التفريق بين العائدات التي تقاربت بشكل مفرط، بما في ذلك تلك المتعلقة بالسندات الأوروبية في البلدان الطرفية. مع ذلك، تصحيح السوق الأخير من غير المرجح أن يترجم إلى انتعاش مفاجئ يشهد ارتفاع عائدات سندات الخزانة الألمانية لأجل عشرة أعوام إلى أعلى من 1 في المائة بكثير، أو سندات الخزانة الأمريكية إلى أعلى من 3 في المائة بكثير. بدلا من ذلك، ستبقى منخفضة من الناحية التاريخية، لكن ليس بشكل يبعث على السخرية؛ وسندات الخزانة الألمانية ستبقي سوق السندات السيادية، التي تستقي أسواق السندات السيادية الأخرى أفكارها منها.

آفاق النمو والتضخم العالمية، التي هي ليست رهيبة بالقدر الذي كانت عليه قبل بضعة أشهر، أبعد ما تكون عن النشاط. وعلى الرغم من الفصل البطيء والحذر لسياسة الاحتياطي الفيدرالي، إلا أن مجتمع البنوك المركزية يظل يتمتع بحرية مطلقة، مع احتمال حدوث المزيد من التحفيز في الأشهر المقبلة في أوروبا والصين، وما يصاحب ذلك من مزيد من الانخفاض في توفير “الأصول الآمنة”. كما أن مخاوف المغالاة في التقييم التي تمتد أيضا إلى أسواق الأسهم العالمية تعمل على تقييد تدفق الأموال التي قد تخرج خلافا لذلك من السندات ذات العائد المنخفض نحو الأسهم. والوضع اليوناني لن يحل قريبا. وبموجب الاتجاهات الحالية، من المحتمل أن يبلغ ذروته في حادث فوضوي تماما، بقدر ما يمكن أن يستمر على نحو غير ملائم. السياق الجيوسياسي هو أيضا أبعد ما يكون مستقرا، ولا سيما مع اتفاقية مينسك الثانية لوقف إطلاق النار تحت الضغط المتزايد في أوكرانيا.

بدلا من عملية تطبيع كاملة مدفوعة من الاقتصاد العالمي الذي يستعيد أساسا اقتصاديا قويا واستقرارا ماليا أقوى، ستبقى أسواق السندات الحكومية ذات الجودة العالية محتوية لبعض الوقت على الأوراق المالية التي تملك عائدات غريبة (وإن كانت أقل جنونا).

على الهامش هذا قد يساعد في تحفيز النشاط الاقتصادي، لكن على حساب تعزيز القوى الهيكلية التي تقوض توفير الخدمات المالية طويلة الأجل (مثل التأمين على الحياة ومعاشات التقاعد)، وتغيير طبيعة الخدمات المصرفية، ولا تزال تغري المستثمرين لاتخاذ قرارات على أساس تقييم نسبي وليس مطلقا – وهذا يعني اختيار أقل الأصول الغنية سخافة حتى إذا لم تكن ذات جذور راسخة.