رعى وزير المال علي حسن خليل افتتاح مصنع السجائر الجديد التابع لإدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية (الريجي) في الحدت، والذي بلغت كلفة انشائه نحو 17 مليون دولار ويتوقع أن يساهم في رفع إيرادات “الريجي” سنويا بنحو 40 مليون دولار، وفي رفع معدل الانتاج من 12 ألف صندوق شهريا الى نحو 35 ألف صندوق. وسيتيح هذا المصنع لـ “الريجي” أن تبدأ اعتبارا من حزيران المقبل بتصنيع أحد اصناف السجائر العالمية في مصانعها بموجب إجازة، على ما أعلن رئيس “الريجي” مديرها العام المهندس ناصيف سقلاوي.
خليل
وقبل أن يقص خليل شريط تدشين المصنع ويجول فيه مع سقلاوي ويطلع على أقسامه وتجهيزاته، ألقى كلمة خلال احتفال أقيم في قاعة التدريب الاداري والمهني، أشاد فيها بـ”الرؤية الثاقبة لإدارة الريجي في التعاطي مع ملف التطوير والتحديث على مستوى إدارتها ومؤسسات الدولة ككل”.
ووصف تدشين المصنع بأنه “انجاز جديد يضاف إلى انجازات هذه المؤسسة ويؤكد الثقة بالدولة، بإداراتها ومؤسساتها، طالما وجدت الارادة الصلبة والواضحة والاكيدة في التغيير والتحديث والتطوير وفي تحمل المسؤولية انطلاقا من حس وطني والتزام بالعمل ووعي للمتطلبات ورؤية تحدد وفق خطة وآليات للتنفيذ وهذا ما رأيناه في كثير من عمل الريجي”.
وقال: “استطاعت الريجي ان ترسي خلال السنوات الماضية اسلوبا جديدا في الادارة يعكس تطورا مطردا يوما بعد يوم على مستوى القطاعات المتصلة بعملها حيث بدا واضحا اننا أمام رؤية للتعاطي مع الجانب الزراعي من هذا القطاع، ببعده الانساني والوطني وببعده التنموي للمناطق وببعد يعكس اصرار اللبنانيين على التمسك بجزء من زراعتهم التي لطالما شكلت عنصر صمود لبعض المناطق ولأهاليها. ومن جهة أخرى، استطاعت هذه الادارة ان تدير الجانب التجاري من نشاطها بطريقة محكمة وبحوكمة رشيدة لإدارة استطاعت ان تحقق أيضا مكاسب للدولة وللمؤسسة تطويرا وانجازات”.
وتابع خليل: “اليوم نضيف الجانب الصناعي بعد الزراعة والتجارة لنصبح أمام مؤسسة متكاملة. للأسف، في مفهوم دولتنا ونظامنا الذي سرنا عليه عقودا طويلة، لا مكان لمراكز الانتاج. فعلى مستوى الزراعة والصناعة كانت ثمة رؤية متخلفة تعتبر ان هذا القطاع عبء على الدولة ومؤسساتها واقتصادها وأن الصناعة أيضا عبء على هذا الإقتصاد وينحصر اهتمام الدولة واستثماراتها في قطاع واحد أو جانب واحد من الإقتصاد، على أهميته. أما اليوم، فهذه التجربة الصغيرة نسبيا تؤكد ان الصناعة لها اليوم مكان علينا جميعا ان نبحث في تعزيزه حرصا وحفاظا على استمرارية الدولة وتفعيلا لاقتصادنا الوطني”.
أضاف: “عندما نتحدث اليوم عن هذا المصنع، فإننا نضيء على قضية كيفية إعادة ضخ الروح في اقتصاد متهالك على مستوى الوطن. نعرف ان الأزمات السياسية عمقت مشكلاته وأن تداعيات بعض الحوادث الأمنية خلال الفترة الماضية جذرت الكثير من عناصر الضعف فيه ولكن اي دولة في العالم لكي تقوم وتستمر وتتطور، بحاجة إلى أن ترسي قواعد ثابتة لنظامها الإقتصادي بتوازن معقول يلبي احتياجات ومتطلبات الناس من جهة، ومتطلبات تفعيل الإقتصاد الوطني وتأمين استقراره والموارد المالية لتستطيع الدولة أن تستمر”.
وإذ جدد خليل الدعوة إلى “إعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها”، لاحظ “من خلال التجربة في العمل الحكومي أن في الدولة الكثير من الكادرات الجيدة والقادرة على الابداع والعطاء والتحديث وتحمل المسؤوية، والكثير ممن لديهم الرؤية والقدرة على أن يقدموا”.
وقال: “علينا كمسؤولين أن نفسح في المجال وأن نعطي الفرص لكي تبدع هذه الطاقات دعما لهذه الدولة ومؤسساتها. ومن جهة أخرى، علينا ان نتحسس مواقع الخلل في عملنا الحكومي. لنضع اصبعنا بجرأة على الجرح ونحمل المسؤولية لمن عليه أن يتحمل المسؤولية، ولنطبق مبدأ الثواب والعقاب لنعزز ادوار العناصر الكفية والجيدة ولنحمل المسؤولية وفق الأصول القانونية لمن يستحق عقابا على ممارسة دوره”.
أضاف: “اليوم نحن نعي تماما أننا أمام واقع اقتصادي ومالي صعب في البلد وأن كل النقاشات التي تدور حول هذا الواقع تتسم بشكل أو بآخر بانطباعات سلبية. لكن بالتجربة أقول إن طبيعة نظامنا ودورنا في هذا الوطن تجعلنا قادرين في أي لحظة على إعادة الاستنهاض ولكن علينا أن نلتقط الفرص وأن نبحث عن تأمين الصيغ الملائمة للاستفادة من جهة من قدرات ومقدرات القطاع الخاص، ومن جهة أخرى أن نفعل عمل الدولة ومؤسساتها على أكثر من صعيد. ومن هنا يأتي طرحنا لإعادة تصويب الواقع القائم في البلد اليوم من خلال الحديث والنقاش المفتوح لإقرار موازنة عامة للبنان”.
ورأى انه “لا يصح تحت أي اعتبار أن تبقى دولة على مدى عقد من الزمن من دون موازنة عامة تضبط عمليات الإنفاق وتنظم مالية الدولة من جهة وتقدم رؤية على المستوى التنموي والاقتصادي والاصلاح المالي من جهة أخرى”.
وقال: “لا يمكن تحت عنوان انقسامنا السياسي واعتباراتنا الخاصة أن نعطل هذا الواجب الدستوري على كل الكتل النيابية والوزارية. ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن نتذرع بظروف استثنائية لنتخلف عن القيام بهذا الواجب، لأن الظرف الاستثنائي على المستوى السياسي وعلى المستوى الدستوري وعلى مستوى الوقائع الاقتصادية والمالية يفرض علينا أن نكون متأهبين ومستعجلين لإقرار هذه الموازنة العامة.
هذا المطلب ليس مطلبا لوزارة المال أو لفئة سياسية إنما هو مطلب كل اللبنانيين التواقين لالتزام الأصول ولإعادة الحياة إلى المؤسسات ولالتزام القواعد التي تحكم علاقة الوزارات بمالية الدولة وعلاقة الناس بهذه الوزارات ولتقديم رؤية نستطيع من خلالها أن ندعي بأننا في طور إعادة تصويب وقائعنا المالية والاقتصادية. هذا الأمر أطرحه لأجدد إلتزامنا وتأكيدنا وإصرارنا اليومي على المتابعة لنحمل كل طرف مسؤوليته وعلى كل طرف أن يتحمل مسؤوليته في القبول أو الرفض في تحديد نقاط الاعتراض حتى لا يبقى الأمر يدور في حلقة مفرغة تستهلك يوما بعد يوم مقدرات الدولة وقدرة الناس على التحمل في مثل هذه الظروف.
لن نسمح تحت أي اعتبار، بهدم أركان الدولة وبالإساءة إلى استمرار عمل المؤسسات فيها”.
ورأى خليل أن “لكل طرف أن يعترض في الشأن السياسي كما يريد، ولكل طرف أن يعبر عن مواقفه بالطريقة التي يرى أنها تخدم هذا الموقف، ولكن النقطة الأساسية التي لا يمكن القبول بها هي تهديد وجود والدولة وأركانها ومؤسساتها. فهذا الأمر يتجاوز طبيعة الاختلاف السياسي المشروع ليصل إلى المحرمات التي ستؤثر بالتأكيد وتنعكس انعكاسا سلبيا مباشرا على استمرار هذا الوطن الضرورة، هذا الوطن الأنموذج الذي استطاع أن يستمر في حياة متجددة رغم كل العواصف التي مرت به واستطاع بطريقة جبارة أن يصمد في وجه التحديات والتداعيات التي تحصل على مستوى المنطقة”.
وشدد على أن “على الجميع الالتفاف، والتمييز في طروحاتهم بين ما يحقق مطلبا سياسيا مشروعا وبين ما يهدد هذه الدولة ووجودها واستمرارها”.
وختم خليل: “إن العناصر وخطوط الإنتاج المتوافرة في مصنع الريجي الجديد تضع هذه التجربة وهذه الصناعة في المكان الصحيح الذي يحرك الإقتصاد من جهة، ولكنه يقدم صناعة وفق متطلبات القانون 174 الذي يعنى بمكافحة التدخين ويصوب على أن التدخين مضر بالسلامة والصحة العامة.
بالقدر الذي علينا أن نحافظ عل صناعتنا الوطنية وعلى دورها في الإقتصاد، وأن نواكب المتطلبات القانونية التي تحفظ النظام والصحة العامة من خلال المعايير الموضوعة عالميا لمثل هذه الصناعات، وهذا المصنع يتيح لنا تطبيق هذه المعايير وهذا جانب مهم”.
سقلاوي
أما سقلاوي فقال إن “الريجي” كانت ولا تزال تسعى “إلى تقديم صورة مغايرة عما هو سائد ومتداول من انطباعات غير ايجابية عن المرافق العامة”.
أضاف: “كنا أمام تحديات كبيرة، وامام ورشة ضخمة لتنظيم مجالات عملنا كافة، من القطاع التجاري نظما ومعايير وادارة، الى القطاع الزراعي الذي كان يواجه مشاكل لا تحصى تمكنا من تذليلها ونرى فيه دورنا من موقع المسؤولية المجتمعية الوطنية.
كنا أمام تحديات تطوير امكاناتنا في الادارة المالية وادارة الموارد البشرية والمعلوماتية، ونجحنا، وظل القطاع الصناعي في حال من المراوحة، واصطدمت محاولاتنا بالسياسات المعتمدة تجاه مشاريع الاستثمار الصناعي والتي تحتاج الى موافقة سلطة الوصاية”.
وتابع: “عند تسلمي مهامي الى جانب زملائي، وخلال فترة سنوات طويلة، كنا نعيش في المجهول، وهذا المجهول يجمع الكل في ضبابه، أصحاب القرار، وسعاة الخصخصة، أو على الأقل المراوحة على أمل في مجهول لا نعرف شكله، ونحن على خوف من هذا المجهول الذي قد يسحق المؤسسة وتطلعاتنا تحت وطأته.
ما ان توافرت الظروف والرعاية لتطوير الصناعة قمنا باختصار الزمن لنصل الى انجازنا الضخم في تحديث صناعة التبوغ”.
وإذ اعتبر ان “الصناعة هي الحلقة التي تكتمل معها أنشطة الريجي الأساسية، وبها يتعزز دور الريجي في الاقتصاد الوطني”، أشار سقلاوي إلى أن “المساحة الاجمالية للمصنع الجديد المستحدث تبلغ 12 ألف متر مربع، ويعمل فيه 170 أجيرا من مختلف الفئات، وتبلغ مساحات تخزين للمواد الأولية ثلاثة آلاف متر مربع، اضافة الى مساحات تسمح بتخزين ألفي طن من المواد الأولية. وتم إنشاء مستودع خاص لقطع الغيار، وتتم ادارة المخازن وفق برنامج حديث للغاية”.
وأوضح أن “أعمال البنى التحتية شملت تنفيذ شبكات توزيع للمياه الباردة والساخنة عبر أنظمة الطاقة الشمسية، وشبكات توزيع كهربائية بما فيها تأمين التيار عبر أجهزة UPS، وشبكة لتوزيع البخار، وتنفيذ محطة مركزية لتكرير المياه، وأخرى لتأمين الهواء المضغوط وفقا لمعايير ISO لضمان سلامة المنتج، وتنفيذ أعمال تأهيل إنارة للمصنع وتأهيل لأرضيته، واستحداث كافيتيريا (مطعم) للعاملين، وتنفيذ نظام تهوئة مركزي لتحسين ظروف عمل العاملين”.
وعدد اقسام المصنع، فشرح أنه يضم “سلسلة انتاج سجائر 100 ملم (لف وتعليب) بطاقة انتاجية تبلغ 12 ألف سيجارة في الدقيقة، وسلسلة لإنتاج سجائر قياس 84 ميليمترا (لف وتعليب) بطاقة 12 ألف سيجارة في الدقيقة، وماكينة أوتوماتيكية لإعادة تدوير السجائر غير الصالحة للتعليب، وخط تحضير عام (لتحضير مزيج التبغ المفروم) وهو الأحدث عالميا بقدرة 2500 كلغ/ساعة يعمل على مختلف أنواع النكهات، ومجهز بأنظمة الكترونية لضبط خصائص المزيج ومكوناته”. واشار إلى “تجهيز مختبر لمراقبة جودة المنتج من النواحي الفيزيائية والكيميائية”. وكشف أن “الكلفة الاجمالية لما تم انجازه ناهزت 17 مليون دولار”.
وعن الطاقة المتوقعة للإنتاج مستقبلا، لفت إلى “إمكان تأمين 40 في المئة من الاستهلاك المحلي للسجائر، ورفع معدل الانتاج من 12 ألف صندوق شهريا الى نحو 35 ألف صندوق”.
وقال سقلاوي: “إن “الريجي” باتت قادرة على تصنيع الماركات العالمية في مصانعها بموجب إجازة. وضعنا تصورا واضحا جرى اعتماده مع إحدى الشركات حيث يمكن اعتماده مع كل الشركات الراغبة في التصنيع، علما انه بدءا من شهر حزيران المقبل سيبدأ انتاج بموجب اجازة لأحد انواع الاصناف العالمية في مصانعنا”.
وشدد على أن “دورة الانتاج تدفع باتجاه تسيير عجلة دورة اقتصادية متكاملة، تشمل المطابع ومصانع الفيلتر والكرتون وورق الألمنيوم وموردي المواد الأولية وقطع الغيار”.
وتوقع سقلاوي أن يساهم المصنع في “رفع ايرادات الادارة السنوية بحدود 40 مليون دولار”.
وشكر سقلاوي للوزير خليل ثقته و”الرعاية الانسانية لمعظم العاملين في الريجي والذين سويت أوضاعهم الوظيفية بعدما كانت تتأرجح عند حدود القلق الانساني على المستقبل”.