يثير النمو السريع لشركات الطيران الخليجية الكبيرة مخاوف واسعة النطاق، بين الشركات المنافسة فى جميع أنحاء العالم، مع احتدام المنافسة وتآكل حصة الشركات الأخرى. الأمر دفع للتساؤل حول صحة مزاعم بخصوص حصول الشركات الخليجية على دعم حكومى غير عادل يتيح لها خفض أسعار التذاكر وإخراج منافسيها من أسواق رئيسية.
بسبب المنافسة المحتدمة من شركات الخليج، تشهد شركات الطيران الأمريكية منذ فترة ليست ببعيدة تآكلاً فى حصتها من السوق. ومن ثم شنت حربها عليها. والأسبوع الماضى صدر تقرير يتهم شركات خليجية بتلقى دعم حكومى يزيد على 40 مليار دولار وهو ما يعزز قدراتها التنافسية.
ويلقى التقرير الضوء على المعركة الدائرة بين شركات الطيران الأمريكية والشركات المنافسة من قطر والإمارات العربية المتحدة منذ سمحت اتفاقات «السماوات المفتوحة» بالرحلات التجارية بين تلك الدول والولايات المتحدة قبل أكثر من عشر سنوات.
وتتيح مثل تلك الاتفاقيات تحرير الطيران التجارى وتخفيف القيود على حقوق الهبوط. وتزيل اتفاقية السماوات المفتوحة أيضا العقبات التى يمكن أن تعرقل بعض عمليات شركات مثل بوينج وتبطئ توسع شركات مثل «طيران الإمارات» التى أغرقت «بوينج» بطلبيات لشراء طائرات.
ومن ثم كان هناك أطراف أمريكية فى المعركة تعمل لصالح الشركات الخليجية، التى انتعشت فى السنوات الماضية بفضل طلبيات شراء من منطقة الخليج. ومنها على سبيل المثال شركة بوينج، (مورد كبير لشركات الطيران الخليجية فى مواجهة منافستها الأوروبية إيرباص).
يذكر انه فى شهر يناير الماضى زعمت شركات الطيران الأمريكية دلتا إيرلاينز ويونايتد إيرلاينز وأمريكان إيرلاينز أن طيران الإمارات والاتحاد للطيران والخطوط الجوية القطرية تلقت دعما حكوميا يزيد على 40 مليار دولار فى السنوات العشر الماضية.
والأسبوع الماضى صدر التقرير الذى يؤكد تلك المزاعم، ووقع أكثر من 250 عضوا فى الكونجرس على خطاب يحث وزارتى الخارجية والنقل على إجراء مشاورات مع قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة بخصوص اتفاقية السماوات المفتوحة.
التقرير أشار الى أن الحصة المجمعة لحجوزات السفر بين الولايات المتحدة وشبه القارة الهندية لشركات دلتا إيرلاينز ويونايتد إيرلاينز وأمريكان إيرلاينز تراجعت إلى 34 ٪ فى 2014 من 39 ٪ فى 2008 . ويشمل التراجع حجوزات شركات أخرى مثل الخطوط الجوية البريطانية وإير فرانس.
وفى الوقت نفسه، تقدمت طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية والاتحاد للطيران على تلك الشركات. وقفزت حصة شركات الطيران الخليجية من تلك السوق إلى 40 ٪ من 12 ٪ فقط قبل سبع سنوات بحسب التقرير.
ولكن على صعيد آخر، كشفت تسريبات لويكيليكس عن حصول شركات الطيران الأمريكية على دعم حكومى بمليارات الدولارات. الخبر لفت الأنظار إلى جانب آخر من الأزمة بين الشركات الأمريكية والخليجية.
ائتلاف شركات السفر الأمريكي، الذى يدعم اتفاقية السماوات المفتوحة، فى محاولة منه إلى احتواء الأزمة كشف عن تقرير للكونجرس ضمن تسريبات ويكيليكس فى عام 2009، الذى يوثق أرقاما تفصيلية عن الدعم الذى حصلت عليه الشركات الأمريكية منذ عام 1919 وحتى 1998 ويصل إلى 155 مليار دولار .
وفى نفس السياق أشار تقرير امريكى حديث إلى حصول شركات الطيران الأمريكية على مساعدات حكومية بقيمة مليار دولار سنويا.
وأشار خبراء إلى أن فقدان ذاكرة الشركات الأمريكية بخصوص الدعم الذى حصلت عليه كبدها مصداقيتها فى مطالبتها بإلغاء الاتفاقية وتساءلوا حول الهدف من ذلك، مشيرين إلى الضغوط السياسية التى تمارسها تلك الشركات فى حربها.
وفى تحذير واضح من صعود الشركات الخليجية على حساب الشركات الأخرى نقل تقرير للايكونومست توقعات باستمرار توسع شركات الإمارات والاتحاد وقطر، وانضمام الخطوط الجوية التركية إلى نادى «السوبر» بحسب وصف المجلة.
فمنذ الثلاثينيات كانت دول الخليج على رادار شركات الطيران العالمية. ثم ظهرت دبي، مركز صيد اللؤلؤ، لتغير الخريطة العالمية للسياحة والسفر. ورغم استمرار تقديم بريتش ايرويز خدماتها فى دبى فإن معظم الطائرات فى مطارها الرئيسى الشاسع – الذى تفوق العام الماضى على مطار هيثرو فى لندن باعتباره المطار الأكثر ازدحاما بحركة المرور الدولي- جميعها طائرات تحمل شعار طيران الإمارات، شركة الطيران التى حولت ميزان القوى بين شركات الطيران فى العالم.
فقبل عشر سنوات كانت حصة الخطوط الجوية القطرية وطيران الاتحاد والإمارات، من السوق العالمى للسفر ضئيلة. ولكن هذه الشركات الثلاث، فى السنوات الأخيرة، وقد انضمت اليها الخطوط الجوية التركية، تهيمن وعلى نحو متزايد على الخطوط بين أوروبا وآسيا. وفى حين أن معظم شركات الطيران الدولية الأخرى تعتمد بشكل كبير على المسافرين من وإلى بلدانهم الأصلية، إلا إن الشركات الثلاث لديها تواجد قوى فى معظم مطارات العالم .
وخلال العام الماضى نقلت الشركات الأربع حوالى 115 مليون مسافر من والى مراكزها فى الخليج أو اسطنبول، مقارنة بـ50 مليونا فى عام 2008 . ويقدر حجم أسطولها بأكثر من 700 طائرة ولديها طلبيات بحوالى 900 وفقا لتقرير الايكونومست.
وشركات الطيران الوطنية فى أوروبا، مثل لوفتهانزا وإير فرانس – كى إل إم، كانت من أوائل الشركات التى بدأت تفقد جزءا من حصتها السوقية، وتعانى الآن من المشاكل على الخطوط الطويلة مثل شركات الطيران المنخفضة التكاليف (شركات الطيران الاقتصادى) مثل ريان اير وايزى جيت.
ويصف البعض الوضع الحالى بان «شركات الطيران الاقتصادى التهمت وجبة الغذاء الخاصة بشركات الطيران الأوروبية. ثم ظهرت شركات الطيران الخليجية لتأكل وجبة العشاء الخاصة بهم. وعلى سبيل المثال، فقدت لوفتهانزا ما يقرب من ثلث حصتها فى السوق على الخطوط بين أوروبا وآسيا منذ عام 2005 .
والأسبوع الماضى أيضا أعلنت شركة طيران الإمارات التابعة لإمارة دبى أن أرباحها السنوية ارتفعت بنسبة 40٪ لتصل إلى 1.2 مليار دولار، وذلك بفضل ارتفاع العائدات وانخفاض أسعار النفط.
وذكرت الشركة، وهى أكبر شركة طيران فى الشرق الأوسط، أن عائداتها ارتفعت بنسبة 7٪ فى السنة المالية 2014-2015 المنتهية فى نهاية مارس، لتصل إلى 24.2 مليار دولار، فيما ارتفع عدد الركاب الذين نقلتهم بنسبة 11٪ ليصل إلى 49.3 مليون راكب.
وحاليا تنشر شركة الإمارات نتائج أعمالها كاملة وهو ما لا تفعله الاتحاد والقطرية. ومع ذلك، استطاع المحققون الأمريكيون التابعون لشركات الطيران الأمريكية الوصول إلى مستندات من خلال السلطات الرسمية فى جميع أنحاء العالم، من بلجيكا إلى أستراليا، التى تشمل فى بعض الحالات حسابات مفصلة تعود لعدد من السنوات.
ويعتقد أن شركات الطيران الخليجية حصلت على امتيازات خاصة مثل القروض بدون فائدة مع عدم وجود ترتيبات للسداد، بالإضافة إلى منح أخرى فى شكل أراض تندرج تحت بند الإعانات. وحصلت على مكاسب اخرى، تبدو شرعية مثل انخفاض تكاليف العمالة وانخفاض معدلات الضرائب ورسوم الهبوط المنخفضة .
الشركات الأربع تنفق مبالغ ضخمة على أساطيلها مع تزويدها بأحدث الطائرات والأكثر كفاءة. وتنفق ايضا ببذخ على تسويق خدماتها وتوسيع نطاق وجهاتها . ففى عام 2001 كانت الإمارات وقطر على حد سواء تسير رحلات إلى 17 وجهة فى أوروبا. الآن كل منهما يسير خطوطا الى 32 وجهة اوروبية . اما الخطوط التركية فتنقل الركاب من 84 مطارا أوروبيا. وإضافة الى زيادة عدد المدن الأوروبية التى تطير منها واليها، استحوذت الاتحاد للطيران على حصص فى عدة شركات أوروبية، بما فى ذلك شركة أليطاليا الإيطالية وطيران برلين فى ألمانيا. وأضافت أيضا الكثير من الوجهات الجديدة فى آسيا.
وعلى نحو مماثل تتزايد حصة الشركات الخليجية من حركة النقل الجوى من وإلى إفريقيا التى لا تزال سوقا صغيرة نسبيا، بالنسبة الى شركات الطيران، وان كانت تشهد نموا سريعا فى ضوء مصالح الاقتصادات الآسيوية فى الحصول على الموارد الطبيعية منها . والآن تكثف الشركات الخليجية وجودها فى أمريكا الشمالية. وفى الأسابيع التى تلت الهجوم عليها أعلن طيران الإمارات عن تقديم خدمة جديدة لولاية أورلاندو وتسيير رحلات إضافية إلى بوسطن وسياتل. شركة الطيران التركية بدأت رحلات بدون توقف إلى سان فرانسيسكو، الوجهة الـ11 لها فى الأمريكتين، وتخطط لإضافة أتلانتا ومكسيكو سيتى وغيرها من الولايات .
ووفقا لشركة الأبحاث «سكاى تراكس»، تحل الشركات الخليجية الثلاث بين العشر الأوائل فى قائمة أفضل شركات طيران فى العالم.
والواقع أن رد فعل معظم شركات الطيران على احتدام المنافسة مع الشركات الخليجية كان القيام بمزيد من تخفيضات التكاليف التى قامت بها من قبل لمواجهة المنافسة مع شركات الطيران الاقتصادى. الاستثناء الوحيد هو IAG، التى تملك بريتش اير ويز والتى تمكنت من خفض التكاليف فى ايبيريا وتجنبت كثيرا من الاضطرابات التى تسببت فيها الشركات الخليجية «السوبر» . بل إن شركة IAG، التى تمتلك قطر حصة فيها بنسبة10٪، انسحبت مؤخرا من الرابطة الأوروبية للتجارة بزعم معارضتها لاتجاه الرابطة بقيادة إير فرانس – كى إل إم ولوفتهانزا، للهجوم على الشركات الخليجية.
وقد حاولت شركات إير فرانس – كى إل إم ولوفتهانزا تعويض سنوات من سوء الإدارة، لكنها تواجه مقاومة شرسة من الداخل مع اضراب الطيارين مرارا وتكرارا على مدى العام الماضي، لمعارضة التغييرات التى تسعى الى القيام بها لتصبح أكثر قدرة على المنافسة. الاولى خفضت خلال السنوات الثلاث الماضية 8000 وظيفة، وتخطط لتسريح 800 موظف آخر كما انها خفضت حجم استثماراتها.
ويمكن أن تزداد الأمور سوءا بالنسبة للشركات القديمة لاسيما مع عزم الشركة الصينية تعزيز حصتها السوقية. ومع توقعات بالتوسع فى قطاع شركات الطيران المنخفضة التكاليف يبدو المستقبل ملبدا بغيوم المشاكل بالنسبة الى شركات الطيران القديمة. ولكن بالنسبة للمسافرين، استمرار أسعار التذاكر المخفضة يعد أخبارا سارة