رفعت الولايات المتحدة السرية عن وثائق كشفت ان زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن كان يدعو أتباعه، من مقر إقامته في باكستان، إلى التركيز على شن هجمات ضد أهداف أميركية بدل الانجرار إلى الاقتتال بين المسلمين.
وتلقي الوثائق الضوء على ما كان يدور في عقل مؤسس القاعدة ومدى انشغاله باستهداف الغرب، وتشمل النقاشات حول تكتيكاته، والقلق الذي كان يساوره إزاء تجسس الغرب على التنظيم والعمليات ضد كبار أعضائه فكان ينصح بتجنب التواصل عبر البريد الإلكتروني، فضلا عن تركيزه على صورة القاعدة في الإعلام.
وكتب بن لادن في رسالة ضمن آلاف الرسائل التي جلبها أعضاء القوة الخاصة الذين شاركوا في تصفيته في الثاني من أيار 2011 وترجمتها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، أن “التركيز ينبغي أن يكون على قتل ومحاربة الأميركيين وممثليهم”.
وبحسب الوثائق، كتب بن لادن عن خطط لإعداد دفعة جديدة من كبار قادة القاعدة، فيما ناقش شركاؤه ترتيبات لتهريب ابنه المفضل وخلفه المحتمل حمزة إلى داخل الأراضي الباكستانية.
وتكشف الوثائق أيضا عن الخلافات الكبيرة بين مسلحي التنظيم حول الطريقة التي عليهم خوض حملتهم لبث الرعب. وحذر بن لادن من أن النزاعات مع أنظمة حاكمة في الشرق الأوسط ستصرف الانتباه عن استهداف أميركا التي وصفها بأنها “العدو الحقيقي”. وكتب في هذا الإطار “علينا وقف العمليات ضد الجيش والشرطة في جميع المناطق خاصة اليمن” .
وقال محلل استخباراتي رفيع إن الوثائق تكشف قلق بن لادن من أن “التشتت داخل الحركة الجهادية الدولية سيؤدي إلى هلاكها”.
وبحسب الوثائق أيضا فإن بن لادن أصيب بالذهول بعد أن اجتاحت احتجاجات “الربيع العربي” كثيرا من الدول في المنطقة منذ عام 2010، ودعا أعضاء التنظيم إلى اغتنام فرصة “الثورات” من أجل استقطاب الشباب المسلم.
أما بخصوص فرع القاعدة في العراق، الذي أصبح في وقت لاحق تنظيم الدولة الإسلامية، فقد كشفت الوثائق أن بن لادن ونائبه وقتها أيمن الظواهري تلقيا رسالة من عدد من مؤيدي التنظيم يطالبون فيها بالتنديد بإراقة الدماء في العراق.
وفيما كتب بن لادن عن الحاجة لشن ما وصفها بـ”عمليات إرهابية ضخمة”، كان بعض ممثليه يجدون صعوبة في ذلك لمحاولتهم تجنب الغارات الأميركية وعمليات التنصت ضدهم.
وقال ذات المحلل الاستخباراتي إن بن لادن ظل حتى وفاته متشبثا بـ”العمليات الإرهابية الوسعة النطاق”، في حين كان قياديون في القاعدة يؤمنون بأن الاعتماد على عمليات أصغر أو تحريض مهاجمين منفردين أو ما يعرف بـ”الذئاب المنفردة”، قد تنجح في التسبب في نزيف اقتصادي للغرب، حسب تعبيره.
وجاء في أحد الوثائق أن أبو مصعب السوري، وهو أحد المسؤولين القدامى في القاعدة دعا إلى عمليات تضرب أهدافا صغيرة كنهج أكثر واقعية عبر الاعتماد على فكرة “الجهاد الانفرادي”. وبعد مقتل زعيم القاعدة، دعت القيادة الجديدة للتنظيم إلى هجمات يشنها “ذئاب منفردون”.
يذكر أن “داعش” في العراق، الذي خرج من رحم القاعدة، يسيطر في الوقت الراهن على مناطق شاسعة في العراق وسورية. وألهمت أيديولوجيا التنظيم المتشدد على شبكة الإنترنت هجمات ضد أهداف مختلفة شنها مهاجمون منفردون من باريس الفرنسية إلى ضواحي تكساس الأميركية.
تجدر الإشارة إلى أن وكالات الاستخبارات الأميركية رفعت السرية عن أكثر من 100 وثيقة جلبت من مخبأ بن لادن في أبوت اباد، تماشيا مع قانون يلزم تلك الوكالات بمراجعة جميع الوثائق المتعلقة بزعيم القاعدة السابق من أجل احتمال نشرها. وكان مشرعون أميركيون قد وجهوا أوامر برفع السرية عن الوثائق.
ويأتي كشف الوثائق بعد أيام على تشكيك الصحافي الأميركي سيمور هيرش في صحة ما يقوله المسؤولون الأميركيون عن العملية التي أدت إلى مقتل بن لادن. لكن المتحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية رايان تراباني أكد أن رفع السرية عن الوثائق كان مخططا له من قبل وليس ردا على تقرير هيرش.