برغم حرص الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون، على التأكيد، عند كل منعطف تمر فيه علاقتهما، ان رصيدها من الثوابت الاستراتيجية يكفي لحمايتها وتسديد ديونها السياسية المتراكمة، إلا ان الملفات الداخلية التي تنطوي على تضارب في المصالح والحسابات، تواصل استنزاف هذا الرصيد، واخضاع العلاقة الى اختبارات متلاحقة، تنجح في بعضها وترسب في الكثير منها.
ويبدو ان النقاط الخلافية تراكمت مؤخرا، الواحدة تلو الأخرى، وأوجدت شرخا آخذا في الاتساع بين عين التينة والرابية، ومهددا «المساكنة الالزامية» بالانهيار تحت وطأة «الحمولة الزائدة» من الملفات الصدامية، فيما الحليف المشترك المتخصص في صيانة العلاقة منشغل هذه الايام بمعركة القلمون.
ووفق العارفين، فان ما يطفو على السطح من مظاهر الخلاف بين بري ـ عون ليس سوى رأس جبل الجليد، مشيرين الى ان الكواليس تزدحم بالانتقادات المتبادلة التي تشمل مسائل سياسية ومالية، على امتداد جغرافيا المؤسسات والادارة.
ويمكن تعداد أبرز النقاط الخلافية كالآتي:
– مؤتمر الطاقة الاغترابية الذي تنظمه وزارة الخارجية باشراف الوزير جبران باسيل، حيث اعترض بري على طريقة التحضير للمؤتمر، لجهة تجاوز السفراء وتهميش دور مدير عام المغتربين هيثم جمعة واهمال شرائح معينة من المغتربين، وهو ما تنفيه مصادر «الخارجية» مؤكدة انه كان هناك استعداد تام للتعاون مع جمعة لو أبدى التجاوب المطلوب، وانه جرى التعميم على كل السفارات بضرورة تحديد لوائح باسماء الشخصيات الاغترابية الناجحة ليتم التواصل معها، بينما اقتصر دور باسيل على الاتصال ببعض الشخصيات صاحبة الخصوصية، لاستقطابها الى المؤتمر، وأحيانا عدة بناء على توصية من السفير في الدولة المعنية.
ويبدو ان الخلاف حول المؤتمر دفع عددا من المغتربين المناصرين لـ «حركة أمل» الى مقاطعة المؤتمر، في وقت اعتبرت أوساط المنظمين ان أي مقاطعة او حملة تستهدف المؤتمر انما تنطوي على أذى للاغتراب ولبنان، وليس لهذه الجهة او تلك.
– الخطاب السياسي المعتمد من قبل قيادة «التيار الوطني الحر» في هذه المرحلة، لاسيما من قبل باسيل (في عكار)، ما أثار انزعاج بري الذي وجد فيه استعادة لأدبيات الحرب الاهلية والتحريض الطائفي، بينما يجد فيه «التيار الحر» تعبيرا مشروعا عن هواجس المسيحيين.
وقد تعمد نواب «كتلة التنمية والتحرير» مقاطعة زيارة باسيل الى منطقة حاصبيا، في إشارة الى عدم الارتياح للخطاب الذي يستخدمه في جولاته المناطقية، علما ان مصادر في «التيار الحر» تؤكد ان باسيل كان حريصا على الاتصال بالوزير علي حسن خليل وبعض نواب المنطقة تمهيدا لزيارته اليها، وهو الامر الذي لم يفعله في أي منطقة أخرى، كما أبدى حرصا على تضمين كلمته خلال جولته إشادة بشهداء حاصبيا وبمسيرة الامام موسى الصدر ومقاربته للكيان اللبناني.
– عدم قناعة بري بواقعية معظم المخارج التي اقترحها عون لمعالجة الازمة الرئاسية لكونها غير دستورية برأيه، اما الطرح الوحيد الدستوري من وجهة نظر عين التينة والمتعلق بوضع قانون انتخاب ثم اجراء الانتخابات النيابية وبعدها الرئاسية، فان أوساط بري تحمل مسؤولية تعطيله لمن يطلب انتخاب رئيس الجمهورية قبل أي عمل آخر.
وكان لافتا للانتباه ان بري الذي هو رئيس «كتلة التنمية والتحرير»، لم يستقبل وفد «تكتل التغيير والاصلاح» الذي يجول على رؤساء الكتل لشرح مبادرة عون، بل عُقد اجتماع بين الوفد ونواب من الكتلة في مقر مجلس النواب.
– الاستحقاق الرئاسي الذي يؤكد بري ان مفتاح اتمامه يكمن لدى الموارنة، مؤكدا الاستعداد لدعم أي مرشح يتفاهمون عليه، في حين يرى «التيار الحر» ان رمي المسؤولية على المسيحيين هو اختزال للازمة التي هي أكثر تعقيدا.
وكان لافتا للانتباه ان بري طالب مؤخرا نواب «التيار» بحضور جلسات الانتخاب التي يدعو اليها، كما يفعل نواب «كتلة التنمية والتحرير»، بدل مقاطعتها ثم الشكوى من تداعيات الشغور.
– إصرار عون على مقاطعة التشريع في ظل غياب رئيس الجمهورية، إلا في حالة الضرورة القصوى التي لا تشمل في نظر الرابية سوى مشاريع محدودة تتصل بتكوين السلطة او بالمصلحة العليا للدولة، بينما يعتبر رئيس المجلس ان مساحة التشريع يجب ان تكون أكبر. وقد دفع موقف «التيار» بري الى القول: انتظرنا من «التيار الحر» ان يأتي بـ «القوات اللبنانية» اليه، خلال الحوار بينهما، فإذا بـ «القوات» تأخذه اليها.
– التعيينات الامنية التي يبدو موقف بري منها مركبا، إذ هو مع تعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش إذا كان ذلك ممكنا في مجلس الوزراء، أما في حال تعذر ذلك، فانه لن يتردد في دعم التمديد للعماد جان قهوجي تجنبا للفراغ الامني، وهنا بيت القصيد بالنسبة الى عون الذي يعارض التمديد أيا تكن الذريعة.
– قانون الجنسية الذي يرتاب عون في تأخير إقراره في مجلس النواب، بينما يؤكد بري ان المشروع لا يزال عالقا في اللجان المشتركة وانه لا يستطيع إدراجه على جدول أعمال الجلسة العامة ما لم تُنجز اللجان درسه.
– قانون الانتخاب الذي يقترح بري وضعه على قاعدة توزيع المقاعد مناصفة بين النظام النسبي (64 نائبا) والنظام الاكثري (64 نائبا)، فيما يرى «الجنرال» ان مشروع «اللقاء الارثوذكسي» الذي يرفضه بري رفضا تاما هو وحده القادر على انصاف المسيحيين وتحقيق التمثيل الصحيح لهم.
– ملف بناء معمل جديد في دير عمار، وهذه إشكالية مستمرة منذ نحو ثلاث سنوات بسبب إعفاء الشركة اليونانية من ضريبة القيمة المضافة بقيمة 50 مليون دولار، برغم اعتراض الهيئات الرقابية والمالية، بل وموافقة الشركة عبر وكيلها القانوني على دفع هذه الضريبة.
– ملف اعادة تأهيل معملي الذوق والجية القديمين وبناء معملين جديدين، وهو ملف عالق منذ نحو ثلاث سنوات، وسط اصرار الهيئات الرقابية ووزارة المال على عدم دفع المبالغ بسبب التعديلات التي أدخلت على العقدين بعد توقيعهما، فضلا عن اشكالية تراكم أكثر من 20 مليون دولار غرامات متوجبة على خزينة الدولة بسبب التأخير.
– ملف شركة NEEDS (نيدز)، وتحديدا لجهة هبوطها المفاجئ بالمظلة على لبنان، بسبب «خبرات» مديرها في شرق آسيا والخليج (…)، وسط تساؤلات يطرحها بعض الخبراء حول كيفية فوزها بعقد تزيد قيمته عن 700 مليون دولار، بوصفها الوسيط بين شركات مقدمي الخدمات (SERVICE PROVIDERS)، وبوصفها «منتجة» لمستشارين تتكتم وزارة الطاقة على أسمائهم، وهم لا يتجاوزون حاليا العشرة فيها، بينما غالبية الآخرين (حوالي ثلاثين) موزعون اما على وزارة الخارجية أو تركوا لبنان أو باتوا في منازلهم.
وبرغم موافقة ديوان المحاسبة على تجديد عقود المستشارين لمدة سنة، الا أن ثمة اشكالية جديدة تتعلق بالمفعول الرجعي، أي هل يتم الدفع لهم من تاريخ صدور القرار مطلع نيسان أم من مطلع السنة الحالية؟
– ملف التغويز: وهو مفتوح منذ العام 2010 وكان يفترض لو أنجز في مطلع العام الحالي أن يوفر على خزينة الدولة أكثر من مليار دولار سنويا، ولكن هناك من يقول ان وزير الطاقة الحالي وبسبب الضغط السياسي الذي يتعرض له، رفض السير باقتراح الاستشاري (Poten&Partners) الذي يعطي الاولوية لانشاء معملين لتخزين الغاز المسيّل، بغية تحويله الى غاز طبيعي بواسطة تقنية (FSRU) في كل من البداوي والزهراني، فيما يصر الوزير باسيل على انشاء معمل في سلعاتا (الخيار الثالث وفق الاستشاري).
– ملف ادارة قطاع الكهرباء: وهو ملف يتفاقم في أروقة ادارة مؤسسة كهرباء لبنان، التي أطلقت مؤخرا دفتر مناقصات لمعملي الذوق والجية، خلافا للوجهة التي يتمسك بها الوزير باسيل. كما أن المؤسسة تضع ملاحظات عدة على دور شركة «نيدز» وشركات مقدمي الخدمات وقضية الجبايات.
وثمة نقاط متصلة بعقود البواخر التركية وعقود تفريغ بواخر الفيول في المعامل (التأخير المشكوك بكونه متعمدا وما يستوجبه من أكلاف سنوية على المكلف اللبناني بعشرات ملايين الدولارات).