IMLebanon

الخطة “ب” لـ”جبهة النصرة”.. كمين عرسال

hezbollah1

 

 

ناصر شرارة – الجمهورية

 

دخلت المعركة بين “حزب الله” و”جبهة النصرة” في القلمون، مرحلة جديدة، ربما تكون هي الأهمّ لجهة النتائج السياسية التي يريدها الطرفان من مجمل الحرب.

بالنسبة إلى “حزب الله”، تتمثّل أبرز أهدافه الاستراتيجية من معركة القلمون، في إقفال إمكانية أن تهبّ عليه داخل لبنان ارتدادات أمنية لمشاركته في القتال داخل سوريا، وذلك انطلاقاً من «خاصرته الرخوة» في القلمون السوري.

وفي هذا السياق، يأتي هدف الحزب الذي نفذه خلال المعارك الاخيرة والمتمثل بعزل القلمون الشمالي عن القلمون الجنوبي، لمنع حصول سيناريو كان يخشاه فعلياً طوال الفترة الماضية، ومفاده تمدّد مسلحي «النصرة» من شمال القلمون الى جنوبه عبر مسالك ومعابر تمرّ بين جرود فليطا وبريتال وجرود عسال الورد، ما يمنحهم فرصة الوصول الى سرغايا وقوسيا والزبداني توصلاً إلى قطع طريق المصنع (بيروت – دمشق) واختراق الحدود اللبنانية في اتجاه البقاع الغربي، حيث هناك بيئة خالية من «حزب الله» وحاضنة لـ»النصرة» انطلاقاً من انتشار مخيمات النازحين السوريين فيها، ابتداءً من منطقة كفرزبد والفاعور وصولاً إلى راشيا – شبعا.

ثمة هدف ثالث أبعد أثراً، ومفاده أنّ الحزب يحتاج عسكرياً لحسم معركة القلمون، قبل فتح معركة الغوطة الشرقية. وتدخل المعركة الاخيرة في نطاق هدف استراتيجي اكبر للحزب وللنظام السوري، وحتى لطهران، ويتمثل في تأمين العاصمة دمشق التي لا تزال غير محصّنة بالكامل نظراً إلى سيطرة المسلحين على أريافها اللصيقة، خصوصاً في الغوطة الشرقية المفتوحة طرق إمدادها على القلمون.

نجح الحزب بنسبة عالية في تحقيق جزء كبير من أهدافه، فقد عزلت عملياته الاخيرة في القلمون جرود القلمون الشمالي عن القلمون الغربي، وقطعت سبل الإمدادات بين القلمون والغوطة الشرقية، وحصرت انتشار «النصرة» وشقيقاتها داخل جرود عرسال المحاصرة في المقلب السوري من الحزب والجيش السوري، وفي المقلب اللبناني المفضي الى بلدة عرسال من الجيش اللبناني.

خطة “النصرة”

أما حرب «جبهة النصرة» في معركة القلمون فلها أهداف مغايرة، ويمكن تلخيص خطة حربها هناك بالآتي:

أولاً، الإفادة من القلمون كخط إمداد لوجودها في ريف العاصمة اللصيق، وفي اتجاه الداخل اللبناني وأيضاً نحو حمص وريفها.

ثانياً، الدفاع عن معاقلها القلمونية في وجه أيّ هجوم لـ»حزب الله» والجيش السوري من خلال شنّ حرب استنزاف ضدهما. والواقع أنّ «النصرة» لم توفق في تجسيد استراتيجية الاشتباك هذه، نظراً لأنّ الحزب اعتمد تكتيكات القضم الجغرافي في هجومه، ونظراً لملاحظة «النصرة» باكراً أنّ ميزان القوى النوعي والناري بينها وبين القوات المهاجمة لم تكن متعادلة بل شابها نقص كبير لمصلحة الطرف الثاني.

ثالثاً، وهنا النقطة الاهم، أنّ الخطة العامة لـ»جبهة النصرة» في القلمون، تشمل خطة بديلة او ما يمكن تسميته «الخطة ب»، وقوامها «نظرية قتال» أعطتها «النصرة» أولوية لجهة تنفيذها ضمن مشهد حرب القلمون الحالي. وتقضي «الخطة ب» بنقل المعركة من جرود القلمون الجنوبي والشمالي الى جرود عرسال.

تكمن وراء هذه الخطة التي تفضلها «النصرة» على كل خياراتها الاخرى في حرب القلمون، أسباب عدة، أهمّها أنّ الحرب في جرود عرسال تُحصّل لـ»النصرة» مردوداً سياسياً ودعائياً كبيراً، يفوق بما لا يقاس حربها في الجرود البعيدة التي تظلّ، من وجهة نظرها، قاصرة عن تحقيق أيّ أهداف سياسية او دعائية، حتى لو استشرست في قتالها فيها.

زد على ذلك، وفق خطة «النصرة» أنّ نقل ميدان الاشتباك مع «حزب الله» من القلمون الشمالي والجنوبي الى جرود عرسال يضيف للحرب بعداً مذهبياً يمكن للجبهة أن تستغلّه وتوظّفه لتجعل جولات معركة جرود عرسال تتفاعل على إيقاع الاحتقان السنّي – الشيعي السائد في البلد، وضمن ظروف دفع الحزب للغرق في تعقيدات سياسية لبنانية داخلية.

في اختصار، تريد «النصرة» من «الخطة البديلة» نقل المعركة الى منطقة يمكنها فيها تحصيل مكاسب دعائية وسياسية من ناحية، وتحويلها توتراً طائفياً داخل لبنان من ناحية ثانية.

وعلى رغم أنّ واقع الحال الميداني في القلمون الآن، يسجّل هزيمة عسكرية لـ»النصرة»، لكن تُسَجّل في الوقت عينه انسحابات «تكتية» لقواتها، غايتها استدراج الحزب الى ميدان جرود عرسال.

لكنّ «حزب الله» يَعي خطة «النصرة» البديلة باستدراجه للوقوع في «كمين عرسال»، وعليه كان لافتاً أنّ الخطاب الاخير للسيد حسن نصر الله، طرح نظرية «ابقاء النافذة مفتوحة» امام الدولة لمنع هبوب «رياح القلمون اللبنانية»، مع تأكيده أنّ الحزب وفي حال «تقاعست» الدولة، فإنه مصمم على الذهاب الى «كمين النصرة» في جرود عرسال، بصرف النظر عن الثمن.

لا يستطيع «حزب الله» الانتظار طويلاً عند أبواب جرود عرسال، وهو سينفّذ بالاشتراك مع الجيش السوري، عمليات ضغط عسكرية من مواقعه على المقلب السوري، لدفع نحو 3500 مسلح أكثريتهم من «النصرة» والبقية من «داعش»، للانسحاب من جرود عرسال. ولكن الى اين؟! وتكمن في الإجابة عن هذا السؤال رهانات «خطة النصرة – ب» او ما يمكن تسميته «كمين عرسال» التي تعد له.

تقيم «النصرة» حالياً في جرود عرسال بين جدارين، الاول يغلق في وجهها أيّ عمق جغرافي للانسحاب في اتجاهه الى داخل العمق السوري، ويحرس هذا الجدار الحزب والجيش السوري. والثاني يغلق في وجهها أيّ أفق للانسحاب الى داخل عرسال او أيّ منطقة لبنانية، ويحرسه الجيش اللبناني. ولكن «الخطة ب» تشتمل أفقاً ثالثاً، وهو استدراج وقائع المعركة لكي يصبح لـ»النصرة» فيها افق وبعد طائفي ومذهبي لبناني.

أما تكتيكات إيصال الحرب في جرود عرسال الى هذه النقطة فبسيطة ومتاحة ومعروفة، لكنها مع ذلك قد تكون فعالة في ظروف الاحتقان المذهبي القابل للاشتعال على رغم الحرص على ضبطه.

إذ يمكن لأيّ طرف ثالث أو حتى «النصرة» أن توجّه قذائف الى عرسال وتدّعي أنّ مصدرها «حزب الله». وتكمن خطورة «الخطة ب» في أنّ «النصرة» تراهن على توسيع رقعة المعركة لتتجاوز ميدانها العسكري في جرود عرسال الى ميدانها الطائفي والمذهبي الذي يشمل توريط شريط مخيمات النازحين السوريين فيه.

ما هي المعالجات الاستباقية الواجبة لتحاشي ذهاب البلد وليس فقط «حزب الله»، الى «كمين عرسال» او «خطة النصرة ب»؟

قبل اشهر عدة عرضت «النصرة» الانسحاب من القلمون، شرط تأمين ممرّ آمن لمسلحيها في اتجاه مناطق المعارضة السورية في درعا. رفض النظام السوري هذا الخيار، وعرض بديلاً عنه، تأمين ممرّ آمن تنسحب منه «النصرة» الى الرقة. بدورها رفضت «النصرة» الاقتراح ووجدت فيه دعوة لها للذهاب الى منطقة إمارة البغدادي ليذبحها.

هناك اقتراح يلفّ الصمت تفاصيله، ربما لأنّ طرفي القتال في القلمون لا يريدان حرقه لأنه قد يشكل خشبة نجاة لهما في لحظة تعاظم ازمة عرسال داخل النسخة المقبلة من حرب القلمون.

ويقضي هذا الاقتراح بتأمين ممرّ لانسحاب «النصرة» 40 كلم عن حدود لبنان مع سوريا. ربما يتحدث الاقتراح عن العمق في اتجاه ريف حمص وليس ريف دمشق لأنّ النظام يرفضه، ولا يتحدث أيضاً عن العمق في اتجاه أرياف يسيطر عليها البغدادي المترصد شراً بـ»النصرة».

تفضل مجموعات «النصرة» وفق مصادرها، الانسحاب الى ريف حمص، لأنّ بيئتها المقاتلة في القلمون والمنسحبة حالياً الى جرود عرسال، تتألف بنسبة عالية من «الحماصنة».

فهؤلاء في معمهظم قاتلوا في القُصير، وانسحبوا منها الى يبرود امام هجوم «حزب الله»، وأيضاً عاد هؤلاء انفسهم للانسحاب من يبرود بعدما ترك لهم الحزب ممراً آمناً انسحبوا منه الى القلمون. والآن ينسحبون للمرة الرابعة في غضون عامين، من القلمون الذي يتقدّم فيه الحزب، الى جرود عرسال.

تكمن الفكرة الاساسية هنا، في أنّ الجيش اللبناني لن يسمح لمسلحي «النصرة» بالنزول الى عرسال البلدة او أن يتسربوا للاختباء في مخيمات النازحين السوريين في تلك المنطقة.

من ناحية اخرى، يصعب تصوّر أن ينفذ الحزب في جرود عرسال قتالاً تطهيرياً ضد «النصرة» يُؤدّي لإبادتهم، نظراً لحساسية المنطقة التي يفضّل الحزب مراعاة وضعها المذهبي، ولأنّ شنّ قتال إبادة ضدّ الآف المسلحين المتيقنين أنْ لا أفق جغرافياً وراءهم ينسحبون اليه، سيجعلهم يستشرسون في القتال ما يعاظم كلفة الحزب البشرية.

ويبقى حلّ التسوية على غرار ما حصل في القُصير ويبرود، ولكن هذه المرة المطلوب إيجاد عمق داخل سوريا يوافق عليه ابو مالك التلي والنظام السوري، بحيث ينسحب اليه المسلحون، ما يخرجهم من «جرود عرسال» ويخرج البلد من «كمين عرسال».