Site icon IMLebanon

صندوق النقد: لبنان في دائرة الخطر

LebanonEcon4

محمد وهبة

أصدرت بعثة صندوق النقد الدولي تقريرا «اوليا»، في إطار «المادّة الرابعة» من نظام الصندوق الذي يفرض اجراء مراجعات دورية لاوضاع الدول الاعضاء. يتحدّث التقرير عن «مخاطر كبيرة ومكلفة وغير عادلة على الاقتصاد اللبناني»، مشيراً إلى أن لبنان لا يمكنه تحمّل كلفة النزوح السوري وحده. يرسم التقرير مشهداً سوداوياً عن لبنان ليوصي الحكومة بمجموعة معالجات تتضمن «إصلاحات» على طريقة الصندوق، بينها زيادة ضريبة الـTVA ورسم البنزين. وصفات صندوق النقد جاهزة في كل الظروف

لا يمكن لبنان تحمّل كلفة الأزمة السورية وحده. النموّ مخيب للآمال. الاقتصاد اللبناني يفقد تنافسيته الخارجية. السياحة والعقارات والإنشاءات تعرضت لضربة ولا يُتوقع انتعاشها قريباً. أسعار الفائدة سترتفع لا محالة مع ارتفاع المعدلات العالمية. من دون الإصلاحات المالية، سيبقى الدين العام في اتجاه تصاعدي. لا موازنة منذ 10 سنوات. سلسلة الرتب والرواتب مثيرة للجدل وإقرارها مربوط بمجموعة شروط.

هناك حاجة لإصلاح سوق العمل. على مصرف لبنان أن يقلّص دوره كوسيط بين الدولة والمصارف… هذه بعض التحذيرات، التي اشار اليها التقرير الاولي لبعثة صندوق النقد الدولي، ليرسم صورة قاتمة عن الاوضاع القائمة في لبنان.
تشخيص البعثة لا يتضمن هذه التحذيرات فقط، بل يستخدمها أيضا ليحث السلطات اللبنانية على المضي في تطبيق مجموعة وصفات جاهزة على قاعدة «الأخذ باليمنى ما يُمنح باليسرى». فصندوق النقد يقترح زيادة الإنفاق الاجتماعي والرأسمالي مقابل زيادة الضريبة على الاستهلاك، أي ضريبة القيمة المضافة ورسم البنزين. وكذلك يرحب بطلب السلطات اللبنانية من الصندوق اجراء دراسة لقياس صلابة المؤسسات المالية، مشيرا إلى «أنه الوقت المناسب لهذا الطلب وهو أمر مرحب به».

تحديات استثنائية

في منتصف الشهر الجاري، أنهت بعثة صندوق النقد الدولي زيارة رسمية إلى لبنان تقع في إطار المراجعة الدورية تحت «المادة الرابعة». البعثة التقت عددا من المسؤولين الرسميين وممثلي القطاع الخاص واطّلعت منهم على تطور الأوضاع السياسية والاقتصادية، وأصدرت تقريراً اوليا عن نتائج مهمتها في لبنان، تمهيداً لإصدار التقرير النهائي بعد عرضه على مجلس إدارة الصندوق.
التقرير الاولي يشير إلى أن مستوى الثقة ينخفض بلبنان بسبب التوترات الإقليمية والشلل السياسي المحلي «هناك شغور في موقع الرئاسة الأولى منذ أيار 2014، أما مجلس الوزراء فهو غالباً لا يمكنه القيام بأي تقدّم، والمجلس النيابي ينقصه التفاهم الكافي لمناقشة أعمال التشريع».

تحت هذه المظلة تبرز مجموعة «تحديات استثنائية»، وفق تعبير الصندوق. أولها هي تلك المتصلة بكلفة النزوح السوري التي تؤثّر سلباً على معدلات البطالة والفقر وتضغط على مؤشرات المالية العامة الضعيفة أصلاً، بعدما بات عدد النازحين السوريين يمثّل ربع السكان في لبنان. «يجب الثناء على استضافة لبنان للنازحين، لكنه وحده لا يمكنه تحمّل هذه الكلفة». إن استجابة الحكومة لحاجات النازحين غير ممولة من المانحين إلى حدّ بعيد، وهو ما يستدعي مساعدة دولية لتحمّل أعباء النازحين.

خيبة النموّ

مؤشرات الاقتصاد اللبناني ليست أفضل حالاً كما يراها صندوق النقد. فالنمو «مخيب للآمال» ولا يتوقع أن تزيد معدلاته في 2015 عما هو مسجّل في 2014 أي 2%، وستكون هذه التقديرات أسوأ لولا انخفاض أسعار النفط. أما بالنسبة للقطاعات التقليدية المحفّزة للاقتصاد اللبناني «أي السياحة والعقارات والإنشاءات، فكلّها تعرّضت لضربة كبيرة ولا يحتمل أن تنتعش قريباً. التضخّم أيضاً تقلص بصورة طفيفة في عام 2014 بسبب انخفاض أسعار النفط، لكنه سيعود إلى نمطه السابق ليبلغ 3% في نهاية 2015». وبرغم أن النظام المصرفي يتّسم بالسيولة، إلا ان رساميل المصارف لا تزال متواضعة قياساً على حجم انكشافها على الدين السيادي بالعملة المحلية وعلى مخاطر الاقتصاد.
يعتقد صندوق النقد الدولي أنه من دون تدخل حاسم من السلطات، فإن «التدهور المالي متواصل في عام 2015. عجز الحساب الجاري سجّل 25% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014، وهذه دلالة قوية على الهشاشة في ظل ربط العملة اللبنانية بالدولار». وإضافة إلى العجز الكبير في الحساب الجاري (الحساب الجاري هو صافي التدفقات النقدية والسلعية والخدماتية من لبنان وإليه) «هناك مؤشرات على أن الاقتصاد اللبناني يفقد تنافسيته الخارجية. يمكن تفسير ذلك جزئياً، بسبب ضعف الخدمات العامة وشبكات الأمان الاجتماعي اللتين تعوقان قدرة الاقتصاد». وقد تبيّن للصندوق أن المحفزات الرئيسية للنمو في لبنان فشلت في خلق نمو في الوظائف ذات الجودة الأعلى واللازمة لضمان الاستقرار الاجتماعي على المدى الطويل.

وصفات إصلاحية

يوصي الصندوق بأن يُجري لبنان إصلاحات مالية تحفّز النمو. فالنموذج الاقتصادي للبنان يرتكز على «الثقة»، إلا أن «معدلات نموّ الودائع تتباطأ، وبالتالي هناك حاجة لإجراء تغيير حاسم في السياسات لتعزيز الثقة». (الثقة، كما ترد في تقرير الصندوق، هي العنصر الذي يخلق بيئة استقطاب للتدفقات النقدية، التي توفّر، بدورها، تمويل كلفة الدين العام واستدانة القطاع الخاص).
ويلفت الصندوق إلى تبعات «تجاهل الإصلاح المالي». فمثل هذا الأمر «محفوف بالمخاطر الناتجة من اعتماد لبنان على زيادة الودائع لتمويل الزيادة في الدين العام، وهذا يفاقم من تعرض الاقتصاد لتقلبات مفاجئة في الثقة، ويعمّق العلاقة المتبادلة بين المصارف والدولة (لتمويل الدين العام)».
تجاهل الإصلاح المالي «أمر مكلف»، كما يشير الصندوق. السبب هو أن أسعار الفائدة سترتفع لا محالة مع ارتفاع المعدلات العالمية». ففي السابق كان النموّ يسجل معدلات مرتفعة، فيما كانت أسعار الفوائد العالمية المنخفضة تساعد على خفض كلفة الدين العام، إلا أنه مع تغيّر الظروف العالمية والمحلية على نحو غير مناسب، فإنه من دون الإصلاحات المالية سيبقى الدين العام في اتجاه تصاعدي، بما يحمله ذلك من مخاطر».
كذلك، فإن التجاهل غير عادل «لأن مدفوعات الفوائد ستزداد إلى 12% من الناتج المحلي الإجمالي (نحو 40٪ من إجمالي الإنفاق) على المدى المتوسط، وبالتالي ستنافس الإنفاق الضروري على الاستثمارات العامة والبرامج الاجتماعية. حاملو الدين هم الأكثر استفادة على حساب فئات أخرى (معروف أن المصارف ومصرف لبنان يحملان غالبية الدين اللبناني)». انطلاقا من ذلك، ترحب بعثة الصندوق بطلب السلطات اللبنانية اجراء دراسة تقييم لصلابة المؤسسات اللبنانية، وتقول في تقريرها «إنه الوقت المناسب لطلب السلطات اللبنانية، وهو أمر مرحب به».

أي إصلاحات؟

لكن عن أي إصلاحات؟ الصندوق يقترح بعض وصفاته الإصلاحية على النحو الآتي:
ــ يجب على السلطات الاستفادة من انخفاض اسعار النفط لإلغاء إعفاء الوقود من الضريبة على القيمة المضافة وزيادة الرسوم على البنزين. ونوصي بإقرار زيادة 1% في نسبة الضريبة على القيمة المضافة.
ــ ما تقوم به وزارة المال لزيادة التحصيل الضريبي مشجّع، لكنه ليس كافياً. يجب إقرار ضريبة الربح الرأسمالي على العمليات العقارية، وزيادة الضريبة على إيرادات الفوائد والضريبة على أرباح الشركات.
ــ سلسلة الرتب والرواتب مثيرة للجدل وفي حال إقرارها يجب تمويل كلفتها من إيرادات واضحة وعلى دفعات من دون أثر رجعي، وأن يكون ذلك مترافقاً مع خطوات لإصلاح شامل للقطاع العام تكون بنتيجته الرواتب على أساس الانتاجية.
ــ يجب زيادة الإنفاق على المشاريع الرأسمالية وعلى البرامج الاجتماعية، وخلق مساحة مالية أوسع لها.
ــ ينبغي للسلطات تمرير الميزانية الشاملة لعام 2015. لبنان لم يكن لديه موازنة معتمدة منذ 10 سنوات، علماً بأن إقرار الموازنة سيكون إشارة قوية إلى الإرادة السياسية والمساءلة.
ــ يجب على مصرف لبنان أن يقلّص دوره كوسيط بين الدولة والمصارف، وأن يوقف عملياته شبه المالية ويعزّز ميزانيته العمومية على المدى المتوسط.
ــ هناك حاجة لإصلاح سوق العمل من أجل زيادة فرص العمل ذات الإنتاجية المرتفعة. هناك حاجة ماسة لخلق فرص العمل في القطاع النظامي للعمال الأقل مهارة، ولا سيما في ضوء ضغوط إضافية من اللاجئين السوريين.
ــ نشعر بالقلق من من التأخّر في نشر المعلومات والبيانات للجمهور.
ــ إن نظام التقاعد ليس قابلاً للاستمرار مالياً، وفي نهاية المطاف سيعاني قصور. ينبغي إدخال نظام التقاعد الموحد إنصافا لموظفي القطاعين العام والخاص.