Site icon IMLebanon

الحوار “القواتي” – “العوني” غطاء للفراغ

 

كتب اسعد بشارة في “الجمهورية”: يسير الحوار «القواتي»ـ «العوني» على إيقاع الفراغ الرئاسي، وعلى إيقاع المجهول الذي يسير اليه النائب ميشال عون بدعوته الى تغيير «إتفاق الطائف»، وعلى إيقاع الاستقالة العملية للمسيحيين من أيّ دور وطني حقيقي والاكتفاء بالانزواء في هوامش السياسة.

لعلّ النتيجة الاولى لهذا الحوار أنه أدّى وظيفة تقديم الغطاء للفراغ الرئاسي المديد، حيث بدا كأنّ كلاً من الطرفين المتحاورين قد غسل يديه ممّا يجري، وعلّق المسؤولية على عوامل خارجية لم تكن بالضرورة السبب في الفراغ، لولا وجود أطراف مسيحية قاطعت الجلسات النيابية.

ولعلّ ابرز مَن عبّر عن هذا الواقع المستجدّ بعد الحوار، هو رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي انتقل من مرحلة قول الامور كما هي، الى مرحلة تلطيف الصورة. فجعجع الذي اعتاد القول في كلّ جلسة انتخاب رئاسية إنّ مَن يعطل انتخاب الرئاسة هو حزب الله و«التيار الوطني الحر» وفريق 8 آذار، اضطُر بفعل الحوار مع عون الى حذف مواقفه السابقة، فبات حزب الله وحده المعطل، وباتت ايران المسؤولة عن عدم انتخاب رئيس، أما عون فغاب عن الصورة لدواعٍ حوارية.

واذا كان للحوار «القواتي» ـ «العوني» سلبيات وايجابيات، فإنّ تغطية ما يقوم به عون في موضوع الفراغ الرئاسي كان أكثر السلبيات تأثيراً، فعون نال شهادة حسن سلوك، واشترى وقتاً ثميناً قد يطول، وانتقل الى موقع المتذرّع بالحوار مع جعجع ليبرّر عدم المشاركة في جلسة انتخاب الرئيس، وهذا الامر أزعج بكركي التي طالبت مراراً بأن يدخل حوار جعجع وعون في الموضوع الرئاسي دون جدوى.

في ميزان الارباح والخسائر، يمكن لعون أن يرتاح كثيراً الى هذه النتيجة، كما يمكن له أن يرتاح أكثر الى جذب «القوات» الى خطاب مسيحي ضيق، كانت «القوات» خرجت منه كونها أحد الاطراف المؤسسة والفاعلة في «ثورة الاستقلال»، التي فتحت لـ»القوات اللبنانية» المدى الارحب داخلياً وفي العالمين العربي والاسلامي، كما يمكن عون أن يرتاح الى صمت «القوات» على دعوته الى ضرب «إتفاق الطائف»، ولتوريط لبنان في معارك حزب الله في سوريا.

في ميزان الارباح والخسائر يمكن عون ايضاً وهو الملتصق بمشروع حزب الله والنظام السوري، ان يدّعي أنه مستمر في الرهان على هذا الخيار، فيما ينكفئ جعجع الى خطاب فاتر في كلّ ما يتعلق بما يجري في المنطقة، بما يشبه اطفاء المحرّكات في زمن يصعب فيه التكهن بموازين القوى.

في ميزان الارباح والخسائر يمكن جعجع أن يتكلم عن مكسب التخفيف الموقت للاحتقان مع التيار العوني وجمهوره، هذا الاحتقان الذي بدأ عام 1990، والذي استمر عدة شغل بيد عون، مرة يؤججه واخرى يخفف منه، وفق معيار العلاقة المصلحية مع جعجع.

هذه الاجواء المريحة يأمل جعجع في أن تستمر، وأن تؤدي الى اختراقات ايجابية في زمن عون وفي المراحل اللاحقة، لكنّ كلّ ذلك مرتبط بكبسة زرّ من عون القادر بلحظة غير مؤاتية على قلب طاولة التهدئة، واستعادة مشهد العام 1990 بلمحة بصر، لذلك يبقى هذا المكسب الهش غير قابل للصرف في اعتبار أنه مرتبط بلعبة مصلحية تزول مع زوال الفائدة منها.

واذا كان هناك مِن وصف دقيق للحوار العوني ـ القواتي، فيمكن وضعه في خانة التربص المتبادل. فلا إعلان النيات يترجم مضموناً سياسياً لهذا الحوار، ولا طبيعة العلاقة التاريخية الملأى بالملفات الثقيلة تتيح مزيداً من التقدم، لأكثر من مجرد لقاء بين عون وجعجع في الرابية، يتبعه اعلان ورقة نيات هي في حدّ ذاتها اسم على مسمى، لا تتخطى النيات، لأنها لم تُصَغ إلّا للهروب من مضامين الحوار الحقيقية التي يفترض أن تتناول موضوع سلاح حزب الله، ومشروعه، واتفاق الطائف، وقانون الانتخاب، والاخطار الكيانية التي يواجهها لبنان، وفي كلّ هذه القضايا، تمّ الاتفاق بين الطرفين على تسويات ونيات لا تصلح إلّا لتغطية فراغ الحوار، وتؤدي وظيفة تغطية الفراغ الرئاسي، الذي يكاد يقود الى مؤتمر تأسيسي يطيح «إتفاق الطائف» والتوازنات.