ما فتئت سويسرا تستقطِب الاهتمام في الأوساط المالية والتجارية والأكاديمية في منطقة الخليج خلال الفترة الأخيرة، فيما تحوّلت العاصمة القطرية الدوحة إلى قُطب الرّحى في موجة الانتشار السويسري عبْر الخليج العربي.
وقد تنوع الحضور السويسري من عقد شراكات مع مجموعات مالية محلية، إلى إقامة معرض لرحلة طائرة “سولار إمبولس”، العاملة بالطاقة الشمسية حول العالم، ومن توقيع اتفاقات تعاون مع معاهد أبحاث أكاديمية، إلى افتتاح مقهى سويسري في “اللؤلؤة”، أفخم ضاحية بحرية في الدوحة تحت علامة “الرّكن السويسري” أو Le Coin Suisse. وكانت سويسرا افتتحت سفارة في الدوحة في عام 2012، باتت تُمركز النشاطات الاقتصادية والسياسية والثقافية المختلفة التي تُقام في قطر، وسط تكاثف زيارات المسؤولين السويسريين إلى هذا البلد، الصغير حجما والكبير من حيث المشاريع التنموية والإمكانات الاستثمارية.
في قلب “سيتي سنتر”، المجمع التجاري الأكبر في وسط الدوحة أو “المول” كما يقول القطريون، تدفّقت أعداد كبيرة من الزوار على جناح مُخصّص للتعريف برحلة طائرة سولار إمبولس (Solar Impulse) العاملة بالطاقة الشمسية، التي انطلقت الشهر الماضي من أبو ظبي لتقوم بجولة حول العالم.
كانت مناسبة للكثير منهم للتعرّف على بوابة أخرى من بوابات الدخول إلى عالم الذكاء السويسري، غير بوابة السياحة، فأقبلوا على مطالعة المطويات المُعدّة لشرح المغامرة، واستلطفوا المشاركة في مسابقة للجواب على أسئلة متعلّقة بالرحلة، أملا في الفوز بجائزة.
من لوزان إلى الدوحة
في خط موازٍ لهذا النشاط الاجتماعي، تحركت العلاقات السويسرية الخليجية على مِحور التعاون الأكاديمي، لتُغامر برن بالسباحة في هذا البحر الذي حذق الغوص في لُجه الأمريكيون، وبدرجة أقل الفرنسيون، إذ افتتحت عدة جامعات أمريكية فروعا لها في كل من دبي والدوحة وأبو ظبي، إلى جانب جامعة “السوربون” الفرنسية.
وبعد افتتاح فرع للمعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان EPFL في إمارة الشارقة (دولة الإمارات)، وقّعت أخيرا المدرسة العريقة نفسها “اتفاقا إستراتيجيا” مع معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، وهو عضو في “مؤسسة قطر للتربية والعلوم والمجتمع” (Qatar Foundation)، التي تديرها الشيخة موزة بنت ناصر، والدة الأمير تميم بن حمد آل ثاني.
وقال الدكتور محمد خليل، المدير التنفيذي للمعهد، إن الاتفاق سيُمكِّن علماء المعهد من العمل بشكل وثيق مع علماء بارزين على المستوى العالمي، لمعالجة قضايا البحوث الرئيسية المتّصلة بأمن الطاقة في قطر.
وشرح لـ swissinfo.ch آليات التعاون بين المدرسة والمعهد، فأوضح أنها “ستشمل تبادل الزيارات بين العلماء وتدريب موظّفي معهد قطر على استخدام أدوات ومعدّات متطوِّرة، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة لهم للوصول إلى المختبرات الحديثة، إلى أن يتِم الانتِهاء من بناء مرافقنا ومخابرنا وتجهيزها بالمعدّات اللازمة”. وأضاف أن “الأنشطة البحثية المشتركة بين المدرسة والمعهد، ستُركِّز على تطوير الخلايا الشمسية التقليدية والجديدة وتصنيعها واختبارها”.
وزاد أن الأنشطة ستشمل أيضا تطوير نماذج وأدوات تمكِّن من تحقيق التكامُل بين الطاقة الشمسية والشبكة العامة، بما فيها دراسة تأثير سلوك المستهلكين وطلبهم على الطاقة.
ويُعتبَر معهد قطر لأبحاث الطاقة والبيئة، الحلقة الأحدث ضمن ثلاثة معاهد بحثية قطرية تعمل تحت مظلّة “مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع”، والمعهدان الآخران هما معهد قطر لأبحاث الطب الحيوي ومعهد قطر لأبحاث الحاسوب الآلي.
سويسريون يُديرون الأصول العائلية
على خطٍّ آخر، افتتحت مؤخرا شركة “فاكت” لإدارة الأصول العائلية، وهي فرع من مجموعة “آل بي سويسرا” مكتبها الإقليمي في الدوحة، والذي سيغطّي منطقتيْ الخليج والشرق الأوسط. وقال نادر الخلفان، الرئيس التنفيذي لشركة فاكت بالشرق الأوسط في لقاء صحفي حضرته swissinfo.ch إن الشركة “متخصِّصة في تقديم الخدمات الاستشارية في مجال إدارة الأصول العائلية”. وأوضح أن فتح مكتب إقليمي في مركز قطر للمال بالدوحة، يرمي إلى دعم الشركات العائلية في قطر، فضلا عن تأمين استشارات مستقلّة والإشراف المتكامِل على الأعمال المملوكة للأسَر، مشيرا إلى أن “هذه الخدمة مخصّصة لتحقيق أهداف أصحاب الثروات الكبيرة في قطر والشرق الأوسط عموما”.
وأضاف الخلفان “نحن نُدرِك أن العائلات الفريدة من نوعها، لها مجموعة من المتطلّبات المميّزة، لذا نقوم بتلبية تلك الحاجيات بما لدينا من خِبرة”. وقال “إن الشركة تقدّم خدمات وحلولًا مفصّلة تركِّز على حماية خصوصية الزّبون وحرية تصرّفه، مؤكِّدا أن فريق “فاكت” يحمل معه أفضل خدمات المؤسسة السويسرية لمكتب العائلة، مع سجِل حافل بالنجاح والخِبرة وفهْم الأسواق العالمية، لتزويد الحرفاء في قطر بمنهج مفصّل، خصيصاً لتحقيق حاجياتهم”. وتشمل خدمات الفرع، إنشاء وهيكلة الشركات وتقديم أمثل الحلول الضريبية وتسهيلات الانتقال إلى موقع جديد، إضافة إلى خدمات داعمة في المجال التعليمي وتخطيط تقاسم الإرث.
أما دانييلو لاريني، مؤسس مجموعة “إل بي سويسرا” ورئيسُها التنفيذي، فأكد أن اختيار الدوحة لتكون مِنصّة إقليمية لتقديم خدمات “فاكت الشرق الأوسط”، جاء بشكل مدروس، بالنظر إلى أن الدوحة “باتت تشكِّل المكان الأمثل لذلك، إذ لدى قطر اتفاقات عدم ازدواج ضريبي مع أكثر من ستين دولة، كما أن لديها بنية تحتية جيدة في التعامل مع الشركات، وقد أصبحت المنارة الاقتصادية في الشرق الأوسط من حيث موقِعها، كما وجدنا فيها نسبة ضريبة تنافُسية على الشركات، بالإضافة إلى أن قِطاعها البنكي يُعتبَر متطوِّرا، وهي تملك أيضا أعلى ناتج محلّي إجمالي للفرد في العالم”.
وأوضح لاريني أن “عام 2015 يمثِّل عام النمُو، ونحن نأمل أن يشعُر حرفاؤنا بالراحة والطُّمأنينة معنا، بفضل نجاحنا في تحقيق احتياجاتهم. ونتطلع إلى أن يُصبح المكتب الجديد، بوابة قطر إلى سويسرا، ويقدّم أفضل الخدمات المُمكنة لمكتب العائلة وهيكلة الشركات العائلية لحرفائنا في قطر والمنطقة”.
وتحدّث خلال اللقاء الصحفي أيضا يوسف الجيدة، نائب الرئيس التنفيذي لهيئة مركز قطر للمال، فقال “مع توسّع فعاليات الأفراد ذوي الملاءة المالية العالية في قطر وخارجها، لمسنا حاجة متزايدة إلى إدارة الثروات الخاصة، لذلك عمِلنا على توسيع منصّتنا لتستوعِب المزوّدين بمثل هذه الخدمات. واليوم، نحن نرحِّب بشركة فاكت الشرق الأوسط لتعمل تحت مظلّة مركز قطر للمال، وهي أول شركة لإدارة مكتب العائلة”.