أيّ مصير للمساعدات السويسرية إلى دول أوروبا الشرقية؟
في فترة زمنية تقل عن عشرة أعوام، قدّمت سويسرا أكثر من مليار فرنك لدعم توسيع الإتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من النتائج الإيجابية التي تحققت ميدانيا، إلا أن مستقبل هذه المساعدات أضحى غير مؤكّد، وذلك بسبب جمود العلاقات بين برن وبروكسل، وخاصة بشأن اتفاقية حرية تنقل الأشخاص.
وفي عام 2006، استطاع مشروع “مليار التآزر” من الخروج بنجاح من الإستفتاء على المبادرة المعارِضة له، التي أطلقها حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، وبعد ذلك بعامين، وافق البرلمان على منح قرض بقيمة 257 مليون لفائدة دولتين من الأعضاء الجدد، هما رومانيا وبلغاريا، وعلى قرض آخر في ديسمبر 2014 قيمته 45 مليون لفائدة كرواتيا.
وهكذا، في أقل من عشر سنوات، موّلت الحكومة السويسرية أكثر من 300 مشروع في بلدان أوروبا الشرقية في مجالات عدّة، مثل الإقتصاد والسياحة والصحة والطاقة، وفي التنشئة الإجتماعية أيضا.
وحتى الآن النتيجة إيجابية، وهو ما أكّدته أربعة تقارير، كما يقول هوغو بروغمان، المسؤول عن مشروع التكاتف المعني بإدارة المساهمة في توسيع الإتحاد الأوروبي ضمن كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية بالإشتراك الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون.
ومن منطلق مشروع المساهمة في توسيع الإتحاد الأوروبي، تكون سويسرا قد واصلت دعمها للعملية الإنتقالية، التي بدأتها أوروبا الشرقية أو دول الكتلة الشيوعية السابقة بعد سقوط جدار برلين، وبذلك “ظلت أمينة على سيرتها في مساعدة الدول المحتاجة”، على حد قول جيلبار كازازوس، أستاذ الدراسات الأوروبية في جامعة فريبورغ، وأضاف: “كان التصويت لصالح المساهمة في توسيع الإتحاد، بمثابة استفتاء ديمقراطي غير مباشر على دعمنا لأوروبا”.
نتيجة إيجابية لا تخلو من مصاعب
التأثير الإيجابي الأكبر، كان من نصيب بولندا، لاسيما وأنها حصلت على حصة الأسد من الإستثمارات السويسرية، والتي بلغت قيمتها 489 مليون فرنك، كما دعمت سويسرا أكثر من 400 شركة ناشئة وشاركت في إزالة 31 ألف طن من مادة الأسبستوس الضارة من المباني، وفي تعزيز أمن الحدود مع روسيا البيضاء، كما بدا التأثير الإيجابي للمشاريع السويسرية واضحا أيضا في البلدان الصغيرة، مثل ليتوانيا، لدرجة أن معدل وفيات الأطفال، كما ذكر بروغمان، انخفض بسبب تأمين بعض التدابير الصحية.
ويرجع بعض الفضل في النجاح، إلى الإستقلالية التي اعتمدتها سويسرا، خصوصا وأن برن هي التي تمسك بزمام مساهمة الكنفدرالية، بحيث لا ينتهي بها المطاف إلى مرجل الخزينة الأوروبية أو مرجل الآلة الإدارية الضخمة في بروكسل، وبناء عليه، فإن سويسرا هي التي تقرر بشكل مستقل أي المشاريع تدعم وتُعنى بتقييم النجاحات وفق جدول زمني محدد، وتتصل مباشرة بالشركاء المحليين.
غير أن الأمور لم تمض كلها في الإتجاه الصحيح، كما يعترف بروغمان، فبعض المشاريع تم التخلي عنها في منتصف الطريق، لعدم توفّر اللوازم الفنية المطلوبة، كما حصل بعض التأخير بسبب بطء الإجراءات أو لنقص في الأيدي العاملة المؤهلة، بسبب الهجرة التي تشهدها بعض تلك الدول، مثل رومانيا.
في المقابل، لا بد من الإقرار بأن الإلتزام تجاه الشرق الأوروبي انعكس بالفائدة أيضا على سويسرا. فبعض المشاريع فتحت الأبواب أمام الشركات السويسرية وأمام التبادل الأكاديمي في مجال الأبحاث، ومن الصعب، بحسب بروغمان، تحديد حجم هذا المردود، على أنه لا يمكن إغفال الهدف الغير مباشر، الرامي إلى وضع حد للهجرة، عبر استحداث فرص عمل وتحسين السيطرة على الحدود، وهما المهمتان اللتان اضطلعت بهما سويسرا بشكل خاص.
استثمار في عشر سنوات، وبعد؟
ومن المفترض بحكم الأجل المضروب، أن تصل المشاريع السويسرية في شهر مايو 2017 إلى نهايتها في الدول العشرة الأولى، وبعد ذلك بعامين في رومانيا وبلغاريا. ومنذ البداية، حصلت برن عبر التفاوض مع بروكسل على حق التقرير المستقل بعد عشر سنوات بشأن إمكانية مواصلة أنشطتها وكيف وأين، “وبالنظر إلى النتائج الإيجابية للمشاريع والحاجة المُلحة والقائمة في تلك الدول – لاسيما جرّاء الأزمتين الاقتصادية والأوكرانية – فإن من المنطقي أن نستمر”، كما يقول جورج دوبروفولني، مدير “منتدى الشرق والغرب”، المنظمة التي تعنى بتعزيز التعاون والشراكة في أوروبا.
بيد أن الظرف الحالي ليس بالمناسب، حيث يُلقي قرار الحد من الهجرة الذي أيّده الشعب السويسري في استفتاء 9 فبراير 2014 بظلاله على العلاقة الثنائية بين برن وبروكسل، ذلك أن إخضاع العمالة والهجرة من أوروبا لنظاميْ الحصص والسقف الأعلى، حسب المتوقع، لا يتوافق مع اتفاقية حرية تنقل الأشخاص، التي تعتبرها بروكسل إحدى ركائز سياسة الإتحاد، ولا يبدو بأنها ستقبل التفاوض عليها. وبناء عليه، تجد سويسرا نفسها أمام معضلة احترام إرادة الشعب من دون المساس بالإتفاقيات الثنائية مع أوروبا.
وفي هذا السياق، أكّدت الحكومة السويسرية على أن قرار تجديد مساهمتها في توسيع الإتحاد الأوروبي لا يمكن “أن يكون إلا في ضوء التطور في العلاقات بين سويسرا والإتحاد الأوروبي”، وهو ما يجعل مآل المفاوضات عاملا حاسما.
ترك الباب مفتوحا
لكن الوقت يكاد ينفد. ففي أواخر ديسمبر 2014، بدأت الحكومة بإجراء مشاورات لتمديد سريان القانون الفدرالي بشأن التعاون مع دول أوروبا الشرقية إلى غاية عام 2024، مما سيشكّل أساسا للمساهمة في توسيع الإتحاد. وتقول الحكومة بأن المقصود، ليس إقرار معونات جديدة، وإنما ترك الباب مفتوحا إلى حين عودة الصحو إلى الأجواء المتلبدة بين الطرفين.
الحزب الإشتراكي، يرى أن هذا الموقف غير مقبول، وأنه من الواجب على سويسرا الإستمرار في دعم عملية الإنتقال في أوروبا الشرقية، بصرف النظر عن العلاقات مع بروكسل، ذلك أن لسويسرا مصلحة كبيرة في دعم الأوضاع الديمقراطية والإجتماعية لتلك الدول، وفق رد اليسار السياسي على الحكومة.
الأمر ليس كذلك بالنسبة لحزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، المعروف بموقفه المعارض على الدوام للمساهمة في توسيع الإتحاد الأوروبي وصاحب مبادرة “الحد من الهجرة الجماعية”، الذي اعتبر في وثيقة له أن “الأموال أنفِقت بشكل سيِّء وأن مآلها أن تصب في جيوب البيروقراطيين”، كما دعا إلى وضع حد لما أسماه “برامج التوزيع الإشتراكية”.
مساعدات إلى الجنوب أكثر من الشرق؟
ربما يكون من غير المعقول أن تُقدم برن على قطع المساعدات مرّة واحدة، لكن الأمر “غير مستبعد”، بحسب البروفيسور جلبير كازازوس، ذلك أن “سويسرا تجد بأن موقفها ضعيف بالنسبة للمفاوضات مع الإتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية حرية التنقل، وأن هامش المناورة لديها محدود جدا، ولن يكون للمساهمة في توسيع الإتحاد وزن كبير”، ومع أن دول أوروبا الشرقية تتلهّف على المساعدات السويسرية، إلا أن تلهُفها على تطبيق مبدإ حرية تنقل الأشخاص يظل أكبر.
وثمة احتمالية أخرى تبقى قائمة في ظل الأزمة الاقتصادية الضارية، التي تجتاح بعض الدول الأوروبية، مثل اليونان وإسبانيا. فقد تُستدعى سويسرا لتقديم الدعم المالي، مما قد يفتح الباب أمام احتمالية توجيه المساعدة نحو الجنوب، بدلا من الشرق، ومَـن يدري؟ أما المؤكد، فهو أن مقترحا من هذا القبيل سيُشعل السِّجال داخل البرلمان الفدرالي.