ظلت مصر لسنوات طويلة تعوّل بشكل كبير على السياحة الخليجية الوافدة في فصل الصيف لإنعاش إيرادات القطاع، إلا أن الاضطرابات المتواصلة منذ أكثر من أربع سنوات قلصت أعداد الوافدين، ما دعا البلاد لإطلاق حملات ترويجية مكثفة في دول الخليج، إلا أن عاملين في القطاع يرون أن نجاح هذه الحملات مرهون بالاستقرار الأمني في البلاد.
ودخلت تركيا وماليزيا ودول أوروبية في منافسة قوية مع مصر، لتقتنص الدولتان أعداداً كبيرة من السياح الخليجيين، الذين يبحثون عن مقاصد أكثر جذباً وتنافسية من حيث الأسعار والخدمات.
وقال رئيس الاتحاد المصري للغرف السياحية، إلهامي الزيات، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إن السياحة العربية لمصر، خاصة الخليجية، شهدت تناقصاً ملحوظاً خلال السنوات الأربع الماضية جراء الأوضاع السياسية والأمنية.
وتراجع عدد السياح العرب خلال العام الماضي 2014 إلى نحو 1.6 مليون وافد، مقابل 1.8 مليون سائح خلال العام السابق، وفق الإحصاءات الصادرة عن وزارة السياحة.
كما تشير البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي، إلى أن عدد الليالي السياحية للعرب في مصر انخفض بنسبة 7.3% خلال شهر فبراير/شباط الماضي، لتصل إلى 1.1 مليون ليلة.
وأشار الزيات إلى أن أكثر من 30% من التدفق السياحي من جنسيات تعاني بلدانها اضطرابات سياسية وصراعات مسلحة، خاصة العراق وسورية وفلسطين والسودان، وبالتالي لا يمكن اعتبارهم سيّاحاً لانخفاض إنفاقهم.
وبلغ الدخل السياحي للوافدين العرب خلال العام الماضي 1.5 مليار دولار من إجمالي ايرادات بلغت 7.3 مليارات دولار.
وتصدر السائح السعودي الوافد لمصر الإنفاق خلال العام الماضي بـ 131 دولاراً في الليلة، وجاء بعده الوافد من الولايات المتحدة الأميركية بـ 101.3 دولار، ثم البريطاني 70.6 دولاراً، والإيطالي 70.6 دولاراً، والالماني 63.4 دولاراً، والبولندي بنحو 63.2 دولاراً، والأوكراني 62.2 دولاراً في الليلة.
وبحسب رئيس الاتحاد المصري للغرف السياحية، فإن المنافسة القوية من دول مثل تركيا وماليزيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا تقلص جاذبية مصر بالنسبة للسائحين الخليجيين. وقال “العرب أصبحوا يقارنون بين مقاصد سياحية مختلفة ومتنوعة.. هناك تغيير كبير طرأ على السياحة العربية خلال العشر سنوات الأخيرة يستوجب أن تعيد وزارة السياحة معه حساباتها التسويقية”.
وأطلقت مصر بداية مايو/أيار الجارى حملة في دول الإمارات والمملكة العربية السعودية والكويت، تحمل اسم “مصر قريبة” لزيادة التدفق السياحي العربي إليها خلال العام الجاري.
وقال مسؤول في وزارة السياحة ،طلب عدم ذكر اسمه في تصريح خاص لـ”العربي الجديد”، إن الوزارة تستهدف زيادة الأعداد من الوافدين العرب إلى 3 ملايين سائح من إجمالي 12 مليون سائح مستهدف بنهاية 2015. وأضاف أن “السياحة الخليجية، تمثل الجانب الأكبر من التدفق العربي لمصر، ونأمل أن نحول وجهاتهم إلى مصر مجدداً، عقب تغييرها إلى وجهات أخرى في العامين الأخيرين، خاصة في ظل الطاقة الفندقية الكبيرة لدينا والتي تحتاج إلى إشغالات”.
وتبلغ الطاقة الفندقية العاملة بمصر 225 ألف غرفة تتوزع غالبيتها على المناطق الساحلية شرق وشمال شرق البلاد، فيما يعمل بالقطاع 3.5 ملايين عامل، منهم 1.8 مليون عامل بشكل مباشر.
لكن رئيس الاتحاد المصري للغرف السياحية، يشكك في قدرة وزارة السياحة على جذب 3 ملايين سائح عربى بنهاية العام الجاري قائلاً “شهر رمضان سيأتي خلال ذروة موسم الصيف، وهذا سيؤثر بشكل سلبي على التدفقات العربية الوافدة، إذ أنهم سيفضلون البقاء فى بلدانهم”.
غير أن المسؤول في وزارة السياحة، ذكر أن الوزارة تستهدف رفع نصيب مصر من دول الخليج العربي الثلاث الإمارات والسعودية والكويت إلى 2 مليون سائح بنهاية العام من خلال الحملة الترويجية الجارية.
وبحسب المسؤول، فإن السياحة العربية تعد الأكثر في مرات الزيارة لمصر سنوياً، مقارنة بغيرها من الجنسيات الأخرى، إذ يزور السائح العربي مصر بمعدل مرتين في العام، مقارنة بمرة واحدة للجنسيات الأخرى. وقال “هناك بعض الأسر تصل فترات إقامتها بمصر لأكثر من شهرين، خاصة من الخليج العربي، إذ انهم يمتلكون وحدات سكنية في القاهرة”. ويفضل السياح العرب الإقامة في العاصمة المصرية القاهرة والإسكندرية على ساحل البحر المتوسط شمال البلاد.
وقال رئيس غرفة فنادق الإسكندرية، وسيم محيي الدين، لـ”العربي الجديد”، “أتوقع نمواً فى تدفق السائحين العرب عقب انتهاء شهر رمضان المقبل (نهاية يوليو/تموز)”. وأوضح “سيبقى فترة لا بأس بها من الموسم الصيفي بعد انتهاء شهر رمضان تمتد لأكثر من 45 يوماً قبل بدء العام الدراسى في سبتمبر/أيلول”.
وتعد الإسكندرية من أكبر المدن السياحية بعد القاهرة التي تجذب السياح الليبين، لكن مع تردي الأوضاع الاقتصادية في ليبيا فإن أعداد السائحين من هذا البلد تراجع، وفق رئيس غرفة فنادق الإسكندرية.
لكن السفير الليبي فى القاهرة، محمد فايز جبريل، أكد فى تصريحات لـ”العربي الجديد”، أن السياح الليبيين لايزالون يقومون بالسياحة رغم الأوضاع الصعبة التى تعيشها ليبيا، إلا أن هناك تزايداً في الرحلات سياحية إلى تركيا على حساب مصر مؤخرا،ً لانخفاض سعر تذكرة الطيران مقارنة مع ارتفاعها إلى مصر.
وكانت وزارة السياحة المصرية قد دشنت برنامجاً سياحياً بداية من الربع الأول من العام الماضي 2014، واستمر حتى نهاية الربع الثالث من نفس العام، مع وضع حوافز لرحلات الطيران الوافدة من مدينتى جدة والرياض بالسعودية والكويت، دون غيرها من الدول.
قالت المستشار الاقتصادى لوزير السياحة، عادلة رجب في تصريحات خاصة، إن هذا البرنامج ساهم بصورة فعالة فى زيادة التدفق العربي لمصر، مقارنة بنفس الفترة من 2013، مشيرة إلى أن سعر البرنامج كان يترواح بين 400 إلى 500 دولار للفرد لمدة 4 ليالي.
وذكرت أن هذا البرنامج يستهدف الدول الأكثر تصديراً للسياحة، لافتة إلى أنه بعد وصول نسب الامتلاء على رحلات مصر للطيران على خط طيران جدة ـ الغردقة، تم رفع الحوافز على هذا الخط، وذلك بغرض تنشيط أعداد الوافدين إلى مناطق البحر الأحمر شرق مصر وكذلك مدينة شرم الشيخ شمال شرق البلاد والتي شهدت تنظيم برنامج بين الأردن وهذه المدينة.
لكن رئيس جمعية المستثمرين السياحيين في جنوب سيناء شمال شرق مصر، هشام على، أكد السياحة العربية لا تمثل أكثر من 10% من إجمالى نزلاء شرم الشيخ، وبالتالي لابد من تنويع خدمات الفنادق في شرم الشيخ لجذب السياح العرب وتلبية رغابتهم”.
وبحسب مسؤول فى أحد الفنادق القريبة من مطار القاهرة الدولي شرق العاصمة، فإن القاهرة ظلت لفترات طويلة الأكثر جذباً بالنسبة للوافدين العرب، غير أنه فى السنوات الأربع الأخيرة أصبح العرب يأتون لفترة قصيرة، وغالباً ما يفضلون الإقامة بعيدا عن مناطق الاضطرابات بالعاصمة. وتشير البيانات الرسمية إلى أن الطاقة الفندقية في القاهرة تبلغ نحو 30 ألف غرفة من إجمالي 225 ألف غرفة في مصر.
وبحسب مسؤول بارز في هيئة التنشيط السياحي، التابعة لوزارة السياحة، فإن الإشغالات في القاهرة لا تزال الأضعف، مقارنة بباقي المناطق السياحية المصرية، إذ لا تتجاوز 20%، مقابل 40% فى شرم الشيخ شمال شرق.
وأشار المسؤول إلى أن أغلب السيّاح العرب لا يفضلون السياحة الشاطئية، باستثناء الجيل الجديد من الشباب، وستعمل وزارة السياحة على إقامة مهرجانات سياحية خلال شهر أغسطس/ آب المقبل للوافدين العرب. وأضاف “التقارير الإعلامية التي تبثها القنوات الفضائية المختلفة هى المسؤولة عن خوف السائحين العرب من القدوم إلى مصر”. وتابع أن “الفترة الأخيرة، شهدت رغبة قوية من العرب على زيارة ماليزيا وتركيا ودول أوربية، بل دخلت دبي حقل المنافسة لتجتذب السعوديون والكويتيون لاسيما خلال فصل الشتاء”. ولفت إلى أن السائح العربي خاصة من فئة الشباب في بلدان الخليج العربي، ينظر إلى زيارة البلدان الأوربية وماليزيا وتركيا، على أنه يتعرف على ثقافة جديدة.
وتعاني الفنادق المصرية من انخفاض الإشغالات وارتفاع تكلفة التشغيل، وفقا لعضو جمعية المستثمرين السياحيين في مرسى علم جنوب على البحر الأحمر شرق مصر، عاطف عبد اللطيف، ما دفع 17 قرية سياحية للإغلاق مؤخرا.
وقال نائب رئيس جمعية المستثمرين السياحيين فى مرسى علم، طارق شلبى، إن الجمعية أبرمت اتفاقاً مع إحدى شركات الطيران الخاصة لتدشين رحلات من بلدان عربية، تضم السعودية ولبنان لزيارة المنطقة، موضحاً أن البرنامج سيكون بواقع رحلتين أسبوعياً.