لا عليك من أمر نسب الديون والأرصدة المالية العامة وأزمات السيولة وبقية الأمور. كل من فنيي الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي الذين يتفاوضون مع أثينا يقومون باتخاذ الخطوات المطلوبة. كانت الأزمة اليونانية دائما تدور حول السياسة بقدر ما كانت تدور حول الاقتصاد. الآن كلها تدور حول السياسة. هناك نظريتان لحكومة سيريزا التي يقودها أليكسيس تسيبراس. واحدة منها تقدم مجموعة من الهواة المتخبطين الذين أمضوا الأشهر القليلة الماضية يدفعون باليونان إلى هوة اقتصادية أعمق من أي وقت مضى – بينما يعملون على تبديد الثقة وحسن النية لشركائهم في منطقة اليورو. النظرية الأخرى تقول إن ألاعيب يانيس فاروفاكيس، وزير المالية، تعد مهزلة سياسية متقنة تم إعدادها لتخليص اليونان من أغلال الدائنين الذين لا يرحمون.
الفرضية الأولى هي الأكثر شعبية. التنظيف والرقص، والمقابلات في مجلات لامعة، والماركسية المبتدئة وحب الأضواء – كلها تشير إلى فشل ذريع من جانب فاروفاكيس في فهم عمق المحنة لدى اليونان، أو الحساسيات لدى شركائها الأوروبيين. عبر الطريق، استنزفت عشرات المليارات من الدولارات من المصارف اليونانية، لأن المواطنين قاموا بتخبئة مدخراتهم في أماكن أخرى.
لكن نظرية المؤامرة لديها أيضا معتنقوها. يبدأون بافتراض أن لا أحد يمكن أن يكون أحمق تماما كما كان سيريزا يبدو دائما. علمت حكومة تسيبراس منذ البداية أنه لا يمكنها التوفيق بين وعودها الداخلية والالتزامات الدولية لليونان. كانت المشكلة في أن اليونانيين صوتوا لوضع حد للتقشف وللبقاء في اليورو في الوقت نفسه. وكان لا بد من اختلاق أزمة لإظهار أن الحكومة تعرضت للي ذراع من قبل الألمان، بالطبع.
الحقيقة إنني أميل للنظرية السابقة، لكن ذلك لا يهم. حتى في هذا الوقت المتأخر، قد يكون من غير الحكمة القول إن التوصل إلى اتفاق مع الدائنين هو أمر مستحيل تماما. إن السياسة عالية المخاطر تطالب أحيانا بأمور مستحيلة. ما يبدو بالنسبة لي، رغم ذلك، هو كيف جرت المحادثات في العواصم الأخرى. تجري مناقشة خطر انتقال العدوى إلى بقية أجزاء منطقة اليورو منذ وقت طويل. والحديث الآن يدور حول الفوضى التي ستعم اليونان بعد حالات الإعسار والخروج من اليورو. هل سيكون من السهل التحكم في الأمور أم أن الاتحاد الأوروبي سيجد نفسه أمام دولة فاشلة؟
هناك اثنان من الدوافع السياسية ينطلقان الآن. من الواضح أن معظم بقية أجزاء منطقة اليورو خلصت إلى أن أثينا غير قادرة، أو غير راغبة – وربما الحالان – على تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي. إن المشكلة ليست في الديون، ولا حتى في سرعة الحد من العجز، بقدر ما هي في رفض سيريزا الشروع في عمليات الإصلاح في الدولة. الكلمات التي تنطق في أغلب الأحيان لوصف الحكم في اليونان هي المحسوبية والفساد والريعية والمصالح الخاصة والواسطة. من دون إصلاح جذري للقدرات السياسية والإدارية للدولة، لا يمكن أن ينجح أي برنامج اقتصادي.
يمتلك شركاء اليونان أيضا سياساتهم الخاصة بهم التي لا بد لهم من متابعتها. إن أشمل صورة يوضع فيها إطار المواجهة في منطقة اليورو هو المواجهة بين برلين وأثينا. ويضفي فولفجانج شويبله، وزير المالية الألماني الصريح، صدقية على هذه الفكرة من خلال مواجهاته مع فاروفاكيس. مع ذلك، المتشددون الحقيقيون موجودون في مدريد ولشبونة ودبلن. لقد شعرت تلك الدول بالفعل بألم التقشف والإصلاح. وهي الآن تبدأ برؤية بصيص من الضوء. قادتها السياسيون غير مقتنعين بأنه ينبغي إبعاد اليونان عن الورطة. يقولون إن التسليم لسيريزا الآن سيكون بمثابة إضفاء للشرعية على الشعبويين في بلدانهم. وهم لديهم أيضا انتخابات ليخوضوها. الافتراض في عديد من العواصم هو أن من المحتمل أن يكون الوقت الآن متأخرا جدا لإنقاذ اليونان. وهم ليسوا متأكدين من أن سيريزا يريد أن يتم إنقاذه. لكن عواقب الإعسار والرحيل من منطقة اليورو ستكون مدمرة. سيخبرك الاقتصاديون بأن القدرة التنافسية الكبيرة المكتسبة من تخفيض قيمة العملة ستكون على مر الزمن أكبر من مجرد إلغاء تخفيض في مستويات المعيشة. مثل هذه الحسابات، على أي حال، تفترض وجود حكومة فاعلة لديها القدرة على الاستفادة من الميزة المكتسبة. والأرجح أنها سوف تهدر في زيادة الأجور والتضخم.
أحد الخيارات الآن هو أن يفرض الدائنون مواجهة مع أثينا بطرحهم صفقة لا بد لليونان أن تقبل بها أو ترفضها بتمامها، على غرار تلك الصفقة التي تم منحها لقبرص – يتوقع أن يرفضها تسيبراس. بعد كل هذا الإحباط والقدرية التي تخيم على المفاوضات، ليس هناك أي أحد حريص جدا على تنفيذ هذه الخاتمة. هناك مفارقة جميلة هنا: إذا كانت السياسة تدفع أثينا نحو الخروج من اليورو، فإن الجيوسياسة هي الشيء الوحيد الذي بإمكانه الآن إبقاؤها في منطقة اليورو.
تقع اليونان في الزاوية الجنوبية الشرقية، الحيوية استراتيجيا، من القارة الأوروبية. إنها توفر مدخلا للمهاجرين وطالبي اللجوء السياسي، الهاربين من حرائق منطقة الشرق الأوسط، وكذلك نقطة انطلاق محتملة للجهاديين الإسلاميين الساعين إلى جلب حروبهم إلى أوروبا. وتعتبر دول البلقان منطقة تتركز فيها بشكل مكثف جهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرامية إلى زعزعة التحالف الغربي. واليونان عضو في حلف الناتو. هل تستطيع أوروبا فعلا السماح للحكومة اليونانية بالوقوع في ذراعي موسكو؟ ما الإشارة التي يبعث بها ذلك إلى بقية دول البلقان؟ وماذا عن قبرص المقسمة؟
مثل هذه الأفكار هي التي تدور في رؤوس صناع السياسة في الوقت الذي تقترب فيه أثينا من كل موعد جديد للتسديد. هل التكاليف المترتبة على السماح لليونان بالخروج من منطقة اليورو تفوق الأعباء السياسية والمالية المترتبة على السماح لها بالبقاء والتعثر؟ هذه أمور من اختصاص رؤساء الحكومات وليس الفنيين.
مهما كانت النتيجة، هذه قصة لها نهاية حزينة. داخل أو خارج اليورو، وسواء كان ذلك بتقديم مساعدة إضافية إلى اليونان أو خلاف ذلك، لن تستطيع اليونان انتشال نفسها من الأزمة إلا حين تبدأ بإنشاء دولة أوروبية حديثة.