إلهام العاكوم
يبدو أن الفترة الحالية مناسبة أكثر من أي وقت مضى لشراء شقة صغيرة في بيروت تبعاً لتراجع في الأسعار تفرضه بعض الضغوط على المطوّرين العقاريين ويتراوح ما بين 15 و25 في المئة في بعض الحالات. وتبين الأرقام أن قطاع البناء شهد تراجعاً في أدائه خلال الأشهر الأولى من هذه السنة، ما يقدم فرصة لمن تتاح لهم القدرة المالية للحصول على شقة، في حين سجلت الشقق الفخمة ركوداً كبيراً في حركة المبيعات متأثرة بابتعاد المشترين الخليجيين واتجاه بعضهم للاستثمار في مشاريع بناء بدلاً من التملك في لبنان.
وانحسرت مؤشرات القطاع العقاري على أساس سنوي في 3 اتجاهات تعكس ركوداً لافتاً إذ بيّنت إحصاءات المديرية العامة للشؤون العقارية تراجع عدد المعاملات العقارية 18.23 في المئة إلى 12948 معاملة مع نهاية الفصل الأول من العام الجاري، من 15834 معاملة خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وسجلت قيمة المعاملات العقارية تراجعاً سنوياً بنسبة 20.82 في المئة إلى 1.62 مليار دولار مع نهاية الفصل الأول من 2015 مقارنةً مع 2.05 ملياري دولار خلال الفترة ذاتها من 2014.
وتلخص مصادر عقارية، في حديث إلى “المدن”، حال القطاع بالتالي: أولاً، إشتداد حال الركود بالنسبة للشقق الفخمة والتي ابتعد زبائنها، وخصوصاً الخليجيين، ما أوجد فراغاً كبيراً في هذه الشريحة من السوق وأدى إلى تراجع محدود في الأسعار بلغ نحو 10 في المئة.
ثانياً: في شريحة الشقق المتوسطة والصغيرة وجد المطورون أنفسهم تحت ضغوط مختلفة منها استحقاق ديون كانوا اقترضوها بضمان مشاريعهم، ومنها حاجتهم إلى السيولة لاستكمال مراحل البناء، فاضطروا إلى خفض الأسعار بنسب وصلت إلى 25 في المئة أحياناً.
وعلى سبيل المثال، فإن شقة صغيرة جديدة بمساحة 110 أمتار في منطقة عائشة بكار تُباع حالياً بما بين 300 و325 ألف دولار إنخفاضاً من 400 ألف دولار قبل سنة. وفي منطقة الصنائع بيعت شقق جديدة بمساحة 160 متراً مربعاً بنصف مليون دولار مقارنة بـ650 ألف دولار قبل سنة أيضاً.
وتوجز المصادر ذاتها الصورة في قطاع البناء بأنها ليست سيئة للغاية لكن التباطؤ الاقتصادي الحاصل على مستوى البلد بدأ يصيب هذا القطاع الذي لطالما شكّل مع القطاعين المصرفي والسياحي الرافعة الأساسية للاقتصاد بأكمله، مشيرة إلى أن الوقت مناسب جداً لشراء شقة لمن تتوفر لديه الإمكانات، ومستبعدة في الوقت ذاته حصول فقاعة تؤدي إلى تدهور كبير وسريع في الأسعار في الوقت الحاضر على الأقل.
واستناداً إلى إحصاءات نقابة المهندسين، تراجعت مساحات البناء المرخصة في لبنان، والتي تعكس توقعات مستوى العرض في القطاع، بنسبة 16.21 في المئة سنوياً إلى 2326136 متراً مربعاً خلال الفصل الأول من 2015، مقارنةً مع 2776141 متراً مربعاً في الفترة ذاتها من العام السابق. وفي مؤشر آخر، سجلت حركة تسليم شحنات الأسمنت، التي تشكل مؤشراً رئيساً للنشاط العقاري، تراجعاً ملحوظاً على صعيدٍ سنوي وبنسبة 38.79 في المئة مقارنةً بالمستوى الذي كانت عليه في كانون الثاني 2014، والبالغ حينها 429939 طنا.
ويأتي ما أشارت إليه المصادر العقارية متطابقاً مع وجهة نظر الخبير العقاري سامر عبدالله الذي رأى أن هناك ركوداً لم يصل إلى درجة الخطر بعد.
وقال في حديث إلى “المدن”: “نعلم أن عملية بيع العقار في لبنان تقوم على تسعير المتر المربع، واليوم يتعزز الإتجاه لشراء الشقق السكنية الصغيرة والمتوسطة وليس الشقق الفخمة، لذلك لا نستطيع القول إن السوق متراجعة، ولكن يجب القول إن الرغبة الشرائية متركزة على الشقق السكنية التي في متناول الشباب وليس لشراء الشقق الفخمة التي لها زبائن محددون، وهنا يمكن الحديث فعلاً عن ركود في هذا الجزء من السوق”.
أضاف: “الشباب اليوم يفضلون شراء الشقة على الاستئجار، لأن كلفة التملك عبر القروض السكنية تساوي قيمة الإيجار الشهري، لذلك يجدون في التملك فائدة أكبر”.
ووفق عبدالله فإن المناطق المتنوعة طائفياً أو مذهبياً تعاني تباطؤاً أكثر في حركة البيع وذلك تبعاً لأجواء الإحتقان السياسي القائم في البلد، وقال: “هذه حقيقة مؤلمة جداً، لكنها حقيقة وواقع لا يمكن التهرب من ذكرهما. فالمناطق المتنوعة طائفياً وبعض الأحياء في بيروت التي تتداخل فيها الطوائف والمذاهب من حيث التركيبة السكانية، تشهد تراجعاً في الإقبال على الشراء، وهذا يخفض الأسعار فعلاً، لكن على سبيل المثال في المنطقة الشرقية نلاحظ أن الحركة ممتازة خصوصاً في المتن”.
ورداً على سؤال عن خروج المستثمرين الخليجيين من السوق وتخلص السعوديين تحديداً من عقاراتهم في لبنان، أوضح عبدالله أن هذا الحديث يبقى في الإطار العام ولا توجد له أسس محددة، وقال: “خلافاً للكلام الكثير الذي قيل في هذا السياق ليس هناك هروب على مستوى جماعي من السوق العقارية، والبيع يتم تحديداً في بعبدا وخصوصاً مناطق صوفر وبحمانا وبحمدون، لأن نسبة تملك الأجانب وصلت إلى الحد الأعلى”. وأضاف: “القول بأن هناك عمليات بيع كبيرة وبأسعار منخفضة قد يكون مضخماً نوعاً ما، لأن المالك الذي اشترى عقاراً قبل سنوات وإن باعه اليوم بسعر أقل من قيمته السوقية إلا أنه يجني من ورائه أرباحاً تراكمت بحكم مرور الزمن، وهذا طبيعي”.
وكشف أن الإستثمار السعودي في لبنان تحوّل من شراء الأراضي والشقق إلى الإستثمار في تمويل مشاريع البناء في مناطق مختلفة، وقال: “أصحاب رؤوس الأموال الخليجيين يبحثون عن موطئ قدم آمن لاستثماراتهم، ولبنان لا يزال في منأى نسبياً عن الخطر الموجود في المنطقة، ولبنان سيشكل نقطة استقطاب لرؤوس أموال خليجية ستدخل في اعتقادي في مشاريع البناء خلال المرحلة المقبلة، وهناك مشاريع قيد الدرس في هذا الإطار حالياً، لكن من المبكر الحديث عنها ربما”.