أكد شادي كرم، مستشار رئيس الحكومة اللبنانية، والمستشار السابق لرئيس الجمهورية، على أهمية الاستفادة من مؤتمر رجال الأعمال الصينيين والعرب الذي سينعقد في بيروت غدا، معتبرا أن العملاق الصيني سيكون الاقتصاد الأهم في العالم خلال عشر سنوات، ومن المفيد التأسيس لعلاقة تكاملية بينه وبين العرب الذين يمتلكون ما يحتاجه وهو الطاقة، ويحتاجون ما يمتلكه وهو التكنولوجيا واليد العاملة المحترفة.
وقال كرم، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن السياسيين اللبنانيين «حجر عثرة» أمام التقدم الاقتصادي، آملا أن يستطيعوا تجاوز الحسابات السياسية والسماح للبنان بمواكبة مشروع حزام الحرير الصيني الذي يشكل فرصة ذهبية للبنان والعالم العربي والصين في الوقت نفسه. ورأى كرم أن «أهمية هذا المؤتمر هي أن لبنان استطاع في الوضع الصعب الذي يعيشه أن يجتذب رجال أعمال بمستويات عالية، وشخصيات سياسية، للاجتماع في ربوعه. وهذا الأمر جيد مهما كان مستوى الحضور، فكيف بالأحرى إذا كان المؤتمر يضم 250 رجل أعمال ومسؤولا صينيا، ومثلهم من رجال الأعمال العرب ومن الاتحادات العربية». وشدد على أن «هذا الأمر في حد ذاته يظهر أهمية هذا المؤتمر والفعاليات التي سوف تصاحبه».
وقال كرم «إن المؤتمر وسلسلة الفعاليات التي نعقدها كرجال أعمال عرب مع الصينيين مهمة، لأنها تنظم عملية التبادل التجاري والصناعي والثقافي مع بلد هو حاليا من أهم الاقتصادات العالمية، وقد يصبح الأهم خلال أقل من 10 سنوات». وأكد أن «تطوير العلاقات مع الصين مهم جدا، خاصة أننا نمتلك معهم خاصية التكامل الاقتصادي، فهم تنقصهم الطاقة، ونحن نعتمد على الاستيراد بشكل رئيسي لتأمين حاجاتنا، ولدينا مخزن هائل من الطاقة».
وأوضح كرم أن «الصين أطلقت في عام 2013 مبادرة مهمة جدا أسسها الرئيس الصيني الحالي، وهي فكرة مهمة جدا، لأنها إعادة لإحياء طريق الحرير من الصين مرورا بالشرق الأوسط وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط. وهذا الطريق يجب أن يكمله حزام اقتصادي تقوم حوله، وعليه، سلسلة من المشاريع الاقتصادية المهمة، أولها البنى التحتية، لأنه لا تجارة ولا تبادل من دون بنى تحتية، كالطرقات والاتصالات والإنترنت والمواصلات عامة. وهذه مشاريع يجب أن توضع كلها قيد التنفيذ. وعلى هذا الطريق ستكون هناك محطات هي منصات لانتشار الفكرة في البلدان الموجودة على ضفتي الحزام الاقتصادي».
أما عن دور لبنان في هذه العملية، فيقول كرم «في لبنان موقفنا مهم جدا، لأن موقعنا الجغرافي مهم جدا على هذا الطريق، ويمكن أن نكون منصة مهمة جدا، بسبب عنصر مهم جدا هو الانتشار اللبناني في الخارج، وتحديدا في أفريقيا والعالم العربي، لتطوير هذه المبادرة».
ويشير كرم إلى أن الصينيين يحاولون من خلال هذه الخطة زيادة نفوذهم في المنطقة، وهذا النفوذ لا يمكن أن يكون عسكريا وسياسيا على غرار النفوذ الأميركي، فهم يريدون الدخول من باب أذكى هو الباب الاقتصادي والتعاون التجاري فخرجوا بهذه الفكرة، معتبرا أن عامل النجاح المهم هو أن الصينيين يدخلون المنطقة، في وقت يخرج فيه العالم الرأسمالي من أزمة عام 2008 التي لم يخرج منها بالكامل بعد، ولا يزال يعاني من آثارها لليوم. وقال «الصينيون أعلنوا بوضوح عدم رضاهم عن البنك الدولي وسياساته. وقالوا إنهم حاولوا إصلاحه ففشلوا في إيجاد توازن في كل المجالات بسبب النفوذ الأميركي كما يقولون. ولهذا قام الصينيون أواخر العام الماضي بمبادرة لإنشاء مصرف استثماري هدفه تمويل الاستثمارات في البنى التحتية، ودور هذا المصرف مساند لفكرة الحزام الاقتصادي وتطوير طريق الحرير، وهو العمود الأول للمبادرة عن طريق إنشاء بنية تحتية متينة، كما اتخذوا قرارا بخلق صندوق استثمار، سيقوم بالاستثمار المباشر في البنى التحتية خلافا لدور المصرف الذي ينحصر عمله بالتمويل».
ويشير كرم إلى أن «لبنان قادر على القيام بدور مهم في هذا الموضوع، إذا ما رضي السياسيون اللبنانيون عنا»، موضحا أن «لبنان قد يصبح رقما مهما في إنتاج الغاز الطبيعي إذا ما تذللت العقبات السياسية أمام عملية استخراج المخزون الطبيعي لدينا، وهذا يجعله قادرا على الاستفادة من الإمدادات وطرق المواصلات، وشبكة نقل الطاقة»، معتبرا أن هذه العملية «مهمة جدا وسوف تأتي علينا بنتائج إيجابية مهمة جدا، إذا عرفنا كيف نستفيد منها». وعن الدور المطلوب من السياسيين اللبنانيين، قال كرم «يجب على السياسيين القيام بتوقيع اتفاقات شاملة ودقيقة تسمح لنا بالاستفادة، ليس فقط من خلال نقل البضائع، بل انتقال التكنولوجيا المتقدمة حتى نصبح من المنتجين».
وعن الاستعدادات الحكومية اللبنانية للاستفادة من هذا المؤتمر، أجاب كرم «لدينا سلسلة من المشاريع التي حضرتها الحكومة اللبنانية لطرحها على المؤتمر والحلقات العديدة التي سوف تعقد فيه»، مشيرا إلى أن بعض هذه المشاريع كانت محضرة لتقديمها في مؤتمر الكويت الأخير للدول المانحة، مشيرا في المقابل إلى وجود سلسلة من المشاريع الإنمائية التي حضرها مجلس الإنماء والإعمار وتتضمن طرقات وسدودا ومشاريع أخرى، وهي مشاريع جاهزة لجهة الدراسات والتمويل أيضا، لكن المشكلة هي في القرار السياسي. وقال «القطاع اللبناني الخاص والمصارف ومؤسسات التمويل العربية والدولية حضرت، وأبدت استعدادا تاما للتمويل، لكن المشكلة أننا لا نتخذ القرار بسبب التجاذبات السياسية»، معتبرا أن «ما يدفعنا إلى التخلف هو التخلف السياسي القائم». ويضيف «هناك مشاريع تحتاج إلى قرارات من مجلس الوزراء وأخرى تحتاج إلى قوانين من مجلس النواب وكلها معطلة بسبب الوضع السياسي، وأنا لا أمتلك أملا بإمكانية تغيير هذا الواقع قريبا. المؤتمر سيفتح أبوابا مهمة جدا، وأملي أن تتفتح أذهان السياسيين لإدراك أهميته، وأن نستطيع مع القطاع الخاص ترجمة الأمور إلى أفعال».