IMLebanon

من قرية منسية إلى قبلة سياحية قرنعون اللبنانية

Karnaoun-Batroun-Lebanon
أحيا مشروع سياحي- تراثي قرية قرنعون اللبنانية التي هجرها أهلها خلال الحكم العثماني. القرية الجديدة تحولت إلى قبلة سياحية تقدم خدمات متنوعة وتعطي فسحة للهرب من ضغوط الحياة اليومية.

تدب الحياة كل يوم منذ الصباح الباكر في أوصال قرية قرنعون التراثية اللبنانية في منطقة البترون،فالقرية التي تم إحياؤها تقدم خدمات وأنشطة ذات طابع تراثي وعلى العاملين فيها الاستعداد لاستقبال أول الزائرين. وقد تحولت خلال السنوات القليلة الماضية إلى قبلة سياحية لأناس من كل المناطق وكل الأعمار يأتونها هربا من ضوضاء المدينة وباحثين عن ترفيه تراثي حوّلته الحياة المعاصرة إلى عُملة نادرة.
قرنعون هي واحدة من أكثر من مائتي قرية هجرها أهلها و اندثرت معالمها خلال الحكم العثماني للبنان بين القرنين الرابع عشر والتاسع عشر، وذلك بفعل عوامل عدة أبرزها الضرائب العالية التي كان يفرضها الباب العالي. أما إعادة تحديد موقعها الجغرافي الذي يقع ضمن أملاك الرهبنة المارونية فيعود الفضل فيه إلى السيدة دورا حكيم التي استأجرت الأرض بموجب عقد استثمار طويل الأمد وحولت القرية إلى مشروع سياحي مثمر لم تكن بدايته سهلة. “أردنا إطلاق المشروع على أساس استثمار 250 ألف دولار كانت متوفرة لدينا، غير أن كنا بحاجة إلى ما يزيد على 800 ألف دولار في المرحلة الأولى من المشروع، السؤال من أين نأتي بالمال؟، لاسيما وأن البنك يحتاج لضمانات ليست متوفرة لدينا”، تقول دورا وتضيف: ” جاء الحل عن طريق الأهل والأصدقاء الذين لديهم بعض المال جانبا، هؤلاء قدموا لنا مبالغ تتراوح بين 10 إلى 50 ألف دولار للعمل بها ريثما نقف على أرجلنا ونعيدها لهم”.

قرية تراثية بخدمات متميزة

تستقبل القرية منذ اكتمالها كمشروع سياحي قبل بضع سنوات نحو ألف وخمسمائة زائر أسبوعيا، يتوافد أكثر من نصفهم خلال عطلة نهاية الأسبوع. ويبلغ رسم الدخول أربعين دولارا للشخص الواحد يتضمن الاستفادة طوال النهار من خدمات القرية بما فيها ركوب الحنطور والمشاركة بألعاب والتمتع بالمأكولات اللبنانية الشهية.
وعدا عن الزائرين اليوميين تحولت القرية أيضا إلى مقصد للكثيرين من الراغبين في إقامة حفلات زفافهم، حيث يُنظم في ربوعها أكثر من عشرين حفل زفاف خلال أشهر الصيف. والطريف أن قرنعون تحمل الرقم القياسي في موسوعة غينس لأطول طرحة عروس وضعتها عروس على رأسها.

متنفس للهروب من ضجيج الحياة اليومية

شكل نجاح المشروع من ناحية الجدوى الاقتصادية مفاجأة كبيرة للكثيرين حيث تتجاوز إيراداته عتبة الأربعة ملايين دولار سنويا. إلا أن الخبير الاقتصادي الذي اشرف على دراسة جدواه، جهاد جعجع، يبدو أقل تفاجئاً، إذ يعتبر الأمر دليل نزعة لبنانية، وربما عالمية للهروب ولو لساعات من ضغوط الحياة اليومية التي فرضها العصر الحديث نحو أوقات أكثر بساطة وعفوية.
ويرى الخبير بأن ” المواطن اللبناني الذي يزور قرنعون لساعات قليلة يدرك أن المدينة في نهاية المطاف هي قدره الذي يصعب عليه تغييره، وذلك في ظل غياب أي سياسة جدية لدى الدولة للتنمية في الأرياف حيث لا تزيد نسبة مساهمة الزراعة، وهي المهنة التي ترتبط عادة بسكان القرى، على الستة بالمائة من إجمالي الناتج المحلي. في هذا السياق يشير تقرير للأمم المتحدة أن ما يقارب الثمانية والثمانين بالمائة من سكان لبنان يسكنون اليوم في المدن، وأن نحو خمسة وعشرين بالمائة من هؤلاء، أي ما يزيد عن المليوني نسمة، يسكنون في العاصمة بيروت وحدها.