IMLebanon

كيف تريد 8 آذار أن يقرأ اللبنانيون خطاب نصرالله؟!

hassan-nasraalah

 

اعتبرت صحيفة “السفير” أن خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، في العيد الـ 15 للمقاومة والتحرير، ازدحم بالرسائل التي توزعت في اتجاه التكفيريين والعدو الإسرائيلي والعرب و”تيار المستقبل” وجمهور المقاومة وأهالي عرسال.
ما بين 25 أيار 2000 و25 أيار 2015، أصبح للعدو الإسرائيلي الأصلي وجه آخر، وامتدت الجبهة من الحدود مع فلسطين المحتلة الى كل مكان يتواجد فيه “الحليف الموضوعي” لإسرائيل متمثلاً في “داعش” و”النصرة”.
وعلى سعة هذه الجبهة العابرة للحدود، أتى خطاب نصرالله الذي استند في كل مفاصله الى روح معنوية مرتفعة، أراد السيد أن يضخها، ليس فقط في البيئة الشعبية الحاضنة لـ”حزب الله”، وإنما في كل ساحة عربية تخوض المواجهة مع الارهاب التكفيري، من سوريا الى اليمن مروراً بكل الدول المهددة والمستهدفة.
وبرغم كل المخاطر الوجودية المحدقة، أبدى نصرالله ثقة تامة في القدرة على مواجهتها وإزالتها، ولعله اختصر هذه الثقة بتأكيده “أن الدنيا بألف خير، ولا حاجة الآن الى التعبئة العامة”.
ليس خافياً، أن ما تسرب الى الاعلام حول نية السيد الدعوة الى التعبئة العامة لمقاتلة القوى التكفيرية أحدث نوعاً من القلق في أوساط بعض الجمهور اللبناني الذي استشعر أن التهديد تفاقم الى حد يتجاوز إمكانيات المقاتلين المحترفين في الحزب، لا سيما أن التعبئة تعني ان كل من هو قادر على حمل السلاح سيكون معنياً بالقتال.
بابتسامة صغيرة، احتوى نصرالله هذا الهاجس، مؤكداً أن الحزب يستطيع بقدراته الحالية إدارة معركة قائمة مع الإرهاب وأخرى محتملة مع اسرائيل، محتفظاً في الوقت ذاته ضمن الاحتياط الإستراتيجي بـ”ورقة” التعبئة القابلة للاستخدام إذا لزم الامر، وعندها سينزل «عشرات الآلاف من الرجال الرجال الى الميادين.
وإذا كان نصرالله قد أبدى صلابة في مواجهة الخطر التكفيري، فإنه مدّ في المقابل يد الأخوّة الى أهالي عرسال، مفككاً بذلك لغم الفتنة المذهبية الذي زرعه خطاب بعض الأطراف الداخلية على الطريق بين عرسال ومحيطها الشيعي.
كان السيد حازماً في تأكيد حرص الحزب على أمن عرسال وسلامة أهلها، واضعاً بذلك حداً قاطعاً لمحاولات الاستثمار المذهبي في هذا الملف، ومطالباً الدولة بتحمل مسؤوليتها في تحرير البلدة من احتلال المجموعات المسلحة، وفق التوصيف الذي كان قد استخدمه وزير الداخلية نهاد المشنوق.
لكن نصرالله بدا واضحاً كذلك في التمييز بين خصوصية عرسال البلدة، والوضع السائب في جرودها الخاضعة لسيطرة عناصر الجماعات التكفيرية. هنا، لم يترك الأمين العام أي مجال للتأويل او الاجتهاد، حين أعلن بصراحة انه في حال امتناع الدولة عن تأدية دورها فإن أهالي بعلبك – الهرمل لن يقبلوا ببقاء ارهابي او تكفيري واحد في اي من جرود البقاع.
أوحى نصرالله بأن قرار حسم الموقف الميداني في جرود عرسال قد اتخذ، أما تنفيذه من عدمه فيتوقف على طبيعة الخيار النهائي للحكومة والكيفية التي ستتعامل بها مع هذا التحدي للسيادة والاستقلال.
ولئن كان البعض يعتبر ان معادلة “الجيش والمقاومة والشعب” أصبحت من الماضي، فإن السيد لم يكتف بالتشديد على انها لا تزال حية ترزق، بل أشار الى انه جرى تصدير هذه المعادلة الذهبية التي صُنعت في لبنان الى سوريا والعراق واليمن، انطلاقاً من كونها اثبتت بالتجربة أنها تشكل ضمانة للانتصار.
وكان لافتاً للانتباه، ان نصرالله خاطب السعودية بلغة هادئة، خلافاً للخطابات السابقة، داعياً إياها الى وقف العدوان على اليمن وتسهيل الحوار اليمني الداخلي والحل السياسي، “لأن داعش أصبحت في حضن الجميع وعلى أبواب الجميع”، في إشارة ضمنية الى الاعتداء الانتحاري الذي طال أحد المساجد في القطيف.
وإزاء الحرب الوجودية المفروضة، دفع نصرالله في اتجاه تغليب أولوية مواجهة الارهاب على أي اعتبار آخر في هذا المرحلة: “في معارك الوجود تؤجل المعارك الأخرى، المصالح والامتيازات والإصلاحات والديموقراطية، وفي كل دول العالم لمّا يقع الخطر الوجودي، تسكت المعارضة عن الحكومة بل تتعاون معها وقد تساندها في خياراتها”. كأن السيد، بهذا الكلام، ينصح ضمناً العماد ميشال عون بعدم الذهاب بعيداً في الاشتباك السياسي مع خصومه حول الملفات المحلية، على أهميتها.
وركز نصرالله على تصحيح مفاهيم الصراع مع التكفيريين فأخرجه من العباءة المذهبية التي يحاول البعض حشره فيها، بغية تصويره صراعا سنيا – شيعيا، موحيا بأن المواجهة هي حضارية لأنها تدور بين مشروع ظلامي إلغائي و”الآخر” أيا كان انتماؤه.
من جهتها، كتبت صحيفة “الأخبار”، أنه بدا في الاونة الاخيرة، ان جيش المترددين قد كبر في منطقتنا. كثيرون لا يريدون مواجهة حقائق المواجهة القائمة… ولان الامور على هذا القدر من الوضوح، كان ضروريا ان يخرج السيد حسن نصرالله بالموقف الحاسم، غير القابل للتأويل. وهو ما يفرض على جمهور المقاومة ليس فقط الحماسة للخطاب المرتفع والواضح، بل التوقف عن مضغ الكلام، وعن الدخول في تحليلات وترهات تعكس مراهقة.

وبات واضحا ان من يرى نفسه في هذا المحور، عليه ادراك ان المعركة تطاوله مباشرة. تطاوله في بيته وعائلته واولاده وجيرانه ووظيفته وتعليمه وصحته قبل حريته وكرامته. وهذا يفرض عليه التوقف عن ترف البحث عن خيارات تلائم بين ليل ونهار. فلا مجال لمشتركات بعد اليوم مع الفريق الاخر. لقد انهى هؤلاء، كل صلات يمكن ان تحدث فرقا في ادارة شؤون الحياة. ولا معنى بعد اليوم، لاي تسوية مع قوى وجهات تكمن وتغدر كلما اتيح لها الوقت. ولا معنى بعد اليوم، لحوار باسم تبادل الرأي مع أناس يتظاهرون بحرية الاختيار، لكنهم يعملون خادما وفيّا عند من يقتل اهلهم بموافقتهم.
انه باختصار زمن الحسم. زمن النزول عن التل. زمن الانخراط في المعركة المباشرة. زمن الاختيار بين خطين، ونمطين، ومنهجين. زمن قبول التحدي. وعلينا ان نختار بين الانتماء الى زمن الجهل والظلامية، والانخراط في معركة ابادة هذا التيار. وهي معركة تلامس رفض اي تعاطف او تبرير مع الارهاب. هو زمن، يتطلب الموقف الحاسم مهما كان قاسيا، ومهما كان مؤلما. ومن يعتقد بوجود مربع ثالث، فليذهب اليه، وليظهر لنا جدواه.
في زمن الحسم، سوف تكون الامور شديدة الوضوح، سوف تفقد الكثير من معاني التسامح التقليدي. هو زمن الرد على جريمة الابادة التي يقودها محور الجنون باسم داعش وفكرها. هو زمن الرد بقسوة، وبلا رحمة، على كل من يساعد هذا المحورالشرير، قولا وفعلا وانخراطا.
في زمن الحسم، على الناس ان يختاروا جهة ويقبلوا قيادة تمنحهم الثقة لادارة المعركة. هو زمن، لا مكان فيه لترف البحث والتمحيص. هو زمن العقل الحقيقي، وزمن تركيز الجهود في سياق واحد. فلا مجال لتأويل او اجتهاد او مكابرة او انكار. ولا مجال لمزايدة او سفسطة او احتواء. ومن يجد، عن مصلحة او عن قناعة، انه في قلب هذه المعركة، فعليه النظر الى اخر المشهد، لا الى تفاصيله التي تجعله قابلا للاحباط والضعف والتراجع. ومن لا يقدر على الانخراط، وكانت لديه القناعة، فليعرنا صمته على الاقل.
في زمن الحسم، على كل اعدائنا توقع الوضوح الكامل منا. سنرمي في وجوه هؤلاء كل جرائمهم، وكل عمالتهم، وكل انخراطهم في جريمة العصر الكبرى. وفي زمن الحسم، لن نحتال على انفسنا، ولا على خصومنا بكلام معسول من قبيل الاحتواء والتحييد، بل سنستنفر كل شيء في اعدائنا، وسوف نلزمهم ازالة بقايا الاقنعة والنزول الى الميدان. ولن نستمر في لعبة الصمت باسم المسؤولية الوطنية، او التعايش والمساكنة والمحاباة والحنين الى زمن مضى، وسنكون اكثر قساوة في معاملة هؤلاء، وبما يليق بهم، كعملاء قذرين تلفظهم الرياح الساخنة، الى حيث يجب ان يكون مصيرهم الاسود.
إنه زمن تغيير كل قواعد اللعبة في عالمنا العربي، فلا دساتير بالية تبقى، ولا منظومات حكم وضعها الاستعمار تصلح لاستقلال حقيقي، ولا وحدة وتماسك من دون دولة واحدة قوية، لا تقف عند خاطر فئات تبرر عمالتها للخارج بخوفها على خصوصيتها.