جون جابر
زيارتي إلى سان فرانسيسكو لأول مرة بعد بضعة أعوام من آخر مرة زرتها فيها توضح لي إلى أي مدى تغير وجه المدينة. الذي حدث أيا كان ما تدعوه – طفرة، أو فقاعة، أو تدفقا من الأموال إلى ما كان يوصف بأنه تكنولوجيا جديدة، قبل أن تصبح كلمة “جديدة” زائدة على الحاجة – أضاف إلى واقع المدينة.
في الماضي، كانت هناك فجوة تفصل بين جنوبي كاليفورنيا وشماليها – بين هوليوود ووادي السليكون. إلى الجنوب كان يوجد مصنع الأحلام للخيال والإبداع؛ وفي الشمال كان العلم والأدوات، مثل الترانزيستور، وأصحاب رؤوس الأموال المُغامرة برداء الشينو، الذين كانوا يعملون في مجمعات تجارية على طريق ساند هيل، ويعيشون في ضواح مترامية الأطراف. كانت سان فرانسيسكو مدينة سياحية جميلة، لكن مملة.
لكنها الآن تبدو أكثر مثل هوليوود، مليئة بالأشخاص الذين يقومون بكتابة النصوص وصقل العروض. رجل في منتصف العمر أخبر صاحب مشاريع شاب وهما يجلسان على طاولة قريبة في مطعم صباح يوم اثنين: “الشركات العالمية الجديدة الشجاعة تستحدث شيئا لم يكُن موجوداً من قبل. فهي لا تقوم فقط بتوفير المال لشخص ما”. هذا الشخص اللطيف ينبغي أن يصوّر مشروعه على أنه أقرب إلى كونه “أسرع، أفضل، أرخص”.
في وقت لاحق من ذلك اليوم، أحد أصحاب رأس المال المُغامر وصف قرار شركته برفض أوبر، عندما كانت تقوم في البداية بجمع المال، بأنه “افتقار مؤسف إلى الخيال”. كان ينبغي أن يُدرك الشركاء أن محاولة تقديم خدمة الليموزين عبر الهواتف الذكية في سان فرانسيسكو تعني منصة لإحداث ثورة في مجال النقل العالمي. بدلاً من التفكير في العقبات القانونية، كان عليهم إيقاف استغرابهم تجاه المشروع.
الأشياء القديمة بدأت تنكمش – صحيفة “سان فرانسيسكو كرونيكال” أصبحت ضعيفة ومليئة بالمواضيع التي تأتي من الوكالات – والجديدة تكبر. هناك منطقة بالكامل نشأت حول حوض الصين، على حافة المدينة. شركة أبل، التي اعتادت نحت المتاجر داخل المباني القديمة، هدمت مبنى بجوار ساحة الاتحاد لبناء “فوستر + بارتنرز” لتجارة التجزئة. وحانات المدينة أنيقة ونابضة بالحياة.
يشهد وادي السليكون واحدة من تلك اللحظات التاريخية عندما تبدأ مجموعة من شركات التكنولوجيا بالعمل – والعمل معاً – بطرق غير متوقعة. في هذه الحالة، التفاعل بين مجال الهاتف الخليوي، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي، يعمل على إنتاج موجة من التطبيقات والأجهزة، من برامج التفعيل بالصوت إلى السيارات ذاتية القيادة. الآلة تعرف ماذا تريد وأين أنت، وتتعلم بثبات كيف تخدمك.
أندرو مكافي، المؤلف المشارك لكتاب “عصر الآلة الثاني”، يصف تجربة نقله في واحدة من سيارات جوجل ذاتية القيادة بأنه الانتقال “من الحدث المُرعب إلى المُثير إلى الممل في 15 دقيقة”. ليس فقط أن الآلة تقود بكفاءة، لكن أيضاً مع قدرة مملة على التنبؤ، وتراقب باستمرار الحد الأقصى للسرعة وتُبطئ عند كل عقبة، كما لو أنها تحاول باستمرار اجتياز اختبار القيادة.
ما وراء الابتكارات التي أصبحت فجأة تبدو روتينية، مثل التعرّف على الوجه والصوت، تكمُن التطورات السريعة في التعرّف على الأنماط والأشكال الناشئة من الذكاء الاصطناعي. قدرة أجهزة الكمبيوتر على تدقيق قواعد البيانات وفهم ما يقوله الناس، وما يقصدونه وما يرغبون فيه، بدأت تتطوّر بشكل أسرع مما توقعه كثير من الباحثين.
نتيجة لذلك، كثير من المساهمين حريصون على وضع الأموال في الشركات الناشئة التي تبدو كما لو أنها تمتلك قطعة من التكنولوجيا وفكرة عمل ستقوم بتشكيل، على الأقل، جزء من العالم الجديد الشُجاع. الخوف من تفويت ذلك يتغلّب على الخوف من فقدان الأموال، كما قال أخيرا بيل جورلي، من شركة بنشمارك كابيتال.
فقاعات الاستثمار المشهورة في التاريخ غالباً ما كانت تتشكل حول مثل هذا المزيج من الأموال السهلة والاختراعات الخيالية، وكان بعض أصحاب رأس المال المغامر اليوم قد عانى الكثير من إخفاق فقاعة الدوت كوم عام 2000. حين تحثّهم بخصوص هذا الموضوع ستجد أن استجابة المتفائلين هي أن مبلغ الـ 48 مليار دولار الذي استثمرته صناديق رأس المال المُغامر في الولايات المتحدة العام الماضي هو مجرد نصف المبلغ الذي تم تداوله في الذروة الأخيرة التي حدثت قبل 15 عاماً.
هذا يتجاهل حقيقة أن الكثير من الأموال الجديدة لا تأتي من صناديق المال المُغامر، لكن من مساهمين آخرين، بما في ذلك صناديق الاستثمار المشترك، مثل تي راو برايس وفيديليتي. ثلاثة أرباع الجولات الأخيرة لجمع التمويل من قِبل “الشركات الناشئة الكبيرة” – الشركات الناشئة التي تبلغ قيمتها مليار دولار أو أكثر – قادها مساهمون “غير تقليديين”، وذلك وفقاً لدراسة أجرتها أخيرا شركة فينويك وويست للمحاماة، القائمة في وادي السليكون.
أحدهم هو كارل إيكان، المساهم الناشط، الذي وضع الأسبوع الماضي 100 مليون دولار في شركة ليفت، الشركة المنافسة لشركة أوبر. وغالباً ما يعمل إيكان على جعل الحياة صعبة على أهداف استثماره، لكنه كأي شخص آخر مفتون بخيارات وادي السليكون. وقد كتب مادحاً شركة أبل بشكل مبالغ فيه الأسبوع الماضي: “سنكون أول من يعترف بأنكم على دراية بهذه المجالات أكثر منا”.
وول ستريت تحتاج إلى وادي السليكون أكثر من حاجة وادي السليكون إلى وول ستريت. جولات التمويل الكبيرة في مراحل متأخرة، مثل جولة تمويل شركة ليفت، تسمح للشركات الناشئة الكبيرة بأن تبقى فترة طويلة في القطاع الخاص، بدلاً من أن يتم الاستحواذ عليها أو السعي من أجل عمليات الاكتتاب العام الأولي. وهي قادرة على متابعة جهودها لتغيير العالم دون أن يكون العالم قادراً على استباق ما يدور في بالها.
فهل من العجب أن الكثير من أصحاب مشاريع التكنولوجيا الشباب، والمهندسين الذين يستخدمونهم برواتب عالية وحزم أسهم غنية، يساورهم شعور جيد حيال أنفسهم كما لو أنهم نجوم سينما؟ يقول أحد أصحاب رأس المال المُغامر: “هؤلاء الأشخاص لا يخشون الشركات الكبيرة بالقدر الذي ينبغي لهم. إنهم يعتقدون أن بإمكانهم مجرد رمي الحجارة عليها والفوز”.
إنهم ينشئون واقعاً جديداً، أو على الأقل يبدو أنهم كذلك – الأمر الذي يكفي لجذب الأموال. بالطبع، هذا الحال لن يدوم إلى الأبد. مجموعة كبيرة من الشركات الناشئة الكبيرة قد تختفي، تاركةً الأشخاص يتساءلون لماذا كانوا بهذه السذاجة. لكن وادي السليكون هو مكان رائع لتكون فيه.