تحت غطاء “سياسة الإقتصاد الحر” يتلطى معظم التجار في لبنان للمتاجرة بمال المواطن اللبناني وصحّته، وباسم “الإقتصاد الحر” أيضاً تشرّع الحدود أمام جميع السلع، من كل دول العالم، من دون أدنى قيد أو شرط باستثناء اشتراط الجودة، ولكن ماذا عن المُنتج اللبناني؟ هل يمكنه الوقوف في وجه المُنتج المستورد؟ وإلى أي مدى يشكّل المُنتج المستورد حاجة للسوق اللبنانية؟ وهل يراعي المستوردون معايير حاجة السوق وقدرتها على الإستيعاب واحتمال الإيقاع بالمنتجات اللبنانية في شرك الكساد؟
كل تلك الأسئلة لا تعني التجار والمستوردين، بل ما يعنيهم “قدسية” “الإقتصاد الحر” وعدم المساس به، حتى وإن كان بهدف إعطاء بعض الزخم للمنتج الزراعي أو الصناعي في لبنان، لأن في “قدسيته” حماية لمصالح كبار التجار الدوليين والمحليين، وفي انتقاده تعرّضاً لـ”سياسة الإقتصاد الحر”، التي يعتبرها البعض “ميزة لبنانية فريدة”، غير مبالين بما تعانيه القطاعات الزراعية والصناعية في لبنان جراء حرية الإقتصاد في ظل غياب دور الدولة في حماية الإنتاج الوطني.
كثيرة هي القطاعات الزراعية والصناعية في لبنان التي تنتج وتغامر بإنتاجها خوفاً من خروجها من السوق، وذلك بسبب إغراق الأسواق بكميات غير مدروسة من المنتجات الأجنبية المنافسة وفي أوقات غير ملائمة، وهنا لا نتحدث عن مفهوم المنافسة المتكافئة، ولاسيما أن غالبية دول العالم تدعم قطاعاتها الانتاجية في حين تُمنع من دعمها الدول النامية ومن بينها لبنان، بحجة احترام قواعد التجارة العالمية والإقتصاد الحر.
وحماية لبعض المنتجات اللبنانية الرائدة والمهددة بالاغراق، اتخذت وزارة الصناعة أخيراً قرارات تفرض على المستوردين الحصول على إجازات مسبقة للإستراد، تحدّد الوزارة بموجبها الكميات المستوردة وتوقيتها، ولكن ما إن ابصر القرار النور حتى هبّت عاصفة الإعتراضات من قبل المستوردين وكبار التجار، معتبرين أن القرار ضربٌ لما يُعرف بـ”سياسة الاقتصاد الحرّ” وتوجيهٌ للاقتصاد وتكبيلٌ له وعرقلة لحركة انسياب البضائع، وفي مقابل المعترضين كان لجمعية الصناعيين رأي مختلف تماماً، إذ رحبت بـ”تقنين” استيراد بعض السلع حماية لها.
وإذا أخذنا على سبيل المثال صناعة رقائق البطاطا (التشيبس)، وهي أحد المنتجات التي طالها قرار الإجازات المسبقة، فالمصانع اللبنانية تنتج من “التشيبس” كميات تكفي حاجة السوق المحلية والتصدير معاً، في حين أن المنتج يتعرّض لمنافسة قاسية جداً لأن غالبية الكميات المستوردة (لاسيما العربية منها) معفاة من أي رسوم جمركية للدخول إلى لبنان. كما تتكلّف مصانع “التشيبس” في لبنان لاستيراد مواد التغليف والزيت المهدرج والنكهات، وكلها اصناف تدخل في صناعة “التشيبس”، بينما غالبية الدول التي يتم الاستيراد منها لديها حماية لإنتاجها الوطني، بعكس لبنان، فماذا يمكن أن تسمى هذه المنافسة إلا بـ”المنافسة غير الشريفة أو غير المشروعة”؟
وعلى الرغم من الضغوط التي يمارسها رافضو قرار الإجازات المسبقة للإستيراد، إلا أن وزارة الصناعة، وبحسب مصدر مطلع، يبدو أنّها عازمة على توسيع لائحة المواد الخاضعة للإجازات المسبقة، غير آبهة بـ”نظرية الإقتصاد الحر” أو بقيود الإتفاقات الدولية التي ينعكس تطبيقها سلباً على الإنتاج الوطني، ومتسلّحة بكل بساطة بـ”صلاحيات الوزير”، فهل تنجح في حماية الإنتاج الوطني من الإغراق والمنافسات “غير الشريفة” فعلاً؟