IMLebanon

السندات .. حين تحل النهاية ستكون كريهة

StockMarketsConfusion

ميرين سومرست ويب

عندما تسلمت مارجريت تاتشر السلطة في المملكة المتحدة، أوضحت تماماً أنها تنوي معالجة التضخم – وبسرعة.

في صيف عام 1979، بدأت بتحديد هدف يبلغ 7-11 في المائة لنمو عرض الأموال ورفع سعر فائدة المصارف (في ذلك الحين كانت MLR – سعر الفائدة الأدنى للإقراض) من 12 إلى 14 في المائة.

في تشرين الأول (أكتوبر)، أكد وزير المالية في حكومتها، السير جيفري هاو، حقيقة أن المعركة ضد التضخم سيكون الفوز بها من خلال السياسة النقدية. وفي ذلك الحين، ولمن لم يستمع يستمع جيدا في الحي المالي، أعادت تاتشر توضيح الأمر مرة أخرى في خطابها في مأدبة عمدة الحي المالي.

بعد يومين، في 15 تشرين الثاني (نوفمبر)، رُفِع سعر الفائدة الأدنى للإقراض إلى معدل الأزمة، ليُصبح 17 في المائة. هذا كان أمراً غير مسبوق: أدى إلى ما يشبه الانهيار في سوق السندات في المملكة المتحدة ودفع مؤشر فاينانشيال تايمز 100 ليصل إلى 219.85 نقطة، أي أقل بنسبة بغيضة تبلغ 23 عما كان عليه عندما تم انتخاب تاتشر قبل ستة أشهر فقط.

إذا كنتَ قد هبطت من المريخ في ذلك الحين وحاولتَ معرفة أين يمكنك وضع أموالك، لكنت قد رفضت التعامل مع السندات البريطانية أو الأسهم البريطانية. يقول جون ليتلوود في التاريخ المفضل لديّ عن سوق الأسهم البريطانية، كل زيادة مفاجئة تقريباً في سعر الفائدة الأدنى للإقراض في الماضي كانت “علامة على أزمة اقتصادية”.

وفي الجزء الأول من الثمانينيات، كان يبدو أن هذا تماماً ما حدث في المملكة المتحدة. لم يكن يبدو أن التضخم كان يستمع إلى تاتشر وهاو. في نيسان (أبريل)، ارتفع التضخم مرة أخرى ليصبح أكثر من 20 في المائة، وبقي ثلاثة أشهر عند تلك النقطة. وجميع المؤشرات الكلاسيكية للتضخم الخارج عن السيطرة كانت في حالة هياج (هذا كان عندما وصل الذهب إلى 850 دولارا للمرة الأولى، وعندما حاصر الأخوان هانت ـ مقرهما في دالاس ـ سوق الفضة ودفعا السعر إلى 50 دولارا، على اقتناع منهما باستحالة أن يتعرضا للخسارة).

لكن رفع سعر الفائدة لم يكن يوحي فعلاً بحدوث أزمة. بل أشار إلى بداية نهاية الأزمة. ولم ينخفض مؤشر فاينانشيال تايمز 100 قط إلى أدنى من مستواه في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1979. وبقي سعر الذهب أعلى من 800 دولار لمدة يومين فقط. والأخوان هانت خسرا كل شيء. وتبيّن أن التضخم وصل ذروته في أيار (مايو) بنسبة يصعُب تصوّرها اليوم؛ 21.9 في المائة.

في تموز (يوليو) 1980 تم تخفيض سعر الفائدة الأدنى للإقراض إلى 16 في المائة، ثم إلى 12 في المائة في أوائل عام 1981. وفي أواخر آب (أغسطس) أظهرت سوق السندات تذبذبا مُذهلا عندما أوقف بنك إنجلترا نشر سعر الفائدة الأدنى للإقراض وعمل عدم اليقين بشأن أين كانت أسعار الفائدة في الواقع إلى انهيار الأسعار ورفع عائدات السندات (وبالتالي انخفاض الأسعار) إلى المستويات نفسها التي كانت قد وصلت إليها في الأعوام الرديئة في منتصف السبعينيات.

مع ذلك، هذا كان في الواقع بمثابة القاع بالنسبة للسندات. من هناك، استمرت أسعار الفائدة في الانخفاض فقط – كما تفعل إلى حد كبير منذ ذلك الحين.

وبحلول أواخر عام 1982، انخفض سعر الأساس (سعر الفائدة الرمزي الجديد) إلى 9 في المائة وحققت السندات عوائد مثيرة للإعجاب لأصحابها الذين شعروا بالصدمة قليلاً. وبحلول عام 1985، عندما صدرت مجلة “إف تي ويك ـ إند” (“فاينانشيال تايمز الأسبوعية) أول مرة، كانت سوق السندات الكبيرة الصاعدة تجري بشكل جيد.

اليوم، بعد مرور 30 عاماً، لا تزال معنا، وأسعار الفائدة متطرفة في أنحاء العالم الغربي كافة، تماماً كما كانت في أوائل الثمانينيات، وإنما في الاتجاه المُعاكس. حتى أكثر المتنبئين براعة في عام 1982 لم يكُن بإمكانهم توقّعوا أن بعض السندات الحكومية في أوروبا يمكن أن تحقق عائدات سلبية في عام 2015، وأن المملكة المتحدة ستبقي على أسعار الفائدة عند مستوى 0.5 في المائة لمدة ستة أعوام، وأن المؤسسات في المملكة المتحدة ستتخلى تقريباً عن أسواق الأسهم لمصلحة السندات، وأن البنوك المركزية ستغذي السوق الصاعدة من خلال شراء ما قيمته مليارات من سنداتها الخاصة، وأن أسواق السندات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من عام 1980 حتى الآن كانت ستحقق عائدات بمقدار أسواق الأسهم (تاريخياً تحققت عائدات أقل قليلاً بمقدار أربع نقاط مئوية سنوياً).

لكن إذا نقلنا ذلك المُتنبئ البارع عبر الزمن إلى عام 2015، فليست هناك أيضاً طريقة نستطيع من خلالها إجباره على شراء السندات بأسعار اليوم.

أغلب ظني أنه سيُلقي نظرة واحدة على حقيقة أن أكثر من نصف السندات الحكومية في العالم تحقق عائدات أقل من 1 في المائة، وسيكون مُقتنعاً أن أسعار الفائدة لا يمكن أن تنخفض، وبالتالي أسعار السندات لا يمكن أن ترتفع. قد يقول إنه لا يرى أي قيمة في هذه السوق على الإطلاق.

هل سيكون مُحقاّ؟ بعد 33 عاماً من السوق الصاعدة، هناك عدد كبير من الناس الذين قد يتفقون معه. لكنه ليس أمراً مُسلّماً به.

حتى ترتفع أسعار الفائدة يجب أن يكون هناك حافز – إما جيد أو سيئا. لذلك يجب على الأسواق أن تطلب عائدات أكبر من أجل إقراض المال إلى الحكومات، أو أن يرتفع التضخم، أو أن يكون أداء الاقتصادات جيداً للغاية بحيث تبدأ البنوك المركزية الشعور بالقلق بشأن التسارع الاقتصادي، أو أن تغير البنوك المركزية هيكلة سياستها. لكن لا يبدو أيّ من هذه الأشياء محتملا في المستقبل القريب.

سبق أن كتبتُ في مجلة “فاينانشيال تايمز” حول صعوبات تحقيق النمو الاقتصادي حين يكون التعامل مع عوالق الديون الضخمة والتغيرات السكانية الهائلة (الجيل الذي ولد بعد الحرب العالمية الثانية يشيخ الآن بسرعة). هذان الجانبان يشيران إلى أن المجموعات السكانية تنفق مبالغ قليلة وأن النمو ضعيف، وهو أمر لا حيلة لأسعار الفائدة المنخفضة تماما أن تفعل شيئا بشأنه. وهذا هو السبب في أن البيانات الاقتصادية في معظم البلدان بدأت تسبب خيبة الأمل مرة أخرى.

بالتالي لن يكون التسارع الاقتصادي أو التضخم هو ما سيدفع أسعار الفائدة إلى أعلى. ولا يبدو أن التغير في السياستين الاقتصادية والنقدية سيفعل ذلك أيضا. ألمح ماريو دراجي إلى حقيقة أن التسهيل الكمي له آثار جانبية كريهة حين تحدث الأسبوع الماضي. لكن لا يزال المسؤولون في البنوك المركزية بعيدين تماما عن إدراك أن التسهيل الكمي بدلا من أن يعمل على قتل الانكماش، فإنه يمكن أن يوجده. كيف ذلك؟ من خلال تشجيع الإفراط في الاستثمار في مشاريع لا تستطيع أبدا الانطلاق في الأوقات الطبيعية، وبالتالي تخلق الإفراط في العرض (انظر ما يحدث في سوق النفط). ومن خلال تخويف الذين يعتمدون على الدخل من أجل إنفاق مبالغ أقل مما كان يمكن أن يفعلوا لو كان الوضع خلافا لذلك (إذا كان رأسمالهم يحقق عوائد ضعيفة، فإنهم سيشعرون بالخوف ويأخذون في حماية رأس المال المذكور).

بالتالي، هل يحسن بك أن تتمسك بالسندات؟ بطبيعة الحال لا يحسن بك أن تفعل ذلك. أنا لا أمتلك أي سندات في محفظتي، ولا أستطيع في الواقع أن أفهم لماذا يمكن أن يفعل ذلك أي مستثمر عادي آخر.

جميع الشروط البدهية لحدوث انهيار موجودة الآن – غياب تام للقيمة، وأسعار متطرفة، ومشكلات في السيولة، وسلطات غافلة، ومحافظ استثمارية ذات تركيز مفرط (في أصول بعينها).

كل هذا يشير إلى أنه حين تحل النهاية، ستكون كريهة. لكن طالما بقيت البنوك المركزية مقتنعة بأنها تستطيع إبعاد الانكماش من خلال السياسة النقدية المتطرفة، فإنني أتردد تماما في أن أشير إلى أن النهاية ستحل قبل عيد الميلاد المقبل لمجلة “فاينانشيال تايمز” ـ أيار (مايو) 2016.