Site icon IMLebanon

أعوام ستمرّ على الفراغ الرئاسي! (بقلم طوني أبي نجم)

كتب طوني أبي نجم

 

دخلنا بكل أسف وأسى السنة الثانية من عمر الفراغ الرئاسي في لبنان. 366 يوماً مضت من دون رئيس للجمهورية في وطن بلا دولة وبقايا دولة بلا مؤسسات.

لم يعد الموضوع يتعلق بادعاء نواب وكتل نيابية بحقّ مزعوم في مقاطعة جلسات انتخاب رئيس للجمهورية. الموضوع أصبح يتصل ببقاء الجمهورية.

في العام 1988 غامر البعض بالجمهورية الأولى، فكان “الطائف” والجمهورية الثانية مع الرئيس رينيه معوّض، لكنّ المغامرة استمرّت فسقط معوّض شهيدا ودخلنا النفق السوري من “الطائف”.

يبدو أن هذا البعض لا يتعلّم دروس التاريخ، وها اليوم اليوم يحاول إعادة عقارب الساعة الى الوراء بالرهانات القاتلة نفسها والمغامرات المجنونة إياها. يرفض التمسّك بـ”الطائف” والمؤسسات والصلاحيات، ولو بحدها الأدنى، ويصرّ على التفريط بكل شيء، حتى لا يسلم “الطائف” ولا تبقى الرئاسة فنترحم على المناصفة وما بقي من صلاحيات!

من الـ1988 الى الـ2015 والمعادلة نفسها: “أنا أو لا رئاسة ولا جمهورية ولا من يحزنون”! الحروب العبثية إياها والشعارات المقيتة لم تتغيّر بعد أكثر من ربع قرن، وكأن ثمة من يجترّ شعبوية من دون أن يرّف له جفن:

“يمكنهم أن يسحقوني لكنهم لن يأخذوا توقيعي”!

“الشعب هو من سيعيّن رئيس الجمهورية ولا أحد سيمنعكم. لا أريد دمكم وأموالكم بل أريد فقط أقدامكم”!

إنها الديماغوجية نفسها والغوغائية إياها. لا من يقرأ التاريخ ولا من يتعظ من وقائع الجغرافيا اليوم. في قلب معركة دولية إقليمية قد تعيد رسم الخرائط والحدود في المنطقة العربية، ثمة من لا يرى أبعد من كرسي في قصر بات مهجوراً منذ سنة تماماً، وقد يتحوّل متحفاً لا سمح الله بسبب إصرار البعض على شخصنة المعادلات!

والأنكى من ذلك أن السيد نصرالله في خطابه في ذكرى تحرير الجنوب أجهز على كل أمل في أي انتخابات رئاسية عندما دعا الى تأجيل كل الملفات الخلافية للتفرّغ للمعركة الإقليمية. فكيف يستمر البعض بالرهان على نصرالله؟

كيف يحق لأي نائب اليوم في أن يقاطع الجلسات؟ كيف لا تُعلن حال الطوارئ النيابية ويُفتح باب المجلس لجلسات مفتوحة ومتواصلة حتى ولادة الرئيس الجديد، ولو كانت هذه الولادة قيصرية؟ وهل يمكن للبعض أن يستمر في المطالبة بالتشريع أو بالتعيينات بعد كلام نصرالله؟ وهل يمكن أن نحلم بأن تستقيم المؤسسات الدستورية بدءًا برئيس للجمهورية بعد خطاب نصرالله وإعلانه إرجاء كل شيء في انتظار انتهاء حروبه التي لن تنتهي؟!

سنة على الفراغ و”الخير لقدام” طالما يصرّ حليف نصرالله، الذي يظنّ نفسه كالديك أن الشمس لا تشرق ما لم يصِح، ويتوهّم أن الكون سيتجمّد في انتظار انتخابه رئيساً، في حين أن مثله هو مثل الهرّ الذي يلحس المبرد متلذذا بطعم الدم من دون ان يدري أنه يلحس دماءه! وخصوصا بعدما بات معلنا أن حلفاءه يريدون إرجاء كل شيء حتى إشعار آخر…

يناقش مؤرخون وكتّاب هل يجوز القول “إن التاريخ يعيد نفسه”؟ أو أن الأصح أن نقول “إن التاريخ يعيد جزءًا من نفسه”؟ وفي جوهر هذا النقاش سؤال محق، وهو: أيُعقل أن يعيد التاريخ نفسه بشكل كامل فلا يكون أحد استفاد من التجارب السابقة؟

وفي حالتنا اللبنانية بكل أسف ثمة من يصرّ على اختزال التاريخ أو ربما محاولة إلغائه في انتظار تحقق “حلم ليلة صيف”، لا بل سراب أنهك لبنان من اكثر من ربع قرن!