فاقم الصراع الدائر في اليمن أزمة رغيف الخبز، بعد توقف مئات المخابز نتيجة عدم توفر الوقود، وتصاعد المواجهات المسلحة في العاصمة صنعاء ومعظم المدن اليمنية، بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) والمقاومة الشعبية.
وأصبح العامل المشترك بين الشعب اليمني في ظل الحرب، هو اصطفاف طوابير المواطنينمنذ الساعة السادسة صباحاً أمام المخابز القليلة المتبقية التي تعمل في صنعاء وعدن ولحج (جنوب) ومدينة تعز (وسط) للحصول على الخبز، كما أغلقت عشرات المطاعم التي تبيع الساندويتشات لعدم توفر الخبز.
وأكد رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك فضل مقبل منصور، لـ “العربي الجديد”، أن أزمة الوقود وعدم توفر مادة الدقيق أدى الى توقّف مئات المخابز في أنحاء البلاد.
أما نائب رئيس الغرفة التجارية بصنعاء محمد صلاح، فكشف في تصريحات لـ “العربي الجديد” عن إغلاق 270 مخبزا من إجمالي 463 مخبزا في العاصمة اليمنية، بسبب انعدام الوقود وأزمة الدقيق.
وأكد صاحب مخبز في صنعاء عبد الله الشميري، لـ “العربي الجديد”، أنه اضطر إلى شراء الديزل من السوق السوداء بمبلغ 10 آلاف ريال (45 دولاراً) لكل 20 لترا، علماً أن السعر الرسمي هو 2000 ريال فقط (9 دولارات).
كما تفاقمت أزمة الخبز في مدينتي تعز وعدن، حيث يخوض الحوثيون معارك عنيفة مع المقاومة الشعبية للسيطرة على المدينتين، وقال مواطنون في عدن لـ “العربي الجديد” إن معظم المخابز في المدينة مغلقة، بسبب المعارك العنيفة التي تشهدها المدنية التي أدت أيضاً إلى عدم وصول أي مواد غذائية للمدينة منذ شهرين.
وقالت ربة منزل في عدن، أم خالد، لـ “العربي الجديد”، نزحنا من منطقة خور مكسر، بعد سيطرة الحوثيين عليها إلى منطقة الممدارة، وعقب نزوحنا شهدت المنطقة اشتباكات لا تزال مستمرة، نحن محاصرون في منازلنا وأفران الخبز ومحلات المواد الغذائية والمياه مغلقة، ونعاني من انقطاع التيار الكهربائي وسط درجة حرارة مرتفعة.
وقال الناشط في منظمة إغاثة عدن معتز الميسوري، لـ “العربي الجديد”، إن عدن تشهد حرب شوارع أدت إلى نزوح مئات الأسر عبر البحر إلى جيبوتي، وتزايدت الأزمات المعيشية بشكل كبير، وفي منطقتي الشيخ عثمان ودار سعد، هناك مخبز واحد يعمل، ويصطف أمامه عشرات المواطنين في طابور طويل للحصول على الخبز.
وقال الموظف محمد الشعيبي، إننا نعتمد على مخزون الغذاء المتوفر لدينا منذ ما قبل الحرب، ونتقشف في استخدامه حتى نواجه أزمة نقص السلع الضرورية.
وأكدت منظمات محلية تعمل في المجال الإنساني أن خمسة مخابز فقط تعمل في مدينة تعز منإجمالي 214 مخبزاً.
وقال الطالب في تعز، محمد مقبل، أقف في طابور طويل للحصول على الخبز من أحد المخابز القليلة المتبقية، منذ الثامنة صباحا وحتى الحادية عشرة قبل الظهر، وأحياناً لا أحصل على خبز.
واستغل بعض أصحاب المخابز تداعيات الحرب وإغلاق أغلب المخابز بسبب أزمة الوقود لرفع
أسعار الخبز، في ظل غياب الرقابة الحكومية، من 210 ريالات (دولار) للكيلوغرام رسمياً إلى 300 ريال (1.4 دولار)، فضلاً عن تلاعب أصحاب المخابز بالحجم والوزن.
وكانت وزارة التجارة اليمنية أعلنت في فبراير/شباط الماضي عن تخفيض سعر الخبز من 240 ريالا إلى 2010 ريالات (دولار واحد)، وهو ما عللته بانخفاض أسعار الغذاء عالمياً بدعم من تهاوي أسعار النفط.
وأكد المحلل الاقتصادي عبد المجيد البطلي، لـ “العربي الجديد”، أن الخبز في اليمن الأعلى سعراً والأصغر حجماً، مقارنة بجميع الدول المجاورة، وقال البطلي إن سبب التلاعب بحجم وأسعار الخبز يرجع إلى عدم وجود رقابة من قبل الدولة على المخابز، وإهمالها بناء مخابز حكومية تعمل على كسر احتكار بعض المخابز لهذه السلعة الحيوية.
وحسب إحصائيات وزارة الصناعة اليمنية، يبلغ عدد المخابز نحو 2089 مخبزاً تقريباً، شكلت المخابز الشعبية 67% والتقليدية 26% وشبه الآلية 7% فقط، وتنتج المخابز أنواعاً مختلفة من الخبز أهمها العادي، والإفرنجي والكدم (نوع محلي من الخبز).
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن المواطن اليمني يستهلك 300 غرام من الخبز يومياً؛ لأنه المصدر الرئيسي للغذاء في البلاد، وتعتمد صناعة الخبز بأنواعه المختلفة في اليمن على استيراد القمح، الذي تضاعف خلال السنوات الأخيرة، ويشكل دقيق القمح المدخل الرئيس لصناعة الخبز في اليمن، وتستورد البلاد 94% من احتياجات صناعة الخبز.
ويستهلك اليمنيون سنوياً ما يقارب 3 ملايين طن من القمح، وحسب بيانات عام 2014،استورد اليمن من القمح مليونين و955 ألف طن بقيمة تبلغ 225 مليارا و288 مليون ريال، وتصدر القمح الأسترالي المرتبة الأولى للواردات دون منافس.
ويعيش اليمن مأساة إنسانية نتيجة الوضع الأمني المتدهور، عقب اجتياح الحوثيين صنعاء في سبتمبر/أيلول الماضي، وتوجيه تحالف عربي بقيادة السعودية ضربات لمناطق نفوذ الحوثي منذ مارس/آذار الماضي.
واعتبر منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، يوهانس فان ديركلاو، أن الأزمة الإنسانية في اليمن واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية عالمياً.
وحذر محللون اقتصاديون ومنظمات محلية ودولية من ثورة جياع قادمة، نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية.
وعبرت الجمعية اليمنية لحماية المستهلك، مؤخراً، عن قلقها البالغ إزاء التطورات الناجمة جراء الحرب وتأثيراتها الكارثية على مناحي الحياة المعيشية، الأمر الذي أدى إلى تزايد معدلات سوء التغذية بين الأطفال اليمنيين، حيث سجلت أعلى معدل على مستوى العالم، وفقاً للتقارير الدولية الحديثة التي أشارت إلى أن واحدا من كل ثلاثة أطفال يمنيين يعانون من سوء التغذية.