بعد اعتراضات كثيرة في المانيا وخارجها امتدت سنوات عديدة، افتتحت وزيرة الثقافة الالمانية مونيكا غروترز يوم الخميس الماضي اول متحف مخصص للنازية في ميونيخ المدينة التي شهدت ولادة هذه الحركة الهتلرية، ويضم هذا المتحف الذي اثار جدلاً كبيراً في البلاد مركزاً ضخماً للتوثيق غير انه لم يكن مشروعاً سهل التنفيذ. فمدينة ميونخ ما زالت مسكونة بأشباح ماضيها وحروبه وكان من الصعب للغاية مواجهة هذا الماضي. وبحسب مدير المتحف وينفريد نيردنجر وهو ابن احد قادة المقاومة المحلية للنازية زمن الحرب فإن «الواقع الذي عاشته ميونيخ لا يشبه ما عاشته المدن الأخرى في المانيا، فهي تحتفظ بوشم لا يمحوه الزمن».
وإذا عدنا بالتاريخ وتحديداً الى 30 نيسان 1945 نكون قد رجعنا سبعين عاماً الى الوراء وبهذا التاريخ وضع هتلر حداً لحياته، فقد انتحر بعد عزلة قصيرة المدى في برلين. وفي نفس النهار عاشت مدينة ميونيخ تحررها من النازيين الذين انسحبوا من شوارع المدينة بشكل نهائي وبهذا يكون هذا اليوم تاريخياً في حياة هذه المدينة ومناسباً ايضا لافتتاح اول متحف عن النازية. وقد شهد الافتتاح معرضاً كبيراً داخل المتحف تضمن آلاف الوثائق من صور وفيديوهات ووثائق مكتوبة تحكي قصة الحزب النازي والمدينة. وتفادياً لفكرة مدح أو تمجيد الحزب النازي وذلك يتعارض بشدة مع هدف المتحف، لا يوجد بين المعروضات اي اثر لأي بدلة عسكرية نازية لأنه حسب آراء كثيرة فان البدلة العسكرية برمزيتها ستثير أحاسيس قوية سلبية أو إيجابية تجاه الجنود الذين ماتوا في الحرب، كذلك لا وجود لرمز النازية والمعروف وهو عبارة عن صليب معكوف. وقد انقسم المعرض الى اربعة اقسام يتم الشرح عن محتوياته باللغتين الانكليزية والالمانية للزائرين.
والمتحف الذي تأجل افتتاحه كثيراً هو عبارة عن مكعب ابيض ضخم مع نوافذ زجاجية عديدة تطل على «تاريخ خجلت ميونخ سنوات طويلة من مناقشته» حسب تعبير مدير المتحف، غير ان الجرأة في مواجهة الواقع اوصلت الى قيام المتحف الذي يخبر بالتفصيل كيف انتقلت ميونيخ من مدينة ثقافية مفتوحة على الابداع والجمالية الى مدينة مدمرة بفعل القصف مروراً بحقبات اولية شهدت على تأسيس الحزب بالتدريج من نشاطات خفيفة لاعضاء الحزب في بداياته الى التدريبات العسكرية الصارمة.
وإذ رفض المتحف الايحاء بأي فكرة لتمجيد الحزب النازي فهو توقف عند تفاصيل دقيقة تؤكد العكس وهذه التفاصيل هي التي هدأت اصوات المعارضين على قيامه. فالزائر مدعو الى وقفات مؤثرة للغاية كمثل القصيدة المكتوبة بخط اليد والملطخة بالدماء التي صاغها احد المقاومين البيرت هوشوفر الذي تم اعدامه بعد حين وتحديداً قبل انتهاء الحرب بايام قليلة.
وتاريخ افتتاح المتحف مؤثر لأنه يتزامن مع مرور 70 عاما على انتحار هتلر وعلى خروج القوات النازية من ميونيخ، الا ان المكان الذي شيد فيه المتحف له رمزيته ايضا، فهو كان يضم المركز الرئيسي للحزب النازي. وقد كلف البناء حوالى 28 مليون يورو وقد تقاسم التمويل كل من بلدية مدينة ميونيخ، ومنطقة بافيير والسلطة الفيدرالية.
وقد حرص المسؤولون عن تأسيس هذا المتحف على احترام كل القوانين في البلاد التي تمنع بشكل قاطع الدعاية أو تنظيم شعارات مؤيدة للنازية والتي يترتب عليها عقوبات قضائية صارمة. وعنوان المتحف «مركز توثيق تاريخ الحركة القومية الاشتراكية» لانه في هدفه الرئيسي اظهار كيف ان مدينة ميونيخ التي لطالما اعتزت عبر التاريخ بأنها كانت ارض تسامح وغنى فني وحب للحياة قد سقطت في مرحلة من تاريخها تحت وطأة ضربات الزحف النازي.
