Site icon IMLebanon

الأهداف الإنمائية العالمية للألفية: مزيد من العمل الجاد لا يزال مطلوباً

GlobalDevelopment

ذكاء مخلص الخالدي

شملت الأهداف الإنمائية للألفية، التي تبنتها الأمم المتحدة في 1990 في إطار تحقيق التنمية البشرية، وطالبت الدول الأعضاء بتنفيذها بحلول 2015، ووصلت إلى محطتها الأخيرة، أهدافاً بشرية واقتصادية. وإذ ناقشنا أمس الهدفين الأولين، وهما القضاء على الفقر المدقع والجوع، وتعميم التعليم الابتدائي، نبحث اليوم في الأهداف الستة الباقية.

يتضمن الهدف الثالث تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من خلال تحقيق المساواة في مجالات التعليم والعمل والمشاركة السياسية ومحاربة العنف ضدها. وفي الوقت الذي حققت غالبية الدول كثيراً من المساواة في مجال التعليم، لا تزال مشاركة المرأة في العمل والحياة السياسية ومحاربة العنف ضعيفة بسبب استمرار فقدان الجدية في تبني سياسات فاعلة هدفها تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها في العمل الاقتصادي والسياسي.

فقدان الجدية في غياب التشريعات التي تساعد المرأة على الجمع بين العمل الاقتصادي والمسؤوليات المنزلية والأمومة كقوانين العمل الجزئي وإجازات الأمومة الطويلة، والتشريعات التي تساعدها على المشاركة السياسية وعلى تحريم العنف ضدها. إن غياب هذه التشريعات وغياب الالتزام بما هو موجود فيها يعتبر من الأسباب الرئيسة لتعثر تعزيز المساواة حتى في الدول التي حققت إنجازات مهمة في مجال التنمية.

أما الهدف الرابع فهو خفض معدل وفيات الأطفال من هم دون سن الخامسة بمقدار الثلثين بين 1990 و2015. لكن نتائج ما أنجزته الدول أظهر تقدماً بطيئاً في انخفاض معدل وفيات الأطفال لارتباط الأمر بمعدلات الدخل ومستوى التعليم، خصوصاً تعليم الأم. فكلما ارتفع معدل دخل العائلة انخفضت نسبة وفيات الأطفال دون الخامسة. ولوحظ ذلك حتى على مستوى البلد الواحد إذ أظهرت البيانات أن معدل وفيات الأطفال الفقراء دون الخامسة يفوق بـ 2.5 – 3 أضعاف معدله بين الأغنياء، الأمر الذي يشير إلى قوة ارتباط صحة الأطفال بمستوى الدخل، فكلما ازداد دخل الأسرة كبُر اهتمامها بصحة الأطفال والعكس صحيح.

وأظهر مستوى تعلم الأم دوراً مهماً في الحفاظ على صحة الأطفال وتقليص نسبة وفياتهم. من هنا يمكن الاستنتاج أن خفض نسبة وفيات الأطفال في شكل مستدام غير ممكن بتطبيق إجراءات منعزلة عن إجراءات رفع مستوى الدخل ومستوى التعليم، خصوصاً تعليم المرأة.

ويسعى الهدف الخامس إلى تحسين صحة الأمهات عن طريق خفض معدل وفياتهم بمقدار ثلاثة أرباع بين 1990 و2015 من خلال تأمين الرعاية الصحية والتوعية الجيدة التي تحمي صحة الأم قبل الولادة وأثناءها. وأظهرت إنجازات الدول في هذا المضمار تبايناً كبيراً. ويبدو أن تحسين صحة الأمهات يرتبط ارتباطاً كبيراً بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة ليس فقط بين الدول الغنية والفقيرة لكن في داخل الدولة نفسها. فالشريحة الأغنى من السكان تحصل على رعاية شبه كاملة لصحة الأم، بينما تحصل الشريحة الأدنى أو الأفقر على نصف هذه الرعاية.

وتناول الهدف السادس مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والملاريا وغيرهما من الأمراض المعدية كي يتوقف انتشار الفيروس والملاريا بحلول 2015 ويبدأ انحساره اعتباراً من ذلك التاريخ. لكن التقديرات التي صدرت عن برنامج الأمم المتحدة المعني بفيروس «الإيدز» أظهرت زيادة انتشار المرض وارتفاع عدد الوفيات الناتجة منه. ولا يزال وقف انتشار الملاريا وغيرها من الأمراض الرئيسة تحدياً كبيراً أمام الدول الفقيرة.

أما الهدف السابع فهو كفالة الاستدامة البيئية بهدف إدماج مبادئ التنمية المستدامة في السياسات والبرامج القطرية والحد من فقدان الموارد البيئية والتنوع البيولوجي. لكن البيانات العالمية تبين أن نصيب الفرد من انبعاث ثاني أوكسيد الكربون لا يزال يبلغ أعلى معدلاته في الدول المتقدمة بسبب الارتباط الوثيق بين ارتفاع معدل النمو الاقتصادي وتدهور البيئة.

ولا تزال الدول تفتقر إلى الالتزام بالتشريعات والمعاهدات الدولية التي تهدف إلى الحفاظ على البيئة، ولا يزال تغير المناخ ينذر بتفاقم ندرة المياه وانعدام الأمن الغذائي. لكن تحسناً حصل في نسبة الذين يحصلون على مياه شرب مأمونة وخدمات الصرف الصحي. وسجِّل انخفاض ملحوظ في استهلاك المواد المستنفدة لطبقة الأوزون.

ويتمثل الهدف الأخير بإقامة شراكة عالمية من أجل التنمية من خلال المضي بإقامة نظام تجاري ومالي يتسم بالانفتاح والتقيد بالقواعد وقابلية التوقع وعدم التمييز. على رغم التحسينات التي أدخلها نظام التجارة العالمي المتعدد الأطراف ممثلاً بمنظمة التجارة العالمية على شروط التجارة بين الدول، لا تزال استفادة الدول النامية من تحرير التجارة العالمية دون مستوى الطموحات بكثير لأسباب يتعلق بعضها بعدم تمكن هذه الدول من إدخال الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية والهيكلية التي تساعدها على زيادة صادراتها، إلى جانب ضعف التزام الدول المتقدمة بإتاحة الفرص للدول النامية بالاستفادة من تحرير التجارة.

وأثرت الأزمة المالية العالمية التي بدأت في 2008 كثيراً في سياسات الدول المتقدمة فقلصت من اهتمامها بحرية التجارة ومن حجم استثماراتها الأجنبية في الدول النامية وحجم معوناتها الرسمية، الأمر الذي أثر سلباً في تحقيق هذا الهدف.

إن تعيين أهداف تتبناها الأمم المتحدة وتطالب الدول الأعضاء بالالتزام بها يعتبَر أمراً جيداً وعليها مواصلة ذلك مع إدخال بعض التحسينات على خطة التنمية المقبلة التي تسميها «ما بعد 2015»، تشمل: تقليص عدد الأهداف حتى لا يضيع التركيز وتتبعثر الجهود، وتبني أهداف مترابطة كي تصب حصيلة بعضها ببعضها الآخر، وتقليص الفترة من ربع قرن إلى 10 – 15 عاماً، والاهتمام بالسياسات التنموية التي ترفع من مستوى الدخل وتحقق الإنماء المتوازن وتطور القطاعات المولدة لفرص العمل أي أن تختار الأهداف التي تعالج الأسباب وليس النتائج، والتأكيد على الدول لإصدار تشريعات تعزز مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي والسياسي وتتابع معها حسن تنفيذها، وأخذ موقف أكثر جدية مع الدول المتقدمة لجعلها تتبنى السياسات التي تؤثر إيجاباً في الاقتصاد العالمي وتوجد مناخات أكثر ملاءمة لتطور الدول النامية، خصوصاً في مجال حماية البيئة وتقليص درجات حرارة الأرض وتحرير التجارة العالمية وتعزيز فرص الحصول على تمويل.