Site icon IMLebanon

مأزق النفط الليبي

LibyaOil
لقد كانت ليبيا فيما مضى أعظم دول شمال أفريقيا في إنتاج النفط الخام، وعضو رئيسي في منظمة (الأوبك)، ولكن أصبحت الآن على حافة الهاوية. فبعد أحداث ثورة عام 2011، أصبح النفط؛ وهو شريان الدولة الاقتصادي، الجائزة الكبرى في معركة السلطة المريرة، والمستمرة بين الأطراف التي تدرك تماماً أن من يتحكم بحقول النفط سيحمل المفتاح الرئيسي للسلطة في الدولة الشمال أفريقية. ولكن هذه الجائزة “حقول النفط الليبية” آخذة بالتناقص، حيث إن وجود الحرب الأهلية والتهديدات الإرهابية المتزايدة تسببت لإنتاج النفط بالتضاؤل والهبوط.
قدرت المؤسسة الوطنية للنفط (NOC) الإنتاج بمقدار 622 ألف برميل يومياً بتاريخ 29 مارس/ آذار 2015، وهو مقدار أقل من النصف مقارنة بـ1.6 مليون برميل كانت تضخ يومياً في فترة ما قبل الثورة. ولقد تسبب الضرر الذي أحدثه القتال بالإضافة إلى الإهمال الحاصل إلى ترك صناعة النفط في حالة يرثى لها.
إذا كان العالم قد نسي المقدار الذي تدهور به الأمن في ليبيا ، فبالتأكيد كانت حادثة 14 من أبريل/ نيسان هذا العام تذكيراً بشعاً له، حيث قام المهاجمون بقتل حارسي أمن أثناء اعتداء وقع على السفارة الكورية في طرابلس. وقد تبع إطلاق النار هذا في اليوم التالي بهجوم بالقنابل على السفارة المغربية، ولم يستغرق الأمر طويلاً قبل إعلان جماعة منتمية لتنظيم (الدولة الإسلامية) مسؤوليتها عن التفجير.
إن ظهور ( تنظيم الدولة الإسلامية) هو أحدث تهديد ناشئ في ليبيا، حيث تحول الاضطراب الناتج من ثورة عام 2011، والتي قامت ضد معمر القذافي إلى حالة من الفوضى والحرب الأهلية. وتنامى وجود الجهاديين في ظل الفراغ الحاصل من غياب السلطة فيما تتصارع حكومتان متنافستان للسيطرة على البلاد، إضافة إلى حالة العصيان الموجودة أصلاً وغياب السلطة المركزية.
إن كلاً من الهجوم الدموي الذي نفذ على فندق كورنثيا، وهو الوجهة المفضلة بالنسبة لرجال الأعمال الأجانب ومكان لإقامة كبار المسؤولين الحكوميين في طرابلس، إضافة إلى حادثة القتل الشنيعة التي طالت 21 مسيحياً مصرياً، قد تصدر عناوين الصحف الرئيسية في بداية هذا العام.
ولقد عرف تنظيم (الدولة الإسلامية) بسمعته التي تجمع بين الوحشية والاستراتيجية، بالإضافة إلى أن الجهاديين قاموا بضرب قلب الاقتصاد الليبي عندما قاموا بمهاجمة حقول النفط في حوض سرت، الذي يعرف بأنه مركز البلاد لإنتاج النفظ.
ولقد قامت العناصر المسلحة التابعة للدولة الإسلامية في مارس/ آذار باقتحام حقل الغاني النفطي، وقطع رؤوس 8 حراس أمنيين، وتفجير غرفة التحكم ومولدات الطاقة في المنشأة. يتم تشغيل هذا الحقل من خلال مشروع مشترك بين المؤسسة الوطنية للنفط (NOC) وشركة الطاقة الكندية (Suncor). ولقد وقعت غارة في شهر فبراير/ شباط على حقل المبروك النفطي الذي تديره شركة (Total) الفرنسية المختصة بالنفط، وخلفت هذه الغارة 4 قتلى من العمال. إن قطاع النفط الليبي الذي تأسست مرافقه بتكلفة باهظة في الصحراء الشاسعة بفضل خبرات واستثمارات شركات الطاقة الأجنبية، معرض لخطر الإرهاب، في الوقت الذي تعد فيه احتمالية حدوث هجمات إضافية شبه مؤكدة.
يقول جيفري هاورد، وهو محلل لشؤون دول شمال أفريقيا في مؤسسة (Control Risks): “نتوقع لهذا الأمر أن يستمر. وهو تحول خطير جداً، إذ لم نرَ أية هجمات ذات دوافع أيديولوجية من قبل”.
يشير المحللون إلى أنه على خلاف سوريا والعراق، فإن ليس لدى تنظيم (الدولة الإسلامية) أي غاية للسيطرة على حقول النفط، وأن غاراتها تشبه الهجوم الذي وقع في عام 2013 على محطة غاز (عين أميناس) في الجزائر، حيث قتل أكثر من 40 عاملاً عندما قامت جماعة جهادية يتفجير المنشآت وقامت بقتل الرهائن، قبل أن تقوم قوات الأمن بالتصدي لها.
فبينما كان تنظيم الدولة الإسلامية قادراً على تهريب النفط من الحقول السورية والعراقية النفطية إلى الحدود التركية المجاورة، اختلف الأمر بالنسبة للحقول الليبية لأنها بعيدة جداً عن الحدود. فالجماعة الإرهابية لا تعتبر النفط في ليبيا وسيلة لزيادة مواردها، وإنما، ساعية لإضعاف خصومها وزعزعة الأساس الاقتصادي اللازم لبناء مستقبل سلمي زاهر.
ومع اعتماد تنظيم (الدولة الإسلامية)، على تكتيكات الكر والفر، لاتزال السيطرة على إنتاج وتصدير النفط والغاز في يد المؤسسة الوطنية للنفط، كما أن العوائد لاتزال تذهب إلى (البنك المركزي الليبي). ولأن مؤسسات الدولة تتحكم بثروة البلاد النفطية، فقد كانت محل نزاع بين الحكومتين المتنافستين منذ قرابة العام.
بعد الهزيمة الساحقة لحزب (العدالة والبناء) التابع لجماعة (الإخوان المسلمين) في الانتخابات التي جرت في يونيو/ حزيران الماضي، قامت جماعات الميليشيات الداعمة للفصيل الإسلامي في البرلمان السابق بهزيمة المقاتلين المسيطرين على طرابلس مما أجبر البرلمان المنتخب حديثاً على مغادرة العاصمة إلى طبرق، وهي مدينة ساحلية تقع بالقرب من الحدود المصرية. وقام كلا الجانبين بإنشاء إدارتيهما الخاصتين، ولكن رغم أن الحكومة الإسلامية تسيطر على النظام الإداري في طرابلس، لدرجة أنها نصبت وزير النفط الخاص بها في المقر الرئيسي للمؤسسة الوطنية للنفط (NOC)، يبدو أن البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط احتفظا بدرجة كبيرة من الاستقلالية.
يقول ماتيا تولدو ، العضو في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “إن الإرث الإيجابي الوحيد لنظام القذافي هو عدم المساس بمؤسسة النفط التي تدر الأموال.. كان من المفترض أن تعمل على نحو مستقل بغض النظر عن السياسات، وهذا هو الأمر الذي يحدث حالياً: إن المؤسسة الوطنية للنفط مازالت تعمل بغض النظر عن الاضطرابات السياسية”.ولكن تولدو يحذر أيضاً قائلاً: “سيكون هذا الأمر أكثر صعوبة في المستقبل، إذ لن يستمر سوى لفترة قصيرة فقط”.
إلا أن المؤسسة الوطنية للنفط ليست في مأمن من المنافسة عليها، حيث إن الحكومة المنتخبة، والتي توجد إدارتها التنفيذية في مدينة البيضاء الواقعة في شرق البلاد، تطمع لاستغلال شرعيتها الديمقراطية والاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي لتحويل العائدات النفطية إلى خزينتها الخاصة. إن عائدات بيع النفط تستخدم حالياً من قبل (البنك المركزي) لدفع الرواتب والمعونات الأساسية الحكومية، إضافة إلى أن الميليشيات من كلا الجانبين يتلقون رواتب حكومية.
لقد قامت إدارة مدينة البيضاء برئاسة رئيس الوزراء عبدالله الثني، بتحدي النظام من خلال إنشاء مؤسسة منافسة للمؤسسة الوطنية للنفط، وهي خطوة تطلبت رداً سريعاً من العاصمة طرابلس، حيث قام مقاتلو مدينة مصراتة، ذوو الولاء للحكومة الإسلامية، في شهر ديسمبر/ كانون الأول بالتقدم عبر الساحل متوجهين إلى مرافئ النفط الضخمة في السدر ورأس لانوف، والتي تمثل الجزء الأكبر من صادرات حوض سرت. وفي اشتباكات لاحقة تم تدمير محطات التصدير ولاتزال مغلقة.
لقد خاضت الحكومتان مواجهات ضد بعضهما البعض في مناطق توتر عدة عبر البلاد منذ الربيع الماضي. حيث تحالفت حكومة مدينة البيضاء مع خليفة حفتر، وهو لواء سابق في عهد القذافي والذي يشن حالياً حملة عسكرية ضد الجماعة الجهادية المسماة بأنصار الشريعة في مدينة بنغازي، وهي ثاني أكبر مدينة في ليبيا وتعد مكان ولادة الثورة . كما قام حفتر الذي يقود ما تبقى من قوات سلاح الجو بقصف مواقع جماعة فجر ليبيا عدة مرات ، وهي تحالف الميليشيات التي تدعم الحكومة.
يقوض العنف جهود الأمم المتحدة للتوسط بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كلا الطرفين، وكان مزيد من الضربات الجوية التي نفذها حفتر قد سبق استئناف جولة من المحادثات في أبريل/ نيسان. ويقول ريكاردو فابياني، أحد كبار المحللين في مجموعة (Eurasia Group): بأن اللواء السابق وحكومة الثني يشعران بأن النصر في الحرب سيكون حليفهما، مما يزيد من عرقلة عملية السلام. ويضيف:”إن المليشيات ستستمر في رفض التسوية، وخاصة مليشيات الجانب غير الإسلامي، لأنهم يشعرون بأنهم سيفوزون فعلاً” .