أكّد رئيس الحكومة تمام سلام أنّ الفراغ الرئاسي أدخل البلاد في مسار خطير لا أحد يدرك فداحته، وأصبح يهدّد الكيان الوطني، داعيًا الى وجوب إيجاد حلّ توافقي للأزمة والخلافات السياسية التي حالت للأسف دون اتخاذ قرارات ملحة وشديدة الأهمية.
كلام سلام جاء في مناسبة مرور سنة على الفراغ الرئاسي، حيث لفت الى أنّ التعطيل الذي أصاب عملية انتخاب رئيس انعكس إبطاءً على المجلس النيابي. وقال: “أكّدنا منذ البداية أنّ أحدًا لا يحلّ محل رئيس البلاد المنتخب من قبل مجلس النواب. وهذا الوضع الإستثنائي الذي لا يجوز التأقلم معه يجب ألا يؤدي الى تعطيل مصالح اللبنانيين”.
وشدّد على ضرورة انتخاب رئيس يعيد الإعتبار للدستور والعافية الإقتصادية للبلاد. ورأى ألا بديل من التوافق على طريقة الخروج من أزمة الشغور، وأي حل آخر يعكس الغلبة لجهة على أخرى هو وصفة لتوليد أزمة أكبر.
النص الكامل لكلمة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام:
“مرّ عام كامل على انتهاء الولاية الدستورية لرئيس الجمهورية…. وقد أخفق ممثلو الشعب اللبناني، منذ بدء المهلة المحددة في الدستور للشروع في انتخاب رئيس للبلاد، في أداء هذا الواجب الدستوريوالوطني.
لقد أدى التعطيل المتكرر لنصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، إلى إدخال البلاد في مسار سياسي وإقتصادي خطير، لا يبدو أن الجميع مدرك لفداحته، أو أن الكل يشعر بالدرجة نفسها من المسؤولية الوطنية تجاهه. لا بل يمكن القول، إن هناك للأسف من لا يستعجل الخروج من هذا المأزق، مهما كانت الأضرار الناجمه عنه، ومهما كانت المخاطر المحيطة بالبلاد في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها منطقتنا.
لقد تعرضت صورة لبنان في العالم، إلى إساءة كبيرة من جراء هذا الوضع، فظهر بمظهر الدولة العاجزة، مما عزز للأسف حجةالقائلين إن اللبنانيين قاصرون عن معالجة شؤونهم بأنفسهم، ويحتاجون دائما إلى راع، يضع الحلول لمشاكلهم.
أدى هذا الواقع أيضا، إلى خلل فادح في عمل المؤسسات الدستورية التي تشكل هيكل نظامنا السياسي. فالتعطيل الذي أصاب عملية انتخاب رئيس للجمهورية، أنعكس إبطاء لعمل المجلس النيابي، مع ما يعنيه ذلك من عرقلة لعمل الدولة ولمصالح اللبنانيين، واحتمال خسارة كثير من المشاريع الممولة من المؤسسات الدولية،والتي تحتاج إلى قوانين للإفادة منها.
وها هو التعطيل يكتمل بعد أربعة أيام، بانتهاء العقد التشريعي العادي.
وإذا أضيف إلى ذلك أن الحكومة تعمل بالحد الأدنى من طاقتها، بسبب التباينات المعروفة وعجز القوى السياسية عن التوافق على القضايا الاساسية، إتضح مشهدالتعثر السياسي الذي نعيشه منذ عام، والذي يسبب الوهن في جسمنا الوطني على كل المستويات، ويفتح الباب أمام كلأنواع المخاطر.
أيها اللبنانيون
أكدنا منذ اليوم الأول لخلو سدة الرئاسة،أن لا أحد يحل محل رئيس البلاد المنتخب من قبل مجلس النواب.. وإذا كان الدستور قدأناط بمجلس الوزراء وكالة، صلاحياترئيس الجمهورية، فإن ذلك هو تدبيرإستثنائي لحالة مؤقتة، هدفه تفادي حدوث فراغ في السلطة.
في الوقت نفسه، أكدنا أن هذا الوضع الاستثنائي الذي لا يجوز التأقلم معه، يجبألا يؤدي إلى تعطيل مصالح اللبنانيين الحياتية، وألا يمنعنا من القيام بواجبنا في تسيير عجلة الدولة.
بناء على هذا المفهوم، اعتمدنا مقاربة لعمل مجلس الوزراء، تستند إلى التوافق،الذي جعله الدستور، خيارا أول في طريقة اتخاذ القرارات الحكومية. لكن البعض، للأسف، كان له فهم خاص للتوافق، مما أوقعنا في محظور ممارسة التعطيل، وأدى الى تعثر العمل الحكومي. ولقد تمكنا في النهاية من التوصل الى مقاربة جديدة لعمل مجلس الوزراء… تتجاوز سياسة التعطيل.
وعلى رغم كل العثرات، تمكنت حكومة “المصلحة الوطنية” الإئتلافية من تحقيق إنجازات عديدة… أهمها وأبرزها تعزيز الأمن والاستقرار، ومكافحة الارهاب، وتسليحالجيش والقوى الأمنية، وإقرار العديد من التعيينات الإدارية، ومكافحة الغش في الدواء والغذاء، ووضع ملف النفايات المزمن على طريق المعالجة..
كذلك عملنا على المحافظة على الحضور اللبناني في المحافل العربية والدولية، بالتوازي مع جهد حثيث، بذل داخليا وخارجيا، للتعامل مع العبء الهائل، الذي يمثله وجود مليون ونصف مليون نازح سوري، على الأراضي اللبنانية.
لكن الخلافات السياسية، حالت للأسف دون اتخاذ قرارات ملحة وشديدة الأهمية تتعلق بقطاعات إقتصادية حيوية.. منها قرار الانتقال من مصادر الطاقة التقليدية إلى الغاز الطبيعي، وإقرار المراسيم المتعلقة باطلاق عملية استكشاف النفط والغازوغيرها.. وغيرها.
أيها اللبنانيون
إن استمرار الشغور في سدة الرئاسة الأولى، لا يضعف النظام السياسي فقط، بل يهدد الكيان الوطني نفسه. كما أنه يلحقضررا بالغا بمعنى لبنان التعايش والمشاركة.
إن تطبيق الدستور ليس وجهة نظر، بل هو واجب وطني مقدس.. والتذرع في هذا التوقيت الدقيق والصعب، بخلل وثغرات في دستور الطائف الذي توافق عليه اللبنانيون، إنما هو تهرب من الواجب والمسؤولية.
لم يعد جائزا أن تبقى الحياة السياسية في لبنان معلقة.. ولم يعد جائزا أن يبقى اللبنانيون سجناء في غرفة انتظارنتائج الحروب الإقليمية.
إن المخاطر المحدقة بلبنان نتيجة الحريق المندلع في جوارنا، لا تسمح لنا بترف الإستغراق… في تجاذبات سياسية بلا أفق. والمصلحة الوطنية العليا، التي يجب أن تكون هدف الجميع، تقتضي الذهاب فورا إلى حل توافقي لأزمة الشغور، والمسارعة الى انتخاب رئيس للجمهورية.
لا بديل من التوافق على طريقة الخروج من هذا الوضع.. وأي حل آخر يعكس غلبة لجهة على أخرى، هو وصفة لتوليد أزمة أكبر وأخطر.
إن إنجاز الواجب الدستوري بانتخاب رئيس للجمهورية، يشكل إعادة اعتبارلآليات العمل الديموقراطي المنصوص عنها في الدستور، ومدخلا لعودة العافية السياسية والاقتصادية للبلاد.
وإلى أن يتحقق ذلك، سنواصل عملنا على رأس حكومة “المصلحة الوطنية”الائتلافية، نؤدي الأمانة بكل ما آتانا الله من عزم وصبر، واضعين نصب أعيننا مصلحةلبنان واللبنانيين، التي هي المبتدأ والغاية والهدف..”.