الصحيفة هي المسودة الأولى للتاريخ، هكذا يقول المثل. بينما كنت أتصفح أول نسخة من “فاينانشيال تايمز” طبعة نهاية الأسبوع، التي نشرت قبل 30 عاما في مثل هذا الشهر من عام 1985، كان انطباعي الأول هو أن التاريخ يمتلك سمة مخيفة في أنه يكرر نفسه.
كانت هناك مقالات تتحدث عن الآثار غير المقصودة لميزانية نيجيل لاوسون، وكانت أفضل نطاقات الأزياء تميل لتبرز بوضوح نتائج العام من ماركس آند سبنسر، وكانت تبث المخاوف المتعلقة بعمليات التخصيص المقبلة التي تنفذها الدولة (في ذلك الحين كانت “بي إيه إي”، واليوم هي المصارف التي تدعمها الدولة)، وكان النقاش المتعلق برسوم الحسابات الجارية مستعرا.
كانت مصلحة ضريبة الدخل تحاول القضاء على الملاذات الضريبية، وقد ذكرنا محاولة الراحل السير تشارلز كلور الفاشلة لتجنب دفع ضريبة نقل رأس المال التي تقدر بمبلغ 67 مليون جنيه استرليني (سلف ضريبة التركات) على تركته البالغة قيمتها 123 مليون جنيه استرليني. اختتم مراسلنا قوله “إن أكبر خطأ ارتكبه هو أنه أصبح مهووسا جدا بتجنب الضرائب بحيث أصبح خلال سنواته القليلة الأخيرة، وفقا لأدلة المحكمة، وحيدا وغير سعيد وغير مرتاح”.
قبل خمس سنوات، عندما تمكنت من تجميع نسخة من العدد 150 من صحيفة “إنفيستر كرونيكل”، أظهرت الصفحة الأولى من العدد الذي يعود إلى عام 1860 أوجه تشابه مخيفة – كان المستثمرون مغتاظين من تزايد مستويات الاقتراض الحكومي، وما إذا كانت تركيا ستفلس (في ذلك الوقت، تحملت الجماهير البريطانية ديونها الخارجية كاملة)، ودعت الافتتاحية إلى تدقيق الشركات العامة بشكل أكثر دقة.
لكن الإعلانات التي جاءت في النسخة الافتتاحية من “إف تي ويك ـ إند”FT Weekend الصادرة في 1985 هي التي تظهر لنا حقيقة مدى تغير مشهد الاستثمار.
كانت فترة الثمانينيات بمثابة العصر الذهبي للمستثمرين الأفراد – مثل ذكريات بول كيليك المتعلقة بطفرة التخصيص الواردة في الصفحة العاشرة – لكن الخيارات الاستثمارية كانت محدودة، وقوانين الضرائب عفا عليها الزمن، والتنويع في أسواق الأوراق المالية الأجنبية يعتبر “أمرا غريبا”، حسب قول أحد المراسلين.
ويعتبر مستثمرو اليوم محظوظين بما يكفي بوجود مجموعة هائلة من الخيارات، إضافة إلى قدرتهم على الحصول على المعلومات باستخدام هواتفهم الذكية.
آنذاك، كانت الكلمة الأخيرة في تكنولوجيا الاستثمار هي محطة بريستيل – وهي النظير الإلكتروني لتداول الأسهم – ما يمكِن المستثمرين من وضع الطلبات قبل فتح الأسواق والاطلاع على الأسواق الأجنبية من خلال مكاتبهم المبطنة بخشب التيك. (يخطر على بالي أن أتساءل إن كان أحد من القراء يتذكر استخدام واحدة منها).
يطنطن أحد إعلانات شركة السمسرة عن بعد، هور جوفيت، مع قسيمة بريدية لها المستوى نفسه من التكنولوجيا المتقدمة لإرسالها في كتيب “لا تسمح لاحتفالات عطلة الأول من أيار (مايو) بأن تتدخل في القرارات الاستثمارية الخاصة بك”.
أكدت سلسلة من إعلانات الصناديق الأجنبية التي تعد بـ “التماس روح الأعمال التجارية العظيمة في الشرق الأقصى” على السحر الدولي المتزايد لقرائنا، وإن كان ذلك قبل بضع سنوات من انهيار اليابان. وقدمت إعلانات فليمينجز “للحسابات الجارية ذات الفائدة المرتفعة” معدلا مرتفعا نسبته 13.5 في المائة – وجدولا يضم أفضل أسعار الفائدة ويفصل بشكل جذاب كلا من الإيداعات والشيكات وحسابات بنوك الإسكان.
ما أجمل أن تكون مدخرا في عام 1985 عندما كان متوسط سعر الفائدة 8 في المائة. لكن كان مؤشر أسعار البيع بالتجزئة يلامس أيضا نسبة 6 في المائة – بعيدا كل البعد عن هبوطه الأسبوع الماضي إلى حد الانكماش. لكن إعلانات العقارات هي التي تسبب المفاجأة الكبيرة. كانت شركة “بارات للإسكان” من أوائل الرواد في إعادة تطوير “لندن دوكلاندز”، وواحد من الإعلانات الخاصة بأحد مخططاتها تبين لوحة بالألوان المائية لبرج لندن، ما يوضح أنه لم يكن هناك شيء يذكر بخلاف البرج في ذلك الحين. ما يتعلق بالحي الجديد يسرده بكل سحر لغة الوكلاء العقاريين بأنه “يضفي جوا هادئا”.
في عام 1985، كان يمكن للمترفين اقتناص فرصة الحصول على شقة من شركة بارات بمبلغ 67500 جنيه استرليني. اليوم، يظهر إعلان رايتموف أن بعض تلك الشقق يباع بأسعار تزيد على ثلاثة ملايين جنيه استرليني.
تخبرني شركة الوكالات العقارية، سافيلس – التي أظهرت إعلاناتها للعقارات لعام 1985 أكواما مهيبة مع حدائق مسورة وبرك للبط وحتى لعبة الخيول الدوارة – بأن نمو أسعار الأصول للعقارات السكنية في المملكة المتحدة كان بنسبة 468 في المائة على مدى الـ 30 سنة الماضية، مرتفعة إلى نسبة 942 في المائة في مناطق لندن الرئيسية.
رغم أن الإصدار الأول سبق الازدهار الذي ينضوي على طفرة الشراء من أجل التأجير، هناك رسالة رائعة للقارئ آتية من مالك أحد العقارات السكنية. يشتكي من أن البيت شبه المنفصل، الذي أجره مقابل 19 جنيها فقط في الأسبوع، يتم استخدامه كمتجر لبيع الزهور من قبل مستأجره، الذي كان قد شيد نفقا كبيرا مرعبا من البوليثين في الحديقة الخلفية.
لكن لعل الاختلاف الأبرز هو تغير الوضع المالي للنساء. في عام 1985، كان عنوان قسم المال هو “المالية والأسرة”، ربما تلميحا إلى رغبته في زيادة عدد القراء من النساء.
ينتقد عمود جديد بعنوان “التمويل والمرأة” المركز المالي الأقل للنساء المتزوجات اللواتي لا تزال عوائدهن أو أرباحهن تؤول إلى أزواجهن – حقيقة لا يدركها القراء الجدد – ما يبشر بتغيير في القانون لوضع حد لهذا الواقع. أوضح المقال أنه كانت تتم معاملة النساء بطريقة مختلفة باعتبارهن دافعات للضرائب ومقترضات ومنفقات ومقرضات ومدخرات ومستثمرات، حيث كانت البنوك السكنية ترفض منح قروض عقارية لنساء غير متزوجات، وتعد: “في هذا العمود، ستكون المرأة في المرتبة الأولى”.