على هامش المعارك التي تدور بين “جبهة النصرة” وفصائل أخرى الى جانبها من جهة وبين تنظيم “داعش” من جهة أخرى في محلة وادي الزمراني والعجرم، بهدف السيطرة على الممر الأساسي للمجموعات المسلحة باتجاه الداخل اللبناني، برز تطور خطير جداً في تلك المنطقة، حيث قام الطيران الحربي السوري قبل نحو أربعة أيام بتنفيذ غارات في الأجواء اللبنانية في منطقة وادي الخيل، حيث تنتشر الأراضي الزراعية لأهالي بلدة عرسال، وألقى خلالها قنابل مؤقتة بشكل كثيف، انفجرت تباعاً متسببة بانتشار دخان أبيض كثيف، نتجت عنه حالة من الهلع والخوف لدى المزارعين من أن تكون هذه القنابل من النوع الفوسفوري، إذ انتشرت روائح كريهة واحتراق مكان انفجار القنابل.
ورجح مصدر في بلدية عرسال لصحيفة “المستقبل”، “أن تكون هذه القنابل فوسفورية، ما يدفع الى الاعتقاد بوجود خطة ما بين الجيش السوري النظامي وحليفه “حزب الله” تجاه جرود عرسال والطرق الآيلة الى احتلالها تحت عناوين متعددة، تهدف أولاً الى قطع الطريق على الأهالي ومنعهم من التوجه الى أراضيهم الزراعية، وتالياً حصر المجموعات المسلحة في بقعة جغرافية محددة للانقضاض عليها لاحقاً”.
من جهة أخرى، لفت مصدر أمني لـ”المستقبل”، الى أن “مجموعات “حزب الله” المنتشرة في جرود يونين المتاخمة للبلدة تقدمت باتجاه جرود عرسال خلال الساعات الـ 24 الماضية، وأصبحت على مرأى من مواقع الجيش اللبناني المنتشرة على التلال المحيطة بالبلدة، ما دفع الى طرح الأسئلة حول هذا التحرك وهل هو مقدمة لدخول “حزب الله” الى عرسال بقوة السلاح، وهل سيقوم الجيش بحماية البلدة وأهلها أم سيقف على الحياد؟”.
وعلى صعيد متصل، قالت مصادر ميدانية في عرسال فضلت عدم الكشف عن هويتها، إن “الأهالي اتخذوا قرارهم بالوقوف صفا واحدا إلى جانب الجيش بمواجهة المسلحين”، الذين يختطفون منذ ما يقارب العام 25 عسكريا يحتجزونهم في المنطقة الجردية.
وأشارت المصادر، في تصريح لصحيفة “الشرق الأوسط”، إلى أنه “وبعد تهديدات مسؤولي “حزب الله” المتتالية بخوض عناصر الحزب المعركة بدلا عن الجيش، فذلك غيّر كل المعطيات، فبات الأهالي يتحضرون لمواجهة عناصر الحزب في حال قرروا الدخول إلى البلدة أو خوض معارك في جرودها”.
واعتبرت المصادر أن “تهديد نصر الله بتولي العشائر في منطقة البقاع مواجهة المسلحين هو جر للمنطقة إلى حرب أهلية”، مشددة على أن “الجيش وضباطه يعون تماما خطورة الوضع وحساسيته ولذلك لن يسمحوا بجرنا إلى هذا السيناريو”.
من جهته، شدّد رئيس بلدية عرسال علي الحجيري على أن الجيش وحده مخول الدخول والخروج إلى عرسال وجرودها، متوجها لحزب الله بالقول: “عرسال ليست القصير”.
وأشار الحجيري، في حديث الى “الشرق الاوسط”، إلى أن الجيش اللبناني يطوق عرسال من كل الجهات، “وبالتالي إذا قرر حزب الله الدوس على كرامة الجيش للدخول عنوة، فعندها نكون قد دخلنا في الفوضى وتم جرنا إلى المواجهة، وكما أن إيران وسوريا تمدان حزب الله بالسلاح فهناك دول أخرى ستدعمنا بالسلاح”.
وأضاف: “لكن الجيش يبقى ضمانتنا ونتمسك به بعكس حزب الله الذي يحاول تنصيب نفسه بديلا عنه”.
صحيفة “الأخبار” قالت: “إنه لن تكون معركة عرسال شأنها شأن المعارك التي حصلت وتحصل على الحدود اللبنانية ـ السورّية. هي، بالنسبة إلى تيار المستقبل، طاولة تُخلط فوقها الأوراق الحكومية والشعبية وربما… الحوارية”.
وأضافت: “علا صوت المستقبليين منذ إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرلله قرار تحرير أي أرض لبنانية يحتلّها إرهابيو «جبهة النصرة» و«داعش». يحاول النائب سعد الحريري ومعه تيّاره أن يُحيط المحتلّين بدشم سياسية تحميهم من أي دور ميداني للحزب، ولكن بحسابات مختلفة عن تلك الخاصّة بالجماعات الإرهابية، وإن تقاطعت في مكان ما حول هدف استنزاف الحزب من الداخل اللبناني”.
وتابعت “الأخبار”: آلف تيار المستقبل فكرة انغماس حزب الله في الميدان السوري، أو ربما سلّم بها. لم يعُد الهجوم الإعلامي على خلفية تدخّله هناك مقياساً يُمكن الركون إليه لتوقّع الخطوات التي يُمكن أن يلجأ إليها التيار. بات الهجوم المستقبلي المرتبط بالأحداث خلف الحدود أشبه بنشيد وطني ترداده واجب لامتصاص غضب الجمهور المحتقن. أما المعركة السياسية التي يخوضها التيار «دفاعاً» عن عرسال، فهي في الواقع آخر معركة له للإمساك بما بقي له في الشارع السنّي. فغض النظر عن اقتحام البلدة، من وجهة نظر المستقبل، «سيرمينا في دائرة نيران شعبية حاولنا ردمها قدر الإمكان، ومواجهة الجوّ الإسلامي الذي يؤجّجها استعداداً للانقضاض علينا والسيطرة على ما بقي لنا من حيثية».
مثّل كلام السيد نصرلله بالنسبة إلى الحريري «إشارة»، ردّ عليها رئيس تيّار المستقبل برسالة واضحة مفادها بأن «أحداً، أي أحد، ولا حتّى الدولة اللبنانية يُمكن أن تمون على حبّة تراب سنّية في لبنان إلا بغطاء منّي (أي الحريري) والمملكة العربية السعودية من خلفي». وهو، بكلامه عن محاولة حزب الله توريط المؤسسة العسكرية، إنما «يحذر القوى المشاركة في الحكومة من توفير غطاء للجيش اللبناني الذي لا يُمكنه خوض أي معركة في الداخل دون قرار سياسي موحّد»، كما أنه بموقفه المعترض، على ما يقول مستقبليون، قصد «إفهام قيادة الجيش بأن عليها الوقوف على الحياد في الخلاف بين المستقبل وحزب الله، وهذا يعني النأي بنفسها عن المعركة التي لوّح الحزب بفتحها قريباً إذا لم تتحمّل الدولة مسؤوليتها».
وقالت الصحيفة: “لن يرقّع المستقبل موقفه هذه المرّة، ولن يعتمد أسلوب المراوغة كما حصل في معركة عبرا، قبل أن يعود ويركب موجة دعم الجيش اللبناني حتى آخر نفس. في هذه الحرب، قطع المستقبل على الجيش اللبناني الطريق، ممسكاً إياه من اليد التي تؤلمه، إذ إن «اصرار الحريري على رفض دخول الجيش في معركة عرسال ولا حتى التلويح بالأمر، إنما هو نوع من التهديد الضمني بوضعه في وجه المدنيين العرساليين».
أما للحزب، الذي «سنستمر في محاورته حتى لو ذهب إلى الصين»، فعليه أن «يعرف أنه يضع نفسه في مواجهة عشرات الالاف من المدنيين العرساليين والمدنيين السوريين في المخيمات، ولا يُمكنه تحت أي حجة أو عنوان ضرب البلدة، لأن ذلك سيضيف خراباً فوق الخراب. عليه أن يدرس خياراته جيداً، وإلا فإنه سيقلب الطاولة على الجميع».
ولعلّ ردّ الفعل القوي الذي صدر عن تيار المستقبل، بحسب ما تقول المصادر، نابع من أن «المعركة لا تصب في مصلحة تيار الاعتدال، في هذا الوقت تحديداً، لأن أي مواجهة في عرسال وتحت أي عنوان أتت ستفقد المستقبل قدرته على قيادة شارعه، وسيعلو صوت محمد كبارة وخالد الضاهر ومعين المرعبي فوق أصوات سعد الحريري ونهاد المشنوق وكل جناحهما داخل التيار».
فقد أثبتت التجربة أن «التطرف في الشارع السني شئنا أم أبينا أقوى من اعتدال المستقبل». واستناداً إلى ما سبق «يريد تيار المستقبل، بالدرجة الأولى، من الوقوف في وجه تمادي حزب الله ووصول عناصره إلى عرسال، الحفاظ على قواعد الاشتباك الحالية بوجهها السياسي. أعلى سقف فيها اعتراضات متبادلة وحملات اعلامية تسير عكس ما تشتهي سفن الحوار». أما اللعب بورقة عرسال الأمنية والعسكرية، أمام واقع البيئة الحاضنة للمسلحين، فيعني أنّ «على المستقبل السلام»!