سام فليمنج وكريس جايلزمن لندن
يتفحص درو جرينبلات مركز الإنتاج في مصنعه الصغير في منطقة مُهملة في بالتيمور، ماريلاند، حيث يستخدم عاملان روبوتا كبيرا لثني الصلب. ويقول، “هذا الجزء كان يصنع في الصين، لكن بسبب الروبوتات سرقنا هذا التصنيع من الصين ونصنعه في أمريكا الآن”.
يقدر جرينبلات أن إدخال الأتمتة في شركة مارلين ستيل واير بروداكتس يساعد على تعزيز إنتاجية الموظف بمقدار أربعة أضعاف منذ عام 1998، ويشتمل زبائنه على شركة صناعة السيارات جنرال موتورز. المكاسب في الكفاءة مثيرة للإعجاب، لكن لم يتم نسخها في جميع أنحاء أمريكا.
حتى مع تبني شركات التصنيع الأمريكية الأتمتة في إطار مكافحة نقل الإنتاج إلى آسيا، إلا أن نمو الإنتاجية في مختلف قطاعات الاقتصاد في حالة ركود شبه تامة. هناك صورة مماثلة يتم مشاركتها في جميع أنحاء العالم، تعرض المشكلة الأكثر إلحاحا في الاقتصاد العالمي اليوم. فقط الهند وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يبدو أنها في مأمن من تباطؤ نمو الإنتاجية.
مختصو الاقتصاد يشعرون بالقلق على نحو متزايد لأن التحسينات البطيئة في الكفاءة تؤدي إلى انخفاض مستويات المعيشة وإلى موارد تمويل عامة أقل صلابة. على المدى المتوسط، نمو الإنتاجية هو أهم محرك للازدهار. وضعفه في الأعوام الأخيرة سبب جوهري في بقاء الأمم المتقدّمة في مسار نمو منخفض منذ الأزمة المالية حتى مع انخفاض معدل البطالة.
أثارت جانيت ييلين، رئيسة مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي، موضوع الإنتاجية “الضعيفة نسبيا” في أمريكا في خطاب الأسبوع الماضي وحثّت على استخدام بعض التدابير الجديدة لتعزيز التعليم، وتعزيز ريادة الأعمال، وزيادة الاستثمارات الرأسمالية.
بيانات جديدة من مؤسسة “مجلس المؤتمر” الاستشارية تظهر أن متوسط نمو إنتاجية العمال في الاقتصادات الناضجة تباطأ إلى 0.6 في المائة عام 2014، مقارنة بـ 0.8 في المائة عام 2013، نتيجة لتراجع الأداء في الولايات المتحدة واليابان وأوروبا. ويغلب على الإنتاجية، التي تقيس مدى كفاءة استخدام المُدخلات مثل العمال ورأس المال، أن تتطور على مدى فترات طويلة. لكن قراءات “مجلس المؤتمر” تؤكّد اتجاها طويل الأجل لتراجع النمو على نحو يقرع جرس الإنذار في أنحاء العالم كافة.
يقول جون فيرنالد، وهو مختص اقتصاد في الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، “في العقد الماضي كانت الولايات المتحدة تتمتع بنمو إنتاجية فظيع والبلدان الأخرى كانت تتراجع نسبيا إلى مستويات الولايات المتحدة”.
في المملكة المتحدة لم تتحسن الإنتاجية منذ ثمانية أعوام، لتكسر بذلك اتجاه النمو السنوي البالغ نحو 2 في المائة، الذي يمتد إلى أكثر من قرن من الزمن. وكان جورج أوزبورن، وزير المالية، قد التزم الأسبوع الماضي بأن تعزز حكومة حزب المحافظين الإنتاجية.
وفي مواجهة شيخوخة سكان سريعة وتباطؤ نمو التوظيف، تحتاج الاقتصادات الناضجة إلى تعزيز الإنتاجية بشكل حاد إذا كانت تريد الهروب من مستويات المعيشة الراكدة. وللتعويض الكامل عن تباطؤ نمو التوظيف خلال الأعوام الـ50 المقبلة، يحتاج نمو الإنتاجية إلى أن يكون أسرع بنسبة 80 في المائة ما كان عليه خلال نصف القرن الماضي، بحسب شركة ماكينزي الاستشارية.
وما إذا كان يمكن تحقيق مثل هذا التسارع، فإن الأمر يعتمد جزئيا على تحديد سبب تباطؤ النمو. بالنسبة للمتفائلين، الأرقام الضعيفة هي بمثابة إرث مؤقت للركود. التباطؤ في الطلب العالمي يعمل مؤقتا على إحباط استعداد الشركات للاستثمار في معدات وأفكار جديدة، وتعمل التوقعات الأكثر حذرا على إعاقة الإنتاجية.
لكن التباطؤ سبق الأزمة المالية. وتكشف بيانات “مجلس المؤتمر” عن انخفاض طويل الأجل في النمو في جميع الاقتصادات الناضجة. وهو انخفاض بدأ في أوروبا واليابان في التسعينيات، وتذكر البيانات أنه يرتبط بالاعتماد الأبطأ للتكنولوجيا.
ويشعر ماركو أنونزياتا، كبير المختصين الاقتصاديين في جنرال إلكتريك، بالقلق من أن هناك مشكلة هيكلية في أوروبا بسبب غياب المخاطرة، والإنفاق المنخفض على الأبحاث والتنمية، وأسواق العمل غير المرنة.
وفي الولايات المتحدة، الأكثر كفاءة بين الاقتصادات الكبرى، بدأ نمو الإنتاجية يتراجع في عام 2005. ووفقا لفيرنالد، هذا كان نتيجة انتكاس أرباح النمو المؤقتة من ثورة تكنولوجيا المعلومات في التسعينيات.
وهذا يُثير الاحتمال بأن نمو الإنتاجية الضعيف الأخير في الولايات المتحدة هو في الواقع عودة إلى اتجاه أقدم وأضعف. حتى في الاقتصادات الناشئة، حيث الكفاءة بدأت ترتفع، إلا أن معدل النمو قد تباطأ.
وهذا له آثار كبيرة من حيث النقص الذي طال أمده في الإيرادات الضريبية وزيادة الدين العام. لقد كان مجرد سيناريو من هذا القبيل – الانخفاض في نمو الإنتاجية بين عام 2010 وعام 2015 – الذي أدى إلى إطالة تقشف مُقرر له أربعة أعوام في المملكة المتحدة إلى عقد من البؤس في القطاع العام.
ويُعارض المتفائلون أنها مجرد مسألة وقت قبل أن نرى زيادة في الإنتاجية، مُشيرين إلى الابتكار في مراكز تكنولوجيا المعلومات الأمريكية مثل وادي السليكون.
الباحثون في شركة الروبوتات الزراعية القائمة في كاليفورنيا، بلو ريفر للتكنولوجيا، يتصوّرون مزارع المستقبل يتم مسحها من قِبل مجموعة من الطائرات بدون طيار، وتعتني بها أساطيل من الروبوتات والجرارات ذاتية القيادة. ويجري منذ الآن تشغيل فِرق عمل من “روبوتات الخس”، التي يتم جرّها عبر الحقول في أريزونا وكاليفورنيا لتحديد 1.5 مليون نبتة فردية في الساعة واتخاذ القرارات حول كيفية تسميدها.
يُجادل بعضهم بأن أسهل أهداف التقدّم التكنولوجي تم تحقيقها بالفعل. لكن آخرون يقولون، إن العالم على أعتاب طفرة نمو تقوم على الآلة، حيث تحل السيارات بدون سائق والروبوتات محل الناس، ويستشهدون بشركات مثل بلو ريفر.
وهناك توقعات أخرى أكثر تفاؤلا تشير إلى أن مفهوم الإنتاجية باعتباره مقياسا لمستويات المعيشة أصبح الآن قديما بسبب صعوبة قياس النوعية في الخدمات العامة مثل التعليم، وصعوبة التقاط التقدّم في عديد من التكنولوجيا الاستهلاكية. الخدمات المعادِلة لخدمة سكايب، مثلا، كانت باهظة التكاليف قبل عقد من الزمن، لكنها الآن مجانية، الأمر الذي يمنح الناس مستويات معيشة أعلى بدون إثارة قلق الإحصائيين الذين يجمعون بيانات الناتج المحلي الإجمالي.
تقول البروفيسورة ديان كويل، من جامعة مانشستر، “هذا ينقلك إلى منطقة مجهولة حول ما يعنيه التقدّم في الاقتصادات المُتقدّمة. من الواضح أنه كانت هناك زيادة في رفاهية المستهلكين، ربما كبيرة للغاية، ونحن لا نعرف مدى ارتباطها بالناتج المحلي الإجمالي”.
القياسات الخاطئة قد تفسر كيف أن كثيرا من المستهلكين هم أفضل حالا دون أن يبدو أن لديهم دخلا أعلى من حيث القيمة الحقيقية. لكن الحجج الإحصائية لا يمكنها زيادة الدخل أو الإيرادات الضريبية، كما لا تستطيع إعادة القطاعات ذات نمو الإنتاجية المرتفع سابقا إلى المستويات السابقة من النجاح.
بدون العودة إلى أنماط الإنتاجية السابقة في الاقتصادات المتقدّمة، فإن النمو سيكون أقل بشكل دائم، كذلك الإيرادات الحكومية. التقشف في القطاع العام سوف يُصبح ميزة ثابتة ولن يكون الآباء بعد الآن قادرين على أن يتوقّعوا أن يكسب أطفالهم أكثر ما يفعلون. لا يوجد شيء أكثر أهمية من ذلك بالنسبة للاقتصاد العالمي.